الانتخابات التركية وحلم السوريين المؤجل بالديمقراطية

2023.05.31 | 18:45 دمشق

آخر تحديث: 31.05.2023 | 18:45 دمشق

الانتخابات التركية وحلم السوريين المؤجل بالديمقراطية
+A
حجم الخط
-A

في الرابع عشر من أيار توجه الناخبون الأتراك إلى مراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم، في انتخابات الرئاسة التركية التي تحظى باهتمام عالمي، لما لتركيا من تأثير مباشر في العديد من الملفات الحساسة ولعل أبرزها الملف السوري عموماً وملف اللاجئين خصوصاً، والذي أصبح ورقة انتخابية يستخدمها كلا الفريقين مع اختلاف طريقة التعاطي معها.

ففي الجولة الأولى من الانتخابات كانت أبرز عناوين الدعاية الانتخابية للمرشحين تدور حول النهوض بالوضع الاقتصادي وتطوير البنى التحتية وتأمين فرص عمل مع وعود أطلقتها المعارضة بإعادة اللاجئين السوريين في محاولة منها لكسب المزيد من الأصوات، من خلال بث الخطابات العنصرية والتحريض على اللاجئين بين الحين والآخر.

وقد وعد مرشح المعارضة كليتشدار أوغلو بإعادة اللاجئين السوريين خلال عامين من تسلمه الرئاسة، لكن في الجولة الثانية أصبح ملف اللاجئين هو الملف المحوري ليزداد كليتشدار أوغلو حماساً ويقفز بحماسه عدد اللاجئين السوريين إلى عشرة ملايين لاجئ، ويتعهد بإعادتهم فور إعلان فوزه، أما في المعسكر الآخر الذي يقوده أردوغان والذي يُعتبر رجاء السوريين لم يتم التطرق لموضوع اللاجئين في الجولة الأولى ليظهر ذلك الملف في الجولة الثانية على أجندة الرئيس أردوغان نتيجة التحالفات والتغيرات التي طرأت على سير الانتخابات ويشير مولود جاويش أوغلو وزير الخارجية خلال لقاء تلفزيوني إلى آلية إعادة السوريين بشرط تحقيق السلامة والعودة الآمنة، بالإضافة إلى تأمين البنى التحتية والمساكن وتأمين حياة العائدين إلى مناطق سيطرة النظام، وهو الطرح السابق نفسه "العودة الطوعية الآمنة" دون مبالغة في الوعود خلال الفترة الانتخابية، مما جعل موقف الرئيس أردوغان أقرب إلى المصداقية والتطبيق من وعود كليتشدار أوغلو اللامنطقية.

شارك حاملو الجنسية التركية من السوريين لأول مرة بانتخابات ديمقراطية لكن خارج وطنهم الأم، وتابع ما تبقى منهم الانتخابات من جولتها الأولى ملتزمين منازلهم درء للفتنة، واجتناباً لصدامات عنصرية، تابعوها وانتظروا نتيجة ٥٠٪+١ ليفوز الرئيس أردوغان ويضمنوا شيئاً من الأمان الذي هربوا باحثين عنه.

نعم في الجولة الأولى كانت الأنظار تتجه إلى نتيجة ٥٠ +١أي أن صوتاً واحداً لمواطن واحد يمكن أن يغير النتيجة ويرجح كفة الميزان ويؤثر بصوته على دولة بحجم وثقل تركيا.

لم يتابع السوريون الانتخابات فقط لضمان بقائهم في تركيا وإنما لكون هذه الانتخابات تجري في الدولة الجارة التي ينعم مواطنوها بمناخ ديمقراطي يتجسد بانتخابات لم يتح للسوريين المشاركة بمثلها منذ استيلاء البعث على السلطة واستحواذ آل أسد على الحكم وتوريثه.

راقب السوريون بحسرة وغصة الناخبين الأتراك متوجهين إلى المراكز الانتخابية لاختيار مرشح من بين أربعة دون ضغط من عنصر أمن يتصدر الغرفة السرية عجز عن إخفاء سلاحه، انتخب الأتراك بالحبر فقط دون الحاجة للدبابيس التي يستخدمها السوريون ممن فاضت لديهم مشاعر الحب لسيد الوطن ليعبروا عن عبوديتهم بوخز الأصابع والبصم بالدم للمرشح الأوحد.

في الانتخابات التركية التصويت حصري للأحياء أما في الانتخابات السورية ولما يمتلكه المواطن السوري من قيمة إنسانية فإن التصويت متاح للأحياء والأموات، للمعتقلين والمهجرين والنازحين وحتى غير المؤهلين عقلياً كذلك ولوفرة الديمقراطية يمكن للناخب أن يدلي بصوته أكثر من مرة وفي أكثر من مركز.

