الانفصام يولّد المزيد من الإجرام

2018.11.12 | 00:11 دمشق

+A
حجم الخط
-A

 ما تزال صفة الانفصام عن الواقع ملازمةً لتصريحات ومواقف ومسلكيات نظام الأسد كل هذه السنين. والانفصام أو الانفصال عن الواقع يستلزم المكابرة والتزييف والكثير من الخيال، وأحياناً المريض منه. تكون تلك الصفات متأصلة أحياناً ومشغولا عليها في كثير من الأحيان.

حتى اللحظة، ما زال النظام يقدّم ما حلَّ بسوريا خلال السنوات الماضية على أنه نتيجة مؤامرة دولية استهدفت سوريا المقاومة الممانعة؛ وأن إسرائيل وأمريكا وراء تلك المؤامرة؛ وهما - إضافة إلى الدول التي تدور في الفلك الأمريكي كالسعودية وتركيا و. و. و. - مَن اشترى وشغّل مجموعات سورية تُسمى المعارضة؛ كل ذلك إضافة للإرهاب. يكفي القول هاهنا إنه لولا إسرائيل وأمريكا، لما بقي هذا النظام حتى اللحظة.

الجوقة تقول إن ما فعلته "الدولة السورية" حتى الآن ليس إلا القضاء على الإرهاب وتحرير تلك المناطق التي دمرها الإرهاب وشرد أهلها السوريين؛ وذلك استلزم طلب الدعم من أصدقاء الدولة السورية ونظام المقاومة والممانعة في كل من لبنان وإيران وروسيا، وبشكل شرعي، كي يقدموا المساعدات في محاربة الإرهاب ودحر المؤامرة الكونية. كل واحدة من تلك القوى المذكورة أعلاه صرّحت علناً أنه لولاها لسقط النظام؛ ومعروف أن ثمن ذلك كان بيع البلد لهؤلاء؛ وهم من يتحكم بمصيره.

أبواق منظومة الاستبداد تقول إن هؤلاء الذين خرجوا من سوريا كانوا بفعل الإرهابيين؛ وتم تهيئة الظروف لهم من قبل تركيا والاتحاد الأوروبي، وبدعم أمريكي كي يخرجوا على الدولة السورية تحت ضغط إغراءات مادية وعيش رغيد خارج سوريا. حقيقة الأمر أن إجرام منظومة الأسد وداعميه هو من أخرج السوريين من ديارهم، ولا ينسى أحد رغبة رئيس المنظومة بـ "مجتمع متجانس".

         وعندما يتم ذكر المعتقلين، تقول سرديتهم إن هؤلاء متآمرون على الوطن وعملاء أرادوا تخريب الدولة المقاومة الممانعة التي تعيش بأمان وحرية ورخاء؛ وهم أرادوا بيع أنفسهم لأعداء النظام التقدمي المقاوم الممانع، فتم اعتقالهم؛ وتجري محاكمتهم قانونياً؛ وكلما توفي أحدهم بسبب مرض يجري إخبار أهله عبر دائرة النفوس كي يرقّنوا قيده. وحول تعذيب المعتقلين حتى الموت ترى الجوقة أن ذلك ليس

معروف تاريخياً أن من يقول "لا" لمنظومة الاستبداد يُعتبر خائناً للوطن؛ ولا يوجد في سوريا قانون لتكون هناك محاكمة؛ وآلاف صور من قضوا تحت التعذيب لا تحتاج إلى براهين على وحشية منظومة الاستبداد

إلا دعاية مغرضة هدفها تشويه سمعة الدولة السورية. وبخصوص دمار نصف سوريا، ومقتل لا يقل عن مليون سوري؛ فبرأيهم أن هؤلاء الإرهابيين كانوا يأخذون من المدنيين رهائن ويتحصنون بالمباني التي تتعرض لبعض الهدم اضطرارياً.

والآن القانون رقم عشرة سيعيد تلك المناطق إلى شكل لائق منظم على أحدث طراز عالمي ودون وجود هؤلاء الإرهابيين السلفيين السعوديين الداعشيين وعصابات النصرة التي لعبت بعقول المواطنين السوريين ونشرت الطائفية والتعصب والتطرف واستهدفت الأقليات العلوية والمسيحية والشيعية والدرزية والأزيدية.

معروف تاريخياً أن من يقول "لا" لمنظومة الاستبداد يُعتبر خائناً للوطن؛ ولا يوجد في سوريا قانون لتكون هناك محاكمة؛ وآلاف صور من قضوا تحت التعذيب لا تحتاج إلى براهين على وحشية منظومة الاستبداد. التدمير، لم يأت بهزات أرضية بل بفعل طائرات الأسد وبوتين الذي صرّح بأنه جرّب أكثر من مئة صنف من الأسلحة الروسية في سوريا. وبخصوص إعادة البناء بشكل أحدث؛ كان السوريون راضين بما لديهم من أبنية، ولا يريدون أبنية حديثة يسرق قيمتها الإجرام الآن، ثم يعود ليدمرها ثانية.

          آخر إبداعات هؤلاء المنفصمين تقول إن الكثير من الدول العربية والأوروبية تتقاطر وتتزاحم على طلب ود الدولة السورية لإعادة العلاقات معها بعد أن قاطعتها ظلماً أو خوفاً أو انصياعاً للتوجيهات الأمريكية التي استهدفت تاريخياً الدولة السورية رائدة المقاومة والممانعة في وجه الصهيونية والشيطان الأمريكي الأكبر.

