الانتخابات البرلمانية والرئاسية التركية: قراءة في نتائجها ودلالاتها

2023.06.02 | 14:07 دمشق

أردوغان
+A
حجم الخط
-A

حظيت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية التي جرت في أيار/ مايو 2023 باهتمام إقليمي ودولي واسع وتغطية إعلامية كبيرة. ويعود ذلك إلى موقع تركيا وسياساتها المؤثرة في مختلف القضايا الدولية والإقليمية .وأعطى التقارب الكبير في الأوزان الانتخابية للتحالفين الكبيرين، تحالف الجمهور بقيادة حزب العدالة والتنمية الحاكم، وتحالف الأمة بقيادة حزب الشعب الجمهوري المعارض، أهميةً أكبر لهذه الانتخابات، وخصوصًا مع تنامي قوة المعارضة التي فازت بالبلديات الكبرى في عام 2019، وتراجع شعبية حزب العدالة والتنمية لعدة أسباب أهمها الصعوبات الاقتصادية، فضلاً عن زلزال مدمر ضرب جنوب البلاد في شباط/ فبراير 2023.

وقد جاءت الانتخابات أيضًا في سياق إقليمي ميزه تزايد مظاهر الاستبداد، وانخفاض نسب المشاركة السياسية في أكثر الدول العربية؛ ما دفع إلى عقد مقارنات بالتجربة التركية التي تميزت بمشاركة عدد كبير من الأحزاب السياسية) 36 حزباً في عام 2023 مقارنة بـ 11 حزباً في عام 2018(، وبنسبة اقتراع عالية قاربت الـ 90 في المئة. وقد ساهم وجود جالية عربية كبيرة وارتباط ملف اللاجئين والمجنسين الجدد بالانتخابات في زيادة الاهتمام العربي بهذا الحدث.

تتناول هذه الورقة بالتحليل نتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي شهدتها تركيا في أيار/ مايو 2023، وتحاول الوقوف على أهم العوامل التي ساهمت في بلورتها، وتقف أيضًا على طبيعة التمثيل في البرلمان ،والنتائج التي برزت خصوصًا في مناطق الزلزال، ثم تخرج بخلاصات عن أهم دلالات الانتخابات البرلمانية والرئاسية.

أولاً: نسب المشاركة

بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية والجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 14 أيار/ مايو 2023، 88.92 في المئة، وتأتي هذه النسبة في الترتيب الثالث من حيث المشاركة في تاريخ الانتخابات في تركيا التي بدأت عام 1946. وقد جاءت نسب المشاركة مرتفعة في المدن الكبرى: إسطنبول )90.8 في المئة( وأنقرة) 91.5 في المئة( وإزمير) 90.5 في المئة(، مع أنها تراجعت بمقدار 3 في المئة تقريبًا في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية[1]، ويوضح الجدول) 1( المدن الثلاث التي شهدت أعلى نسب مشاركة.

 

المدن

 

ويشار إلى أن هذه المدن محسوبة على التيار القومي الذي خاض هذه الانتخابات باعتبارها معركة بقاء، بينما تعامل الطرف المعارض معها على أنها فرصة سانحة للتغيير؛ ما رفع نسبة المشاركة فيها.

 

الأقل

ويغلب على سكان هذه المدن الأقل مشاركة نسبة الأكراد الذين لم يكن لديهم درجة الاهتمام نفسها؛ نظرًا إلى عدم وجود مرشح كردي للرئاسة، وضمان تمثيل حزب اليسار الأخضر ذي الأغلبية الكردية بعد تخفيض العتبة الانتخابية من 10 إلى 7 في المئة.

وقد بلغت نسبة المشاركة في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية 84.15 في المئة، ولكنها انخفضت عن الجولة الأولى، بسبب الإحباط في صفوف المعارضة والتراخي النسبي في صفوف مؤيدي الحكومة بعد صدور نتائج الجولة الأولى، إضافة إلى امتناع قسم ممن صوتوا للمرشح الثالث في الجولة الأولى عن التصويت في الجولة الثانية.

ثانيًا: أوزان الأحزاب السياسية في البرلمان الجديد

استطاع تحالف الشعب )أحزاب العدالة والتنمية، والحركة القومية، والرفاه الجديد، والاتحاد الكبير( الفوز بأغلبية مقاعد البرلمان بحصوله على 49.5 في المئة من الأصوات؛، ما مكّنه من انتزاع 323 من أصل 006 مقعد في البرلمان، بينما حصل تحالف الأمة المعارض )حزب الشعب الجمهوري، والحزب الجيد( على 35.04 في المئة مما مكنه من تأمين 212 مقعدًا في البرلمان. وقد حصل تحالف العمل والحرية )حزب اليسار الأخضر/ الشعوب الديمقراطية سابقًا وعمال تركيا( على 10.56 في المئة أي 65 نائباً.

ويوضح الشكل (1) توزيع المقاعد البرلمانية على الأحزاب، وتجدر الإشارة هنا إلى أن قرار إجراء استفتاء عام يحتاج إلى موافقة 360 صوتاً في البرلمان، في حين يحتاج أي تغيير دستوري إلى أصوات 400 نائب ،وهو ما لم يستطع أي تحالف تحقيقه.

البرلمان التركي

أما فيما يتعلق بأصوات الشباب في الانتخابات، فقد كان التصور القائم أن الأغلبية الساحقة منهم تتطلع إلىالتغيير. ومع أنه لا يوجد حاليًا إحصاءات مؤكدة أو استطلاعات موثوقة تبