icon
التغطية الحية

الباب.. طاقات بشرية ضخمة واقتصاد منهار

2022.06.04 | 09:20 دمشق

77080747_537359177088162_1917681710590328832_n.jpg
المدينة الصناعية في الباب (ناشطون)
إسطنبول - عمر الخطيب / عبد الله سكّر
+A
حجم الخط
-A

تبرز مدينة الباب كبرى مدن الريف الحلبي الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية بسبب موقعها المتميز كعقدة مواصلات مهمة في الشمال السوري، حيث تقع على الطريق الواصلة بين محافظة حلب ومحافظتي الرقة والحسكة، وساهم قربها من مدينة حلب، بجعلها بوابة حلب الشرقية، وبالرغم من تنوع النشاطات الاقتصادية في مدينة الباب فإنها تعاني من عدة مشكلات اقتصادية تؤثر على معيشة سكانها ودخلهم. نستعرض في هذا التقرير الواقع الاقتصادي في الباب والمعوقات التي تؤثر على الدورة الاقتصادية من خلال مقابلات أجريناها مع مزارعين وصناعيين بالإضافة إلى آراء خبراء اقتصاديين وناشطين.

لطالما شكلت مدينة حلب عصب الحياة الرئيسي لريفها الشمالي والشرقي حيث اعتمدت مدن وقرى هذا الريف، على حلب لتصريف المنتجات الزراعية والصناعية، ولكن سيطرة النظام السوري على حلب حرم الريف من ركيزته الاقتصادية الرئيسية، ولم تتوقف مشكلات مناطق شمالي حلب هنا، حيث إن سيطرة "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) على الجزيرة السورية حرمته أيضاً من أسواق الرقة والحسكة ودير الزور، وأتى ذلك بعد معارك طاحنة سواء مع النظام وداعميه الروس والإيرانيين أو مع تنظيم الدولة الأمر الذي أدى إلى تدمير كبير في القرى والمدن وتضرر البنية التحتية بشكل كبير.

الحالة الأمنية

بعد انطلاق الثورة السورية عمت المظاهرات مدينة الباب أسوة بأخواتها من المدن السورية، وتمكنت فصائل الجيش الحر من السيطرة على المدينة مطلع 2012 ولكن تنظيم داعش تمكن من السيطرة على المدينة في نهاية 2013 إلى أن تمكنت فصائل الحر مدعومة بالقوات التركية تحرير المدينة من قبضة التنظيم في شباط 2017 ضمن عملية درع الفرات التي أطلقتها تركيا لإبعاد التنظيم عن حدودها، آب 2016 - آذار 2017، وأتبعتها بعملية غصن الزيتون ضد قسد في كانون الثاني 2018.

مع انتهاء عملية غصن الزيتون أصبحت الباب ضمن منطقة خاضعة لسيطرة الجيش الوطني السوري المعارض تمتد من جرابلس إلى جنديرس، وتحدها إلى الشرق والجنوب مناطق تحت سيطرة النظام وقسد وإلى الغرب مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام، كما يظهر في الخريطة المرافقة:

 

Picture1.png
خريطة السيطرة العسكرية في سوريا نهاية 2021 وبداية 2022 - (مركز جسور للدراسات)

 

 

لا شك أن سيطرة النظام على مدينة حلب تسبب في إرباك الوضع الاقتصادي في مدينة الباب التي كانت تعتمد على حلب كسوق رئيسية لتصريف منتجاتها، كما أن عدم استقرار الحالة الأمنية زاد من صعوبة تحقيق الاستقرار الاقتصادي، ويقول الباحث السوري في مركز عمران للدراسات "سنان حتاحت" في دراسة له بعنوان (تعافي الاقتصاد المحلي في شمال حلب: الواقع والتحديات*) إن وقوع حلب تحت سيطرة النظام "وضع المناطق الريفية في شمال سوريا، نظرياً، على طريق الاستقلال الاقتصادي" ولكن استمرار المعارك أدى إلى حرمان هذه المناطق من الانخراط في أنشطة إنتاجية ومن تطوير بنية إدارية متماسكة ومستقرة يمكنها من إدارة الاقتصاد.

وحتى مع القضاء على تنظيم داعش وتموضع مناطق سيطرة كل طرف استمر استهداف الباب من قبل النظام وقسد وفلول داعش، حيث تتعرض المدينة للقصف ولعمليات تفجير كل فترة وأصبحت منطقة "شعالة" منطلق عمليات القصف على الباب حيث لا يمكن تحديد مصدر القصف بسبب وقوع هذه المنطقة تحت سيطرة مشتركة من قبل النظام وقسد.

 

Picture2.png
خريطة السيطرة والنفوذ (مركز عمران للدراسات الاستراتيجية)

 

الزراعة والثروة الحيوانية

تعتبر الزراعة والثروة الحيوانية من أهم النشاطات الاقتصادية في الباب، ومن أبرز المحاصيل التي تنتجها الباب القمح والرمان والفستق والزيتون والقطن، كما تعتبر تربية الماشية والدواجن بجميع أنواعها من أبرز القطاعات الاقتصادية في المدينة المشهورة على مستوى سوريا بمنتجات الأجبان والألبان، ولكن القطاعين يشهدان تراجعاً كبيراً في الباب لأسباب عدة من أهمها شح المياه وغياب أسواق التصريف ومع هذا التراجع بالقطاعين ازدهر قطاع الخدمات كما رصد الناشط "أسامة نعوس" الذي أضاف في حديثه لموقع تلفزيون سوريا أن "الباب مدينة زراعية في المقام الأول ولكن بدون التجارة تختفي الزراعة وتختفي الثروة الحيوانية شرياني الاقتصاد في مدينة الباب، صغر المساحة الجغرافية بجانب وجود قيود كبيرة على التبادل التجاري مع مناطق سيطرة النظام ومناطق سيطرة قسد يدفع إلى تراجع الاقتصاد، وللأسف الجانب التركي لا يستورد إلا منتجات قليلة جداً".

المياه والوقود

 تبرز مشكلة المياه كأكبر وأصعب المشكلات التي تعاني منها مدينة الباب، حيث تم استخدام المياه كسلاح من قبل النظام منذ بدء الثورة السورية وقام بقطع المياه والكهرباء عن المناطق التي تسيطر عليها المعارضة فضلاً عن القصف الذي استهدف بشكل ممنهج البنية التحتية لا سيما شبكات المياه والكهرباء، وكانت الباب تستمد مياه الشرب والري من مضخة "عين البيضا" في منطقة دير حافر شرقي حلب، التي يسيطر عليها النظام، وبعد قطعها عانت المدينة من أزمة مياه حادة حاولت تعويضها من خلال حفر الآبار مما شكل ضغطاً كبيراً على مخزون المياه الجوفية.

ومع مشكلة المياه يواجه المزارعون مشكلة ارتفاع سعر الوقود والسماد مما يزيد من كلفة الإنتاج، وبالرغم من أن وفرة الأمطار خلال السنوات الماضية ساهمت في ارتفاع كمية بعض المحاصيل فإن تدني سعر البيع مقارنة بالتكاليف الكبيرة حرم المزارعين من تحقيق الأرباح، ويلفت المزارع "أبو محمد" في حديثه لموقع تلفزيون سوريا إلى أن الإنتاج الزراعي في الباب كان مرتبطاً دوماً بإمكانية تصريفه في أسواق حلب وباقي المحافظات السورية "لكن الآن لا يوجد طريق إلى حلب أو الرقة والحسكة.. القطن مثلاً، أين سيتم نسجه؟ لذلك توقفت تقريباً زراعته في الباب" وبالإضافة إلى ما ذكره أبو محمد فالقطن بحاجة إلى كمية مياه كثيرة. وكذلك تعاني زراعة الزيتون من مشكلات مشابهة حيث إن إنتاج الباب من الزيتون والزيت بمعظمه كان للتصدير إلى خارج المدينة، ويتابع أبو محمد "أسعار المازوت ارتفعت كثيراً فسعر البرميل 120 دولاراً، ونحتاج إلى المازوت لتشغيل المضخات لاستخراج المياه من الآبار لكن مع مثل هذا السعر بكم سنبيع ومن سيشتري".

ويواجه مربو الماشية والدواجن مشكلات مشابهة فارتفاع التكاليف أصبح مرهقاً ويعرضهم للخسارة ولذا بدأ كثير منهم بالتخلي عن هذا العمل، ويقول "سعيد المحمود" مربي دواجن، لموقع تلفزيون سوريا إن الثروة الحيوانية تضررت كثيراً في الباب بعد أن كانت من القطاعات الاقتصادية الناجحة "لقد دُمرت الثروة الحيوانية في الباب، المدينة التي كانت تصدر المنتجات الحيوانية إلى كل مكان"، ويشرح المحمود بأن ارتفاع سعر الأعلاف من أكبر المشكلات التي تواجه هذا القطاع بالإضافة إلى غياب أسواق تصريف المنتجات "لا توجد أسواق لتصريف بضائعنا ومنتجاتنا نتيجة لإغلاق المعابر مع مناطق النظام، أسعار الأعلاف تشهد ارتفاعاً عالمياً نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا. بالإضافة إلى رخص أسعار المنتجات الحيوانية القادمة من تركيا" فإغلاق المعابر ساهم بزيادة المعروض في السوق المحلي مما أدى إلى تدني الأسعار بحيث أصبحت من دون سعر الكلفة.

