الانتخابات النيابية اللبنانية 2022: قراءة في الخلفية والنتائج

2022.05.26 | 17:28 دمشق

2022-05-17t113648z_146727363_rc2z8u9ya4nb_rtrmadp_3_lebanon-election-blast.jpg
+A
حجم الخط
-A

شهد لبنان، في 15 أيار/ مايو 2022، أول انتخابات نيابية بعد احتجاجات تشرين الأول/ أكتوبر 2019 وانفجار مرفأ بيروت في آب/ أغسطس 2020. ومع أن المعسكر الذي يضمّ حزب الله وحلفاءه خسر الأغلبية التي كان يتمتع بها في المجلس السابق، فإن النتائج لم تسفر في المقابل عن أغلبية واضحة لأيّ طرف؛ ما قد يؤخر تشكيل الحكومة، وانتخاب رئيس جديد للجمهورية بدل الرئيس الحالي، ميشال عون، الذي تنتهي ولايته في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، ويُدخل البلاد في حالة من الشلل السياسي.

جرت الانتخابات النيابية في لبنان في ظل تغيرات مهمة جرت خلال السنوات الأخيرة، شملت انتفاضة تشرين الأول/ أكتوبر 2019 (انتفاضة 17 تشرين) ضد الفساد والنظام الطائفي، محمّلةً مسؤولية الانهيار المالي والاقتصادي وما خلّفه من تداعيات اجتماعية، وانفجار مرفأ بيروت[1] لمن سمّوا بـ "الطبقة السياسية". وإضافة إلى هذا كله، تأثر لبنان بالانعكاسات السلبية على أمن الطاقة والغذاء التي نتجت من غزو روسيا لأوكرانيا. وقد كانت هذه الانتخابات أول انتخابات تجري في لبنان من دون مشاركة تيار الحريري الذي برز مطلع تسعينيات القرن الماضي مع رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، ومن دون تيار "المستقبل" الذي تأسس عام 2007 برئاسة ابنه سعد الحريري. وقد ترك قرار تعليق العمل السياسي الذي اتخذه سعد الحريري في كانون الثاني/ يناير 2022 تداعيات مهمة، حيث تغيّرت الحسابات الانتخابية بناء عليه، وتسابق مرشحون لملء الفراغ الذي تركه تيار المستقبل الذي كان يتمتع بالأكثرية التمثيلية بين سُنّة لبنان. وجاءت هذه الانتخابات أيضًا في آخر ولاية الرئيس عون الذي انعكست سياساته سلبيًا على شعبية التيار "الوطني الحر" الذي أسسه عام 2005 ويقوده حاليًا صهره جبران باسيل، وكان هذا التيار يملك أكبر كتلة نيابية في مجلس النواب السابق. وقد فرضت كل هذه العوامل، من الانهيار الاقتصادي وعدم مشاركة تيار المستقبل وانحسار شعبية التيار الوطني الحر ودخول مرشحي "الانتفاضة" على خط المنافسة، دينامياتٍ جديدةً على هذه الانتخابات. وقد مثّلت هذه الانتخابات اختبارًا أول للقوى والشخصيات السياسية التي برزت بعد "انتفاضة 17 تشرين" وقدرتها على إحداث اختراقات في جدار "الطبقة السياسية" الممسكة بمفاصل النظام السياسي اللبناني.

نسب المشاركة

تنافس المرشحون للانتخابات النيابية على 15 دائرة انتخابية موزعة على خمس محافظات، هي: بيروت، وجبل لبنان، والبقاع، والشمال، والجنوب، وذلك لشغل 128 مقعدًا في مجلس النواب. وكان هناك 103 لوائح انتخابية و718 مرشحًا، مقارنة بـ 77 لائحة و597 مرشحًا في انتخابات عام 2018.

توزعت خريطة المرشحين عمومًا بين القوى التقليدية التي تمثّل جزءًا من نظام المحاصصة الطائفي، سواء أكانت مع حزب الله أم تُخاصمه، والقوى التغييرية التي تمثل الانتفاضة مع وجود اختلافات داخل كل من المعسكرين. ومن العوامل الجديدة التي أدت دورًا في هذه الانتخابات احتساب أصوات المقترعين من المغتربين خارج لبنان لأول مرة، وخاصة أن نسبة كبيرة منهم تقع خارج إطار الاصطفافات التقليدية، ولا تملك الطبقة السياسية قدرة على التأثير مباشرة في اختياراتها. وقد بلغ عدد المقترعين في الخارج 142000 ناخب من أصل 225000 مسجلين حسب الأرقام النهائية لوزارة الخارجية والمغتربين؛ أي إن نسبة اقتراعهم كانت 63 في المئة، ما يعكس حماسة انتخابية للتغيير لديهم، ولا سيما أن هذه الأصوات ساعدت مرشحي الانتفاضة على كسب مقعد إضافي في دوائر رئيسة مثل بيروت الأولى والثانية، والشوف - عاليه، ودائرة الجنوب الثالثة. أما نسبة الاقتراع في الداخل فقد تراجعت في كل محافظات لبنان، وبلغت نحو 41 في المئة من الناخبين المسجلين، مقارنة بنحو 49.7 في المئة عام 2018، وقد سُجّل هذا التراجع خاصةً في الدوائر ذات الأغلبية السُّنّية مثل صيدا والضنية والمنية[2].

نتائج الانتخابات ودلالاتها

تحتاج نتائج الانتخابات[3] إلى التدقيق في تفاصيلها حتى يمكن تقييم أثرها، سواء في معسكر حزب الله ونفوذه السياسي داخل لبنان، أو في معسكر المعارضة. ونظرًا إلى تعدد اللوائح والتكتلات، فقد جرى تقسيم الفائزين بحسب الانتماء السياسي والموقف من سلاح حزب الله:

1. المعسكر المؤيد لحزب الله

حصل المعسكر المؤيد لحزب الله على 61 مقعدًا، موزعّة على النحو التالي:

  • كتلة حزب الله، وتضم 15 نائبًا، هم: علي عمار، ورامي أبو حمدان، وحسين جشي، وحسن عز الدين، ورائد برو، وحسين الحاج حسن، وإيهاب حمادة، وعلي المقداد، وإبراهيم الموسوي، ومحمد رعد، وحسن فضل الله، وعلي فياض، وأمين شري، وملحم الحجيري، وينال صلح.
  • حركة أمل، وتضم 15 نائبًا، هم: نبيه بري، وعلي خريس، وعناية عز الدين، وعلي عسيران، وميشال موسى، وغازي زعيتر، وقبلان قبلان، وفادي علامة، وعلي حسن خليل، وأشرف بيضون، وأيوب حميد، وهاني قبيسي، وناصر جابر، وقاسم هاشم، ومحمد خواجة.
  • التيار الوطني الحر، ويضم 17 نائبًا، هم: ندى البستاني، وسيمون أبي رميا، وسليم عون، وشربل مارون، وآلان عون، وسيزار أبي خليل، وغسان عطا الله، وفريد البستاني، ونقولا صحناوي، وإبراهيم كنعان، وإلياس بو صعب، وجبران باسيل، وجورج عطا الله، وجيمي جبور، وأسعد درغام، وإدغار طرابلسي، وسامر التوم.
  • حزب الطاشناق، ويضم 3 نواب، هم: هاغوب ترزيان، وهاغوب بقرادونيان، وجورج بوشكيان.
  • حلفاء مباشرون وغير مباشرين، وعددهم 11 نائبًا، منهم نائبان من تيار "المردة" هما طوني فرنجية وملحم طوق، إضافة إلى النواب فريد الخازن[4]، وحسن مراد، وعدنان طرابلسي، ومحمد يحيى[5]، وجهاد الصمد، وطه ناجي، وفراس السلوم[6]، وجميل السيد، وميشال المر. وقد أعلن هؤلاء خلال حملتهم الانتخابية مواقف مؤيدة لسلاح حزب الله، أو أنهم ملتزمون بموقف من دعمهم للفوز في الانتخابات.

2. المعسكر المناهض لحزب الله

يضم المعسكر المناهض لحزب الله 51 نائبًا، موزعين على النحو التالي:

  • حزب "القوات اللبنانية"، ويضم 18 نائبًا، هم: زياد حواط، وإلياس إسطفان، وجورج عقيص، وشوقي الدكاش، وأنطوان حبشي، وسعيد الأسمر، وغادة أيوب، وملحم الرياشي، ورازي الحاج، وجهاد بقرادوني، وبيار بو عاصي، وجورج عدوان، ونزيه متى، وغسان حاصباني، وستريدا جعجع، وغياث يزبك، وإلياس الخوري، وفادي كرم.
  • الحزب "التقدمي الاشتراكي"، ويضم 9 نواب، هم: وائل أبو فاعور، وفيصل الصايغ، وهادي أبو الحسن، وأكرم شهيب، وراجي السعد، وتيمور جنبلاط، ومروان حمادة، وبلال عبد الله، وغسان السكاف.
  • حزب "الكتائب"، ويضم 5 نواب، هم: سليم الصايغ، ونديم الجميّل، وسامي الجميّل، وإلياس حنكش، وجان طالوزيان.
  • شخصيات مستقلة وحزبية منتخبة أعلنت مواقف ضد سلاح حزب الله وعددها 12 نائبًا، هم: فؤاد مخزومي، ونعمة أفرام، وميشال ضاهر، وأشرف ريفي، وجميل عبود، وميشال معوض وأديب عبد المسيح (حركة الاستقلال)، وكميل شمعون (حزب الوطنيين الأحرار)، وعبد العزيز صمد وأحمد الخير وبلال الحشيمي (مقربون من رئيس الوزراء الأسبق فؤاد السنيورة)، وسجيع عطية (مقرب من نائب رئيس الوزراء الأسبق عصام فارس).
  • الكتلة السنية: نتيجة مقاطعة تيار المستقبل للانتخابات، ظهرت كتلة سُنّية من 7 نواب موزعين على النحو التالي: مناصرو تيار المستقبل (5 نواب)، هم: وليد البعريني، وأحمد رستم، ومحمد سليمان، ونبيل بدر، وعبد الكريم كبارة. ويبدو أنه كان هناك دعم ضمني لترشحهم من قبل سعد الحريري. إضافة إلى نائبين عن "الجماعة الإسلامية" هما: عماد الحوت وإيهاب مطر[7].

3. الانتفاضة وحلفاؤها

تضم كتلة الانتفاضة 16 نائبًا موزعين على النحو التالي:

  • نواب الانتفاضة، وعددهم 13 نائبًا، هم: ياسين ياسين، ومارك ضو، ونجاة عون صليبا، وحليمة القعقور، وبولا يعقوبيان، وسينتيا زرازير، وميشال الدويهي، وإلياس جرادة، وفراس حمدان، ورامي فنج، وإبراهيم منيمنة، ووضاح الصادق، وملحم خلف.
  • حلفاء محتملون للانتفاضة، وعددهم 3 نواب، هم: أسامة سعد (التنظيم الشعبي الناصري)، وعبد الرحمن البزري، وشربل مسعد.

الموقف من تشكيل الحكومة وانتخابات رئاسة الجمهورية

يشكّل الموقف من حزب الله وسلاحه الاصطفافات المشار إليها سابقًا، إلا أن هذه الاصطفافات تتغير حيال قضايا خلافية أخرى، مثل انتخاب رئيس الجمهورية أو تشكيل الحكومة، حيث ستكون حركة "أمل" على سبيل المثال أقرب إلى الحزب التقدمي الاشتراكي منها إلى التيار الوطني الحر. أما القوات اللبنانية فقد ألمحت إلى أنها لا ترغب في الانضمام إلى حكومة "وحدة وطنية" مع حزب الله، وكذلك يرى حزب "الكتائب" أن بقاءه خارج السلطة أفضل من دخولها في هذه المرحلة، كما لن يتحمّل نواب "الانتفاضة" شعبيًا تبعات انضمامهم إلى حكومة يقودها أحد أركان الطبقة السياسية. وفي هذه الحال، لا يتمتع حزب الله وحلفاؤه بالأكثرية الكافية لتشكيل حكومة، وعليهم إعطاء الحزب التقدمي الاشتراكي حصةً وازنة لينضم إلى الحكومة، لا سيما بعد سقوط منافسيه التقليديين من الدروز في الانتخابات الأخيرة، وعلى رأسهم طلال أرسلان الذي فقد مقعده في دائرة جبل لبنان. والواقع أن المعسكرين الكبيرين منهمكان تمامًا بانقساماتهما الداخلية، ولا يلتقيان على أجندة موحدة ولديهما مصالح متناقضة. ومع ذلك يبدو حزب الله أقدر على ضبط إيقاع معسكره على عكس التحالف المناهض له الذي خسر تيار المستقبل، في حين أن "القوات اللبنانية" غير قادرة على القيام بالدور الوطني في قيادة هذه المعارضة.

