althania
icon
التغطية الحية

"البلد الشبح".. اقتصاد وهمي وثروات ضائعة في سوريا

2025.02.05 | 13:53 دمشق

يظهر بائعو الوقود من لبنان بشكل متزايد في شوارع دمشق، منجذبين إلى انخفاض سعر الوقود اللبناني مقارنة بالوقود السوري
بائعو وقود في شوارع دمشق ـ AFP
دمشق ـ زيد قطريب
+A
حجم الخط
-A
إظهار الملخص
- الفساد الإداري والموظفون "الشبح": وزير المالية في الحكومة السورية المؤقتة أشار إلى وجود 400 ألف موظف يتقاضون رواتب دون عمل، مما يعكس الفساد والخلل الإداري.

- المشاريع "الشبحية" والخسائر المالية: على مدى 54 عاماً من حكم آل الأسد، انتشرت مشاريع غير فعالة مثل الآبار والسدود، مما أدى إلى خسائر مالية كبيرة وفساد في قطاع الإسكان.

- الثروات والاقتصاد "الشبحي": رغم إنتاج النفط والغاز، لم تدخل العائدات الخزينة العامة بل ذهبت للقصر الجمهوري، مما أدى إلى نقص الوقود وتدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي.

توخياً للأمانة العلمية، لا بد من إسناد مصطلح "الشبح"، لوزير المالية في الحكومة السورية المؤقتة، محمد أبازيد، الذي كان أول من استخدمه، عندما قال إن هناك 1.3 مليون موظف، يتقاضون رواتب من الحكومة، لا يأتي للعمل سوى 900 ألف منهم، أما الـ400 ألف الباقون فهم "موظفون أشباح"، يتقاضون رواتب من دون أن يفعلوا شيئاً.

لكن وزير الاقتصاد في الحكومة المؤقتة، باسل عبد الحنان، لم يلتقط دقة مصطلح "الشبح"، عند الحديث عن مؤسسات القطاع العام، فقال إنها تبلغ 107 شركات، "أغلبها خاسرة"، وربما كان الأدق وصفها بالمؤسسات "الشبحية" أيضاً.

مشاريع "شَبحية" في سوريا

وخلال 54 عاماً، من حكم آل الأسد والبعث، تمكن مصطلح "الشبح"، من دخول جميع مفاصل الحياة السورية، ومن طرائف المنجزات الشبحية، ما حصل عند افتتاح أحد الآبار الارتوازية الضخمة بدرعا، من قبل أحد وزراء النظام البائد، حيث تم ملء البئر "الشبحي" بالقليل من الماء ليتم تصويره على التلفزيون، بعد قص الشريط الحريري، فالبئر كان مجرد مشروع شبحي، كلف مئات الملايين!.

هل سمعتم بالأشجار "الشبحية" العالية، التي تمت زراعتها على طريق مطار دمشق الدولي، عندما زار الرئيس الأميركي بيل كلينتون دمشق عام 1994؟ بالتأكيد لن ينسى أحد أيضاً، قصة السدّ "الشبح"، عندما انهار سد زيزون، ودمر عدة قرى مجاورة، وغمر 60 كم مربعاً من الأراضي، وقد فُسر الأمر حينها بعدم كفاية الدراسات لموضوع التسرب في قاعدة المنشأ، في حين لاحقت تهم الفساد، المشرفين عنه لفترة طويلة!.

يحدثنا "وليد" عن البيت "الشبح" الذي سجل عليه في إحدى الجمعيات السكنية، منذ أن كان شاباً، واليوم صار عمره 75 عاماً، ولم يستلم البيت!. بالطبع، لا أحد ينسى الفساد في "الاتحاد العام للتعاون السكني" الذي تم حله عام 2019، لأن رائحته أزكمت الأنوف حينها، وإلى جانبه الكثير من الاتحادات الفرعية والجمعيات السكنية "الشبحية"، الذين مات معظم مشتركيها ولم يستلموا المنزل "الشبح" الذي دفعوا دماء قلوبهم للحصول عليه!.

