الانسحاب من أفغانستان يرسم معالم "الهلال السنّي"

2021.07.08 | 06:33 دمشق

1-157-730x438.jpg
+A
حجم الخط
-A

يعيش العالم مرحلة تحولات سياسية وثقافية كبرى تبدأ من داخل الولايات المتحدة الأميركية. في أميركا توجهات متعددة منقسمة بعضها على بعض. قوى اليمين المحسوبة على دونالد ترامب، وجماعة اليسار المتطرف، وصراع الثقافة والحضارة الذي تقوده هذه المجموعة حول بداية التاريخ الأميركيي وإعادة صياغته من جديد وهل يجب اعتبار التاريخ قد بدأ في العام 1619 وليس في العام 1776 أي أن أميركا بنيت ما قبل إعلان المؤسسين إنشاءها بل بنيت على ظهور العبيد. أما المجموعة الثالثة فهم أصحاب رؤوس الأموال والمشاريع التي ترتكز على الحرية الأميركية وتصدير هذا المشروع للعالم. أما المجموعة الرابعة فهي التي تريد الحفاظ على أميركا كما هي عليه تحت عنوان "رفض موت أميركا" في إشارة إلى الصراع الكبير بين توجهات متناقضة، والذين يعتبرون أنه لا يمكن إبقاء أميركا كقوة عالمية وحيدة أو التسليم بالأحادية القطبية، إنما لا بد من الاعتراف بالصين وفي كيفية التعاون معها أو التعاون مع دول أخرى في سبيل إيقاف مشروعها التوسعي الكبير.

والذين يعتبرون أنه لا يمكن إبقاء أميركا كقوة عالمية وحيدة أو التسليم بالأحادية القطبية، إنما لا بد من الاعتراف بالصين وفي كيفية التعاون معها

في مقارنة مع الثلاثين سنة الماضية، يظهر تنامي النفوذ الصيني إلى جانب النفوذ الأميركي عالمياً، ولا يمكن اعتبار أن النفوذ الأميركي قد انحسر في السنوات الماضية، بل توسع في مناطق عدة شرقية وغربية، في حين أن الصين عملت على تعزيز نفوذها في أفريقيا وآسيا، بينما فرنسا تراجع نفوذها في الشرق الأوسط وأفريقيا، أمّا من حقق تقدماً كاسحاً على صعيد اكتساب النفوذ في أوروبا فهي ألمانيا. على هذه الخريطة الكبرى لا يمكن النظر إلى الشرق الأوسط ودوله وأقاليمه سوى كبيادق بسيطة في تلك المعركة الكبرى.

 

تنشغل الولايات المتحدة الأميركية بشؤونها الداخلية، لذلك تنسحب من مناطق عدّة، ما يرمز إلى تراجعها، كما هو الحال بالنسبة إلى الانسحاب من أفغانستان والعراق وسحب الأسلحة الثقيلة من الخليج. ما يؤشر إلى أن هذه المنطقة ليست ذات أهمية كبرى بالنسبة للأميركيين كما كان الوضع في العقود السابقة. يعتبر الأميركيون أنه لم يعد من مجال لخوض معارك النفوذ بشكل مباشر كما حصل في أفغانستان والعراق وحتى في دول الخليج، إنما الارتكاز على جهات إقليمية متعددة، وهي السياسة نفسها التي تتبعها الصين وتقوم على فن إدارة التناقضات، على غرار العلاقة القوية بين الصين وإيران، والعلاقة القوية بين الصين ودول الخليج في الوقت نفسه. وهنا لا يمكن إغفال الصراع الروسي الصيني على مناطق النفوذ في العالم، فمثلاً دخول الصين إلى كازاخستان وقرغيزستان وغيرها يعدّ من المحرمات الروسية.

 

بناء على هذه الخريطة الكبرى لا يمكن للأميركيين والروس إلا أن يتعاونوا فيما بينهم، بغض النظر عن الخلافات المستمرة حالياً، لا يريد الطرفان أيّ تقوية أو اتساع للنفوذ الإيراني الصيني في لبنان وسوريا والعراق وغيرها، بينما هناك جهات دولية متعددة تفضل وجود نفوذ أميركي روسي في هذه المنطقة بدلاً من الدخول الصيني الإيراني إليها.

بناء على هذه الخريطة الكبرى لا يمكن للأميركيين والروس إلا أن يتعاونوا فيما بينهم، بغض النظر عن الخلافات المستمرة حالياً

 انسحاب الأميركيين من أفغانستان سيكون له انعكاسات سلبية جداً على إيران التي تتخوف من انفلات الوضع الأفغاني وارتداداته السلبية عليها. لذلك عملت إيران على سحب أكثر من خمسة آلاف مقاتل أفغاني من الهزارة من سوريا إلى الحدود الإيرانية الأفغانية تحسباً لحصول أي توترات عسكرية. وهناك حساب قديم بين الأفغان والإيرانيين، ففي العام 1998 دخل عناصر طالبان إلى مزار شريف وتم قتل الآلاف من الهزارة وقتل بينهم نحو 20 دبلوماسياً إيرانياً. وعند حصول الاجتياح الأميركي لأفغانستان كان هناك موقف ايراني داعم له، من خلال مساندة الهزارة الموالين لإيران للجيش الأميركي في مواجهة طالبان. وفي العام 2001 بعد احتلال أميركا لأفغانستان، قام الهزارة بإلقاء القبض على الكثير من عناصر طالبان ووضعوا في قطارات وأرسلوا إلى كابول وحصلت مجزرة بحقهم.

 

قبل أيام أطلق المسؤولون الإيرانيون مواقف تحذر من الاشتباك مع عناصر طالبان، تستشرف إيران الكثير من المخاطر من جراء الانسحاب الأميركي من أفغانستان على قاعدة أن رياح المخاطر تهب من الشرق. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن جزءاً كبيراً من الطالبان هم من البلوش الموجودين بكثرة في إيران. هذه المستجدات لا بد من ربطها بالدور التركي في أفغانستان بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية، وهذا سينعكس مزيداً من النفوذ لتركيا في المنطقة وخصوصاً في سوريا، ففي مواجهة الهلال الشيعي، سيكون هناك هلال سني ولكنه غير عربي يمتد هذا الهلال من تركيا إلى باكستان وأفغانستان يطوق الهلال الشيعي. هذه الحسابات الاستراتيجية كلها ستقود إلى متغيرات جيوستراتيجية كبرى في هذا الجانب من العالم. هذا كله سيدفع إيران إلى اللجوء للولايات المتحدة الأميركية طلباً للحماية، والتي يفترض أن تبدأ إنجاز الاتفاق النووي، وتسعى إلى تفاهم مع الأميركيين والعرب على الوضع في العراق كي لا تصبح بين فكي كماشة، الأولى عربية تمتد من العراق إلى الأردن ومصر إلى جانب دول الخليج، بينما في الجهة الأخرى هناك هلال سني يطوق الهلال الشيعي.