تتسم الانتخابات السورية أيضاً بالسلاسة والبساطة كون المرشح وحيداً والتصويت يتم بملء الفراغ بكلمة نعم أو إشارة صح ولا خيار ثالثاً، دون الحاجة إلى حملات انتخابية وخطابات حماسية بهدف جذب المزيد من الأصوات، ووعود تصبح ملزمة بحال فوز المرشح وعليه تنفيذها، ورغم ذلك بالكاد يتجاوز الفائز الـ٥٠٪ بنسبة بسيطة، أما في انتخابات سوريا الأسد بالكاد تنخفض النتيجة عن الـ١٠٠٪ بنسبة ضئيلة، لذلك استعاض حافظ الأسد عن العملية الانتخابية بما سماه تجديد البيعة، أي أن الأمر محسوم وبنتيجة مضمونة حيث فاز حافظ الأسد في انتخابات عام ١٩٨٥ التي تلت مجزرة حماة  بنسبة ١٠٠٪  ويقضي حافظ الأسد بحكم سوريا ثلاثين عاماً ليسلم الراية للوريث، وكان الولد سر أبيه وأكمل ما بدأه السلف لكن بطريقة أكثر حداثة بحكم ثقافته الغربية فأضفى مسحة ديمقراطية على مملكة الرعب المتوارثة من الأسد الأكبر ليفوز بأول انتخاب أو بالأصح بأول استفتاء لكونه المرشح الوحيد  بنسبة ٩٩،٧٪.

لم يتمكن اليأس من بشار الأسد رغم ثورة السوريين ضده وليثبت أنه رئيس منفتح ويؤكد ثقته بمن بقي من شعبه يجري انتخابات يونيو ٢٠١٤، وجديدها أنها أول انتخابات متعددة المرشحين حيث تشارك بشار الأسد الورقة الانتخابية مع ماهر حجار وحسان النوري، وجرت الانتخابات والحرب دائرة في سوريا والمساحة الجغرافية الخارجة عن سيطرة النظام تفوق ما يسيطر عليه ناهيك عن أعداد القتلى والمعتقلين والمغيبين والنازحين واللاجئين، رغم ذلك يأبى بشار الأسد إلا الفوز ولكن بنسبة ٨٨،٧٪ فقط، نسبة إن عبرت عن شيء فإنها تعبر عن مصداقية الانتخابات مع الأخذ بعين الاعتبار ظروف تلك المرحلة بحسب رؤية النظام الذي تنازل عن نسبة ٩٩٪، تلك الانتخابات التي شككت بها منظمات دولية وحكومات عربية وغربية ويؤدي بشار القسم ضاربا بعرض الحائط من استنكر وشجب وسخر.

ويتم فترته الرئاسية الثالثة كمندوب سامي لقوى أجنبية أجلسته كأجير على كرسي الرئاسة السورية، ويرشح نفسه من جديد ويأبى إلا أن يحمل مسؤولية بلد دٌمرت على يديه لينهي ما أنجز ومن جديد يتشارك الورق الانتخابي مع مرشحين مغمورين، وكالعادة لا مفاجآت في الانتخابات السورية التي تنتهي بالنصر المؤزر لأسد سوريا المرشح الوحيد وبنسبة يجب أن تتجاوز ٩٩٪ وكالعادة أيضاً يقابل الخبر بالسخرية والتشكيك بنزاهة الانتخابات.

ولا جديد في الرد السوري الذي جاء من خلال خطاب النصر للرئيس الذي يعتبر ذلك الهجوم أحد بنود المؤامرة الكونية التي تحاك ضد سوريا الأسد المنتصرة، ويتوعد بتحرير ما تبقى من بلده من أبنائها الإرهابيين ويتغنى بالقسم المفيد من شعبه الذي اختاره ليكون شعب سوريا المتجانسة التي سعى لها منذ بداية الحراك الشعبي، نعم هكذا يخطب الرئيس السوري المنتصر خطاباً يهدف إلى ترسيخ التفرقة وتوسيع الهوة بين الشعب السوري الذي استخلصه لنفسه والشعب الذي أعلنه عدوه في معركته للحفاظ على الكرسي، في حين كان خطاب الرئيس التركي رجب أردوغان الذي انتصر رغم المؤامرات والدسائس والحرب الاقتصادية غير المسبوقة ورغم تجييش الغرب ضده ودعم منافسه أياً كان، كان خطاباً موجهاً لجميع الأتراك من صوت له ومن صوت ضده، انتصر أردوغان في بقعة جغرافية تسودها الديكتاتوريات والتوريث والتهميش واحتقار الشعوب من خلال انتخابات ديمقراطية حرة نزيهة، خسر الأتراك فرصة انضمامهم للاتحاد الأوروبي بحال هزيمة أردوغان وكسبوا رجلاً نهض بتركيا الحديثة لتكون واحدة من الدول المهمة عالمياً.

وبين انتخابات تركيا النزيهة ومسرحية الانتخابات السورية يتطلع السوري إلى غد ربما يحمل لأبنائه صورة لوطن يحاكي ما شهده في بلد لجوئه.