الفساد واقتصاد "الشَبح" السوري

وبما أن مؤشر مدركات الفساد لعام 2023 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، يعطي سوريا المرتبة 13، بين الدول "الفاسدة للغاية"، فلابد للمتابع أن يسجل قائمة طويلة من "الأشباح والشبحيات" في مختلف الميادين والاختصاصات.

البترول "الشبح"، هو أكثر ما أرّق السوريين خلال نصف قرن الماضي، فسوريا كانت تنتج 385 ألف برميل من النفط يومياً، تبعاً للأرقام الرسمية للنظام السابق، لكن النفط "الشبح"، لم يكن يدخل الخزينة العامة للدولة، وكان على السوريين، أن يكتفوا بالوقود "الشبح" لتدفئة منازلهم في الشتاء، مثلما هو الحال بالغاز "الشبح"، الذي كانت البلاد تنتج منه 30 مليون متر مكعب، قبل 2011، لكن النزر اليسير منه يصل لبيوت السوريين.

وكان النفط "الشبحي" بالنسبة للسوريين، و"الإثرائي"، بالنسبة لآل الأسد وتوابعهم، يشكل 67% من صادرات سوريا الخارجية، لكن ريع تلك الصادرات ارتبطت مباشرة بـ"القصر الجمهوري" فلا يوجد أرقام دقيقة للعائدات، لكن موقع بريتش بتروليوم، يقول إنه من المفترض أن تنتج سوريا ما بين 700 – 750 ألف برميل نفط يومياً، بعائدات تصل إلى 60 مليون دولار يومياً. وإذا حسبناها على كمية 385 ألف برميل المعلن عنها، تكون العائدات أكثر من 30 مليون دولار "شبحية" يومياً.

الثروات "الشبحية" التي لم يهنأ السوريون بها يوماً، كانت تتطلب إيجاد شعارات "شبحية" تبرر غيابها، فرافقها على وسائل الإعلام مصطلحات شبحية، مثل "مقاومة الإمبريالية والصهونية" و"تحرير الجولان"، و"الإنفاق العسكري وبناء جيش قوي"!.

في الثقافة أيضا!

في الجانب الثقافي والفني، حضر المصطلح "الشبحي" ليكون جزءاً من الجوقة، فعلى مدار سنوات طويلة، تولت وزارة الثقافة واتحاد الكتاب العرب الذي يسيطر عليه حزب البعث، مهمة طباعة كتب "شبحية" كثيرة، هزيلة إبداعياً، كما أنشئت جرائد ومجلات "شبحية" لتبرير الانفاق والفساد، وكل ذلك، كان يتطلب بالطبع، جيشاً من الموظفين "الأشباح"، الذين تحدث عنهم وزير المالية الحالي في الحكومة المؤقتة محمد أبازيد.

قبل انتصار الثورة وسقوط النظام يوم 8 من كانون الأول ديسمبر 2024، كانت حواجز الجيش "الشبح"، تتقاضى الإتاوات على شاحنات نقل الخضار والمواد الاستهلاكية المتنقلة بين المحافظات وصولاً لدمشق. وكان التجار يضيفون تلك التكاليف على أسعار البضاعة، فارتفعت الأسعار بشكل مخيف، لم يقدر تحمله الموظف، الذي تحول هو الآخر إلى "شبح"، نتيجة قلة التغذية، بسبب راتبه "الشبح" الذي لا يبلغ سوى 25 دولاراً في الشهر!.

يقول وليد، ذو الـ75 عاماً، الذي مازال ينتظر استلام بيته "الشبح"، من الجمعية السكنية منذ أكثر من 40 عاماً: "يا أخي، في الحقيقة كنا جميعاً نعيش في بلد شبح.. نأكل طعاماً شبحياً، ونتعامل مع أناس، نعتقد أننا نعرفهم، لكنهم أشباح، حتى أعمارنا مرت بسرعة كالأشباح".

بقي أن نشير إلى بروز مصطلح "التشبيح" كتعبير مواز "للشبحية"، في معجم آل الأسد والبعث. فالشعارات "الشبحية" والثروات "الشبحية" المنهوبة، كان يلزمها "تشبيحاً" ليحميها، وليقنع شعباً كاملاً، ولو لحين، بأنه مجرد شبح!.