وها هي الدولة السورية تدعو مواطنيها الذين تسبب الإرهاب الداعشي والتطرف السعودي القطري والخبث التركي بتشردهم للعودة إلى حضن وطنهم حيث سيكون هناك إعادة إعمار ورخاء اقتصادي وأمني لا يتعرض لحياة أي منهم؛ تماماً كما يحدث لجماهير المصالحات الذين كانت تحاصرهم الميليشيات الإرهابية للنصرة وداعش في مختلف البقاع السورية.

وها هي مناطق خفض التصعيد تعود لحضن الوطن برعاية روسية بسيطة ودعم أخوي إيراني يقدم لها الثقافة ونقاء الروح والتعاليم الدينية الحقيقية الصحيحة. هذا الهراء والدجل لا يحتاج إلى تفنيد أو تكذيب لأن مكانه فقط تلك العقول المنفصمة؛ فلا يتقاطر إلا المنفصم مثلهم/ ومَن يعود مكانه المعتقل أو القتل/ والاقتصاد في الحضيض/ وقادة المصالحات في المعتقلات/ والحسينيات أمكنة لتجنيد العصابات.

          وعلى صعيد السرديات السياسية، تجد منظومة الاستبداد تعوّم خطاباَ يقول إن كل تلك المحاولات للحديث عن لجنة دستورية ليس إلا اعتداءً على السيادة السورية؛ فالدولة السورية توزع دساتير على العالم. وإن كان هناك من حاجة لمناقشة أو تعديل بعض النقاط الدستورية المتعلقة بالخدمات أو غيرها؛ فالسوريون هم من يقوم بذلك؛ وهذا الأمر سيادي. فكما قالت الدولة السورية أن من يريد التدخل لا بد أن يتشاور معها؛ فهي تقول الآن إن من يريد التدخل بذلك، لا بد أن يضع نصب عينيه سيادة الدولة السورية وقيادتها الحكيمة التي تكتب دساتير للعالم. وما يكذِب هذا الهراء هو حتمية تشكيل اللجنة الدستورية قبل نهاية العام، ودخول النظام فيها صاغراً؛ فأمر هذه العصابة ليس في يدها.

          ترى هذه الطغمة المنفصمة عن الواقع، الممتهنة للغوبلزية (نسبة إلى "غوبلز" وزير إعلام هتلر) أن المذكرات التي تصدر باعتقال مجرمين كجميل حسن وعلي مملوك، إساءة لسمعة هؤلاء الوطنيين؛ فالدولة السورية هي التي يجب أن تصدر مذكرات اعتقال برؤساء تلك الدول التي تدخلت بالشأن السوري دون التشاور مع الدولة السورية أو أخذ الإذن منها. وبرأيها أن ما يُشاع عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية كاستخدام السلاح الكيماوي، فها هو يثبت دون أدنى شك بأن أصحاب "الخوذ البيضاء" العملاء الذين تعتبرهم روسيا إرهابيين أيضاً، هم من كانوا يقومون بتلك الأعمال الإرهابية باستخدام الغازات السامة بالتنسيق مع الخبراء البريطانيين حيث كان يتم تصوير بعض سخافاتهم التي يسمونها انتشال عالقين تحت الأنقاض كي يشوهوا صورة الدولة السورية رائدة المقاومة والممانعة. تعوّد العالم على هذا الهراء. وتلك المذكرات بالمناسبة هي أول الغيث.

          وأخيراً، تعتقد تلك المخاليق المنفصمة أن سوريا تعود أكثر حيوية فاتحة صدرها لأبنائها

يأتيك من يقول أن هذه الطغمة يمكن أن تتعايش معها، ويمكن إعادة تأهيلها. إذا كانت النية أو الإرادة الدولية بهذا الاتجاه فبئس هكذا عيش، وبئس هكذا "وطن"

كي يعودوا إليها ويبدؤوا أعمارها من جديد دون ابتزاز إمبريالي من البنك الدولي أو من الذين دمروا سوريا عبر أدواتهم الإرهابية في المعارضة وغيرها؛ وها هي تماثيل رمزية لمؤسس الدولة السورية الرئيس الخالد حافظ الأسد تتم إشادتها كمقدمة لإعادة الإعمار لتلك المناطق التي دمرها الإرهابيون ومشغلوهم. حقيقة، يكفي أن تبدأ "إعادة الإعمار" بزرع أصنام المجرم الأول ثانية، فهذا دليل على الإفلاس المطلق.

تلك هي روايات منظومة الاستبداد، بكل صلف ووقاحة وانفصام مطلق عن الواقع. ويأتيك من يقول إن هذه الطغمة يمكن أن تتعايش معها، ويمكن إعادة تأهيلها. إذا كانت النية أو الإرادة الدولية بهذا الاتجاه فبئس هكذا عيش، وبئس هكذا "وطن" يثبّت مقولة محمد الماغوط. وإذا أخذ هذا المنطق الأعوج الكاذب الزائف المزيف طريقه إلى القبول، وإن وجدت هذه السردية من يشتريها أو يقبل بها؛ فليبشر هذا العالم بسرديات أخطر، وهتلرات بالعشرات، وضياع الحق والحقيقة، وغياب القانون، ودمار ما سبق وإن خبرته أو بنته البشرية. لا بد لهذه المهزلة السوداء أن تنتهي، ولا بد لمطحنة الدم واللحم والقيم والحقيقة والشرف والإنسانية أن تتوقف؛ وفوراً؛ فالانفصام يولّد المزيد من الإجرام.