icon
التغطية الحية

"الانهيار السوري.. الصراع على السلطة والدولة والهوية"

2021.11.24 | 05:13 دمشق

smyrt_almsalmt-_tlfzywn_swrya.png
+A
حجم الخط
-A

"إلى تلك الصرخات الحرة التي استنهضت في داخلنا معنى الوطن، وإلى كل من سقى نبتة الحرية بدمه، أو فنه أو قلمه أو فكره". بهذه الكلمات المليئة بالعرفان لمن كانوا طليعة ثورتنا كسوريين، تستهل المعارضة سميرة المسالمة كتابها أو مراجعتها لوقائع ثورة مغدوره، ما تزال تنزف من دم أبنائها وما يزال الشطر الأكبر من القوى العالمية والإقليمية يقاوم وصولها إلى ما قامت من أجله.

تستعرض سميرة المسالمة رحلتها الشخصية بدء من توليها رئاسة تحرير صحيفة تشرين التابعة لحكومة النظام في سوريا، واقتراحاتها الجريئة التي كانت سبباً في عزلها وإقصائها، وتعرض أسرتها لأكثر من محاولة اغتيال في دمشق، وصولاً إلى توليها منصب نائب رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة "2016-2017"

تتحدث كإعلامية يملي عليها واجبها الوطني والمهني والأخلاقي طرح الأسئلة الصعبة التي لم تستطع مؤسسات المعارضة طرحها والإجابة عنها "أين كنت؟ وأين صرنا؟ ولماذا وكيف؟ ومن يتحمل مسؤولية كل هذا؟"

لا يكتنف هذه المراجعة وهم إمكانية النجاح لو أن المعارضة أحسنت إدارة العلاقة بين الفصائل المسلحة وبين القوى السياسية المعارضة أو لو كان موقف المعارضة أكثر استقلالية عن الدول المحتضنة أو المتداخلة في الملف السوري، لكن بالتأكيد كان من الممكن أن يكون الحال أفضل مما هو عليه الآن.

يستعرض الكتاب كيف فشل الائتلاف الوطني في صياغة مشروع وطني يشمل السوريين، كما فشل في تقديم مقاربة مناسبة للمسألة الكردية التي تشكل محوراً رئيسياً من الأزمة السورية، والأخطر من هذا كيف غازل وجامل الائتلاف الوطني جبهة النصرة لدرجة اعتبارها لسنوات جزءاً لا يتجزأ من الثورة السورية الأمر الذي انعكس سلباً على موقف الكثيرين من هذه الثورة.

تشكل هذه المراجعة في شطر منها رسالة اعتذار للشعب السوري الذي ما يزال يدفع ضريبة إجرام النظام وأخطاء المعارضة، إضافة لمحاولة وضع النقاط على الحروف لمسيرة عشر سنوات من الأخطاء المتراكمة لأشخاص تسلموا قيادة المعارضة السورية، وكانوا أمناء للسعي على حفاظهم على مواقعهم، أكثر من أمانتهم على فعل شيء جاد يدفع بمركب هذه الثورة للأمام، "وأستطيع القول من خلال مشاهدتي المباشرة ولسنوات، إن الجهد الأعظم لمعظم تلك القيادات فور انتخابهم لموقع ما، كان منصباً على سعيهم للفوز بذات الموقع في الانتخابات المقبلة بعد عام أو عامين".

بعد المقدمة التي يعرض فيها الكتاب لجملة من الأوجاع والأخطاء الكارثية، التي كانت نتاج ما فعلته القيادة السياسية الهشة للمعارضة، تعرض الكاتبة لشهادتها الشخصية، من خلال عملها كإعلامية، عبرت بشكلٍ صريح عن رفضها لعمليات القتل والاعتقال التي ارتكبتها الأجهزة الأمنية، في الأسابيع الأولى من بدء الاحتجاجات السلمية في مدينتها درعا، وكيف كانت مقترحات بعض القيادات الأمنية، مواجهة الاحتجاجات بأقسى درجات العنف، وإيقاع الكثير من القتلى في صفوفهم، بغية بناء رادع من الخوف يثني الآخرين عن الاستمرار في الاحتجاجات، التي كانت تشكل للنظام رعباً حقيقياً.

يمضي بنا الكتاب في رحلةٍ طويلةٍ مليئةٍ بأدق التفاصيل اليومية التي عاشتها بواكير الثورة، من درعا إلى باقي المدن السورية، وكيف كانت أصداؤها في العاصمة دمشق، عبوراً بالتدخل الروسي في مجلس الأمن أولاً ثم التدخل العسكري المباشر، وكذلك التدخل الإيراني عبر العديد من الميليشيات الطائفية التي زرعت الرعب والموت في الجسد السوري، ثم التوقف عند الدور الإسرائيلي الذي وصفه الكتاب بالدور الخفي، والذي لم يبق خفياً فيما تلا من أحداث، فها هي تقصف وعلى نحو متكرر قوافل عسكرية وإمدادات إيرانية تعبر الأراضي السورية إلى حزب الله، مواقع لتدريب وتحشيد الميليشيات الإيرانية، وهي من جانب آخر تضع كلتا يديها في ظهر هذا النظام كيلا يسقط، فهو خير نظام يمكن له أن يحمي حدودها ويعيق نشوء نظام حكم وطني يتمسك بحق الفلسطينيين في أرضهم وحق السوريين في الجولان المحتل.