خلاصات واستنتاجات

هناك عدة مؤشرات لا بد من قراءتها في نتيجة هذه الانتخابات، وهي:

أولًا، ما زال لدى حزب الله تمثيل نيابي في المحافظات جميعًا، ولديه حلفاء في كل الطوائف (باستثناء الطائفة الدرزية)، إضافة إلى أن مرشحيه حصلوا على أصوات كثيرة في دوائرهم، وتمكّن من التأثير في نتائج الانتخابات في كل المحافظات تقريبًا، لا سيما خارج مناطق نفوذه في بيروت وعكار وجبيل. ومع أن النتائج كرّست نفوذ حزب الله في الطائفة الشيعية، لكنها جعلته أكثر حاجة إلى خصومه لتشكيل حكومة وتنفيذ سياسات وتمرير مشاريع قوانين في المجلس النيابي.

ثانيًا، خسر في هذه الانتخابات أغلب المرشحين الموالين للنظام السوري (فيصل كرامي، وطلال أرسلان، ووئام وهاب، وأسعد حردان، والحزب القومي السوري الاجتماعي)، كما خسر فيها رموز في النظام المصرفي اللبناني مثل مروان خير الدين وإيلي الفرزلي.

ثالثًا، قطعت الانتخابات الطريق حسابيًا على أيّ احتمال لتولّي جبران باسيل رئاسة الجمهورية، وخاصة أن المزاج المسيحي أصبح منقسمًا بالمناصفة بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، لا سيما بعد خسارة الأول خسارةً كبيرةً في معاقل رئيسة مثل جزين والأشرفية وزحلة.

رابعًا، لاقت الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات استجابة في الوسط السُّنّي عمومًا، رغم فوز بعض النواب. وقد توزعت المقاعد السُّنّية التي فرغت نتيجة عدم ترشح سعد الحريري على النحو التالي: مناصرو تيار المستقبل (8)، وحزب الله (5)، والانتفاضة (5)، والسنيورة (3). وكان الناخب السُّنّي المؤيد لتيار المستقبل حائرًا بين إرضاء رغبات سعد الحريري وأولوية التصويت ضد حزب الله.

خامسًا، برز وليد جنبلاط باعتباره أبرز الفائزين، لأن الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يقوده حصل على ستة من مقاعد الدروز الثمانية (مقابل اثنين للانتفاضة)، في حين خسر خصومه التقليديون في جبل لبنان، وحصل على كتلة نيابية من تسعة نواب قد تجعل دوره حاسمًا في المشهد السياسي خلال السنوات المقبلة.

أخيرًا، ربح ممثلو الانتفاضة عددًا من المقاعد تجاوز التوقعات المتشائمة، ما يدلّ على أن طريق التغيير في لبنان غير مسدود. ويمكن تخيّل ما يمكن أن تكون عليه النتائج لو تغيّرت طريقة الانتخابات. ويمثل هؤلاء النواب الجدد ثقافة سياسية مختلفة، ومن المهم أن يحافظوا عليها وألّا ينزلقوا إلى نظام المحاصصة. لا تتوقع الناس خدمات من هؤلاء، بل عليهم في المقابل أن يقدّموا بديلًا سياسيًا واجتماعيًا، وأداءً برلمانيًا مهنيًا. لقد خسر ممثلو الانتفاضة بعض المقاعد نتيجة انقساماتهم خلال تشكيل اللوائح الانتخابية، وقد يخسرون أكثر في حال لم يكن هناك تكتّل أو تحالف جدّي يجمعهم في المرحلة المقبلة. وقد تكون قدرة هذه المجموعة على التأثير محدودة، لكنها قادرة، إذا اتحدّت وكان أداؤها جيدًا، على أن تقدّم صورة معاكسة للصورة غير المسؤولة للطبقة الحاكمة.