ويقول الباحث "سنان حتاحت" لموقع تلفزيون سوريا إن "التجارة قائمة وتصدير المنتجات الزراعية والحيوانية إلى حلب والمنطقة الشرقية قائم. لكن عبر الطرق غير الشرعية" فالتهريب مزدهر بين مختلف المناطق مع غياب المعابر الشرعية، وبظل تعدد الفصائل لا يمكن ضبط التهريب لا سيما أن بعض الفصائل منخرطة في هذه النشاطات حيث إن عوائد التهريب كبيرة. لكن التهريب لا يحل مشكلة تصريف المنتجات، فسواء بيعت المنتجات إلى المهربين أو دُفعت الأموال مقابل نقلها في الحالتين يضطر المزارع والمربي لبيع المنتج بأسعار قليلة أو دفع مبالغ كبيرة لقاء نقلها.

التصنيع

تعتبر الحلاوة والطحينة من أبرز المنتجات الغذائية في مدينة الباب وأكثرها شهرة، حيث توجد في المدينة عشرات معاصر السمسم ومعامل إنتاج الحلاوة والطحينة، وكانت توزع منتجات الحلاوة والطحينة في مختلف المحافظات السورية وبعض الدول العربية والأوروبية.

ويقول محمد، أحد أصحاب معامل الحلاوة والطحينة، إن منتجات المعمل كانت تُوزع في "معظم المحافظات وفي فترات معينة من كل عام إلى هولندا" ويضيف محمد لموقع تلفزيون سوريا أن "كلفة الكهرباء العالية وارتفاع أسعار المحروقات وعدم توافرها أحياناً من أبرز مشكلاتنا" وعن توزيع منتجاتهم في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة يوضح محمد "تخيل أن كلفة عبور طن واحد من الطحينة أو الحلاوة عند معابر هيئة تحرير الشام 30 دولاراً وفي عفرين 5 دولارات وتختلف قليلاً الرسوم في مدينة اعزاز، فضلاً عن أجور النقل والقلق على سلامة السائق والخوف على البضائع".

وليس حال معاصر الزيت في المدينة ومحيطها بأفضل حالاً، حيث تعاني المعاصر بالإضافة إلى مشكلات انقطاع التيار الكهربائي من قلة كميات الزيتون الواردة إليها حيث كان الزيتون يأتي إلى هذه المعاصر من مختلف مناطق حلب والرقة ولكنها الآن تكاد تكون محصورة بالباب وريفها.

غياب الاستثمار

تعتبر الباب منطقة ملائمة للاستثمارات الصناعية والزراعية حيث تتمتع بموقع ممتاز بسبب قربها من الحدود التركية ومنطقة الجزيرة السورية وحلب، كما أنها بحسب الخبير الاقتصادي المحلي "نعيم لومان" تتمتع بخبرات محلية كبيرة ومساحات زراعية والكلفة قليلة نسبياً "أسعار الأراضي غير مرتفعة لإقامة المنشآت الصناعية كما أن اليد العاملة تعتبر رخيصة نسبياً بالإضافة إلى توافر الخبرات العالية" ويضيف لومان لموقع تلفزيون سوريا بأن العائق الأساسي هو "عدم الشفافية، حيث من غير الواضح ما هي الأسس أو القواعد لتصدير البضائع إلى تركيا، مع عدم وجود معابر إلى مناطق النظام وقسد مما يؤدي إلى تراجع الإنتاج وعزوف المستثمرين عن الاستثمار في المنطقة"، ويشكل غياب القوانين والسلطة المركزية عوائق حقيقية بوجه الاستثمار في الباب مع وجود فوضى أمنية تتعلق بتعدد الفصائل وارتباط مصالح بعضها بهذه الفوضى.

 

 

ويشير "حتاحت" إلى أن عدم وجود قوانين ناظمة للاقتصاد ساهم بحالة الفوضى الحالية وحلول التهريب محل المعابر الشرعية كما أن عدم "وجود مصارف بالمنطقة أثر كثيراً على حركة الأموال وساهم بابتعاد المستثمرين" ويرى حتاحت ضرورة وجود سلطة مركزية في مناطق درع الفرات لفرض قوانين ناظمة ومتابعة تنفيذ هذه القوانين، ويضيف بأن "منطقة الباب وباقي مناطق درع الفرات تمتلك قوة بشرية ضخمة، ووجود سوريين من مختلف المحافظات في هذه المنطقة يوفر خبرات عديدة وفي جميع المجالات".

تتقاطع شكاوى أهل الباب في الفوضى الأمنية وغياب سلطة القانون بالإضافة إلى الخوف الدائم من عمليات القصف المباغتة والتفجيرات التي تستهدف المدينة من فترة لأخرى، وبرغم أن القرار الأخير للخزانة الأميركية بخصوص إعفاء مناطق في شمال شرقي وشمال غربي سوريا ومن ضمنها الباب من عقوبات قيصر، فإن استمرار تعرض المنطقة لاعتداءات من قبل النظام السوري بالإضافة إلى غياب السلطة المركزية القادرة على فرض القانون والنظام المصرفي لا يسمح بالاستفادة من هذا الاستثناء.