وفي استعراضها لانزياحات مواقع الدول تجاه الصراع الذي يدور في سوريا، ترصد الانزياح الأميركي من المتابعة والتدخل السياسي إلى التدخل العسكري المباشر، عبر زج قوات عسكرية أميركية في الشمال والشرق السوري بدءا من عام "2016" ولم يكن هذا الوجود محصوراً بمحاربة الإرهاب "تلك الذريعة التي لا تفتأ أميركا ترددها في كل مكان" بل أعلنت أنها موجودة إلى أن تتم التسوية السياسية عبر مسار جنيف حصراً.

كذلك الموقع التركي والإيراني والروسي وظهور الدور الإسرائيلي الذي لا يني يؤكد أنه ضد إسقاط نظام الأسد، والذي يمرغ بهذا الدعم والتأكيد وجه نظام الأسد الذي لا يتوقف عن الترويج لكذبة المقاومة والممانعة.

ويخلص الكتاب إلى جملة نتائج في هذا السياق:

  1. ليس لدى الجهات الدولية استراتيجية لحسم الصراع في سوريا، وهي التي عملت إلى الآن على إبقاء صيغة لا غالب ولا مغلوب، وهذا يفضي بالضرورة إلى أن الحسم في سوريا بعيد المنال.
  2. يجب ألا يسوقنا هذا لتكرار ما يروجه النظام، من أن العالم يعيد إنتاج نظام الأسد فهذا أيضاً أمر غير وارد ولن يستقيم.
  3. يمكن اختزال الموقف الأميركي بأنه دفع لتوريط معظم القوى الإقليمية في الوحل السوري، لتبقى هي الجهة المقررة الأقوى فيما ستنتهي إليه الأمور.
  4. إن الصراع الدائر في سوريا والعراق، والذي نتج عنه تفكك كارثي في بنية المجتمع والدولة هو من مقاصد الإدارات الأميركية المتعاقبة، والتي تضع مصلحة إسرائيل وأمنها في المرتبة الأولى من قائمة اهتماماتها في الشرق الأوسط، والذي سيحافظ على بيئة آمنة لدولة إسرائيل.

ويستعرض الكتاب وبتفصيل واسع واقع المعارضة السورية الهشة، والكم الهائل من الأخطاء والتناقضات التي وقعت فيها، لدرجة باتت معها معارضة معزولة عن حاضنتها، ولا تمتلك كما كانت حين بدأت تأييدها، الأمر الذي نتج عنه بالضرورة عدم وثوق القوى الخارجية بها، فباتت تعقد المؤتمرات واللقاءات الحاسمة دون وجود ممثل سوري واحد في العديد من المرات.

وفي الاستعراض الطويل لمسارات هيئات التفاوض، والمنصات التي تم تشكيلها على نحو مدهش، ومسارات أستانا وسوتشي واللجنة الدستورية، وغيرها من المسارات العبثية التي شغلت معظم أطراف المعارضة الهشة والممزقة أصلاً، بينما يوغل النظام في إجرامه وقتله، وتهجيره للسوريين وتغيير التركيبة السكانية، على نحو يعزز من قدرته على الاستمرار بالحكم.

في الفصل الأخير يتناول الكتاب المسألة الكردية عالية التعقيد، بدءا من مسألة الفيدرالية وضرورتها، كيلا نعيد إنتاج نظامٍ استبداديٍ آخر، إلى حق الكرد في تقرير المصير، وتعقيد وضع القوات الكردية "قسد".

يخلص الكتاب إلى نتيجة مفادها "أن من هُزم أمام النظام، هو من يشبهه، وليس من يشبه السوريين، لأن الثورة بفكرها كانت تهدف إلى إقامة دولة السوريين الأحرار المتساوين.

الكتاب غني بتسلسل الوقائع التي سارت عبرها الثورة السورية من المخاض إلى الولادة إلى نشوة التقدم إلى الانكسارات المتوالية، التي أفضت إلى هذا الانهيار السوري.

تشكل هذه البواكير الأولى لشهادات ومراجعات معارضين سوريين كانوا في يوم ما في مواقع متقدمة من مؤسسات المعارضة، وثائق معلنة وهي مؤهلة للنقد أو القبول أو لمزيد من الإضاءات والتوضيح، بحيث تشكل بتراكمها، رؤية بانورامية للحدث السوري الأبرز والأكثر دموية في التاريخ الحديث، وإن طرق هذا الباب من الشهادات ينطوي على قدر كبير من الجرأة وإتاحة الذات للنقد والمحاكمة، وربما يفتح الباب لمزيد من الشهادات والمراجعات النقدية التي لا مندوحة عنها إن أريد لهذه القافلة أن تستمر.

الكتاب: الانهيار السوري.. الصراع على السلطة والدولة والهوية
الكاتب: سميرة المسالمة رئيسة تحرير صحيفة تشرين سابقاً ونائبة سابقة لرئيس الائتلاف الوطني
وصدر الكتاب في نهاية 2021 عن منشورات "ضفاف" ومنشورات "الاختلاف"