الانسحاب من خدعة أستانا

2021.07.23 | 06:19 دمشق

thumbs_b_c_4c1014a17507f731b0c9e77354686204.jpg
+A
حجم الخط
-A

خلال الأسبوعين المنصرمين حدث تغيران هامان في الائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية أولهما كان وفاة نائب رئيس الائتلاف الأستاذ عقاب يحيى وثانيهما انتخاب الأستاذ سالم المسلط رئيسا جديدا للائتلاف، هو العاشر في سلسلة الرؤساء الذين تعاقبوا على الرئاسة خلال تسع سنوات من عمر الائتلاف .

خطاب الرئيس الجديد كان لافتا للانتباه، فلأول مرة يخاطب مسؤول في الائتلاف كل السوريين دون استثناء، المعارضين والضحايا الموالين المصطفين في طوابير لا تنتهي في طول سوريا وعرضها، وهذه هي الرؤية التي كانت تنقص المعارضة بالضبط، أن تكون للسوريين جميعا، الضحايا الموالين، قبل المعارضين، كما هي الثورة ثورة السوريين جميعا، الناطقين بها، والمحدثين أنفسهم بها، والحالمين بها العاجزين عن النطق والإعلان .

ولا يجب أن ننسى ونحن نذكر التغيرات المهمة حدثا لافتا للانتباه ذا دلالة إعلامية سياسية، كان بطله الدكتور أحمد طعمة، جرى أثناء انعقاد الدورة السادسة عشرة من مسار أستانا. فقد عمد الدكتور طعمة لعرض شريط فيديو أثناء انعقاد المؤتمر يظهر فيه حصيلة سنة من العدوان الروسي على الشعب السوري، الأمر الذي دفع القناة التلفزيونية الروسية التي كانت تنقل خطاب الأستاذ طعمة لقطع بثها .

الضامن القاتل مثال واحد عن سريالية الحالة السورية

لكن ماذا تفعل قناة روسية في مؤتمر يشكو أغلب حاضريه من القصف الروسي لبلدهم وشعبهم؟ هو سؤال يمكن أن يخطر على بال أي متابع غير سوري، وربما يسأله مواطن سوري لا وقت لديه لمتابعة تفاصيل الحدث السياسي .

والجواب طبعا هو أن هذه القناة الروسية تتابع مؤتمرا تشكل دولتها أي روسيا طرفا رئيسيا فيه باعتبارها الطرف الضامن للنظام إلى جانب إيران.

لكن السؤال الذي يوجهه للمعارضة ملايين السوريين هو: كيف تجتمعون مع روسيا تحت سقف واحد وطائراتها تدك سقوف بيوتنا ليلا نهارا منذ سبع سنوات؟

والجواب الأكثر غرابة بل الأكثر سريالية: لأن روسيا هي ضامن النظام كما إيران .

لا أحد يمكنه أن يصف حال المواطن السوري عند سماعه هكذا إجابة.. نعم إن القاتل الذي دمر سوريا هو ضامن النظام أمام المعارضة السورية في المفاوضات التي بدأت قبل سنوات ولم تعرف نتيجة أو اتفاقا أو طريقا للحل كما أنها لم تعرف التوقف فالتفاوض صار عادة، ويخشى أن يتحول إلى إدمان أو غاية.

لكن السؤال الذي يوجهه للمعارضة ملايين السوريين هو: كيف تجتمعون مع روسيا تحت سقف واحد وطائراتها تدك سقوف بيوتنا ليلا نهارا منذ سبع سنوات؟

ألم يكن من الأفضل التفاوض مع إيران إذاً؟ فإيران لم تملك في سوريا سلاح جو -لم يسمح ولن يسمح لها- رغم أنها لم تقصّر باستخدام سلاح فتاك هو التجييش المذهبي الذي يعتبره البعض أخطر من أي سلاح آخر حتى لو كان نووياً، فالمذهبية والطائفية المسلحة تترك جراحا عميقة في نفسية الشعوب تستمر عقودا كثيرة، وتسمّم روحها فلا تعرف هداية ولا رحمة .

إذاً، ألم يتوفر خيار آخر غير الضامن الروسي؟ ماذا عن الصين؟ ماذا عن مصر؟ ألم يكن بالإمكان التفكير بضامن للنظام أقل بربرية أقل حقدا وشراسة؟

ولماذا الصين إن لم تكن ضامنة قوية للنظام، فهي داعمة للنظام كما روسيا، غير أنها لم تتورط في سفح الدم السوري، وربما تكون أكثر قبولا عند المعارضة وجمهورها، من الضامن الروسي المتورط حتى النخاع بدم السوريين، لكن الصين لأنها لا تملك قوات عسكرية ونفوذا ميدانيا في سوريا فهي من غير المرجح أن تملك تاثيرا قويا على النظام، إلا إذا كان بإمكانها التأثير في النظام بتأثيرها على الروس.

إنما قد يكون الحائل أمام التفكير في ضمانة الصين للنظام آتيا من جهة إقليمية ضامنة وداعمة للمعارضة، لاختلاف المصالح بل وتضاربها ما بين الصين وهذه الجهة المحسوبة في النهاية على الأميركان... وما بين الصين والأميركان ما صنع الحداد .

الانسحاب من أستانا وفتح مسار جديد محدد

ما هي الظروف التي دفعت بالائتلاف لقبول الالتحاق بمسار أستانا وقبوله بالضامن الروسي القاتل؟ في الحقيقة ربما لم يكن هناك بديل آخر للمعارضة بعد وقف الدعم العسكري لها أواسط العام 2015 وبعد سقوط مدينة حلب، سوى الالتحاق بمسار سياسي ربما يمنع مزيدا من الخسارات على الأرض .

بالنسبة للضامن الروسي بدأ مسار أستانا كمسار سياسي شكلي وفقا للترجمة الروسية للقرار الدولي 2254 الذي ينص على إنشاء عملية سياسية تفضي إلى قيام هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية وكذلك إنشاء لجنة لوضع دستور جديد لسوريا، والترجمة الروسية للقرار تجاهلت تماما إقامة هيئة الحكم الانتقالي وحولته إلى مسار خاص بمتابعة التطورات العسكرية على الأرض.. فتحول ملف الانتقال السياسي إلى ملف كيفية الضغط على المعارضة للانسحاب من أراضيها وإلى الطريقة الأفضل لتهجير المدنيين ..

وهمشت بقية الملفات في خضم الأحداث المتسارعة على الأرض وجرت مماطلات كما هي العادة مع النظام، وفشل وفد المعارضة في تحقيق أي إنجاز في ملف المعتقلين وهو الملف الأكثر حساسية إنما وضع هذا الملف على الرف، ولاحقا جرى تهميش لوفدي المعارضة والنظام معا.

كما أن المسار عبر لقاءاته المتكررة لم يمنع القصف الروسي وقصف النظام للمناطق المدنية السورية ولم يمنع تهجير مئات آلاف السوريين تحت مرأى ومسمع وفد المعارضة .

بعد كل ذلك أليس من الأفضل للمعارضة السورية بعد عشر سنوات أنهك فيها النظام وصار أكثر ضعفا أن تنسحب من مسار أستانا أو تبحث عن بديل غير قاتل للضامن الروسي القاتل يكون ضامنا له؟

أليس من الأفضل بناء مسار جديد تفاوض فيه المعارضة النظام الضعيف وحده دون حضور ضامنيه أو أي ضامن آخر؟ فتعدد الأطراف يشتت القوى ويشتت التركيز ويجعل المفاوضات بازارا للمساوامات والمقايضات الإقليمية، التي لا ناقة للسوريين فيها ولا جمل، في وقت ما حين تملك المعارضة زمام أمرها يمكن أن تفتح مسارا جديدا وأخيرا مع النظام - في حال سمح له الروس والإيرانيون- تفاوضه فيه على ملف واحد هو ملف المعتقلين .

ختاما، لقد تحول مسار أستانا إلى مسار لتحقيق المصالح الروسية ومراعاة المصالح التركية، بالنسبة لعديد من معارضي أستانا فهذا المسار مجرد خدعة روسية، تمكنت روسيا بواسطته من تحقيق انتصارات استراتيحية لصالحها ولصالح النظام، وسحبت عبره البساط من تحت القضية السورية، لذا فالأفضل للمعارضة السورية أن تنسحب من مسار، انسحب بدوره من أي تعهد سابق لحل القضية السورية، ولو أن الوقت متأخر على هذا الانسحاب، إنما حفظا لما تبقى من ماء الوجه، من ناحية، ومحاولة لبعث أمل جديد لدى جمهور هذه المعارضة، من ناحية أخرى، وربما يشكل ذلك دافعا للعودة إلى مسار جنيف الذي ولد بضمانة دولية أممية، فهو المولود الشرعي الذي يضمن تحقيق أهداف الشعب السوري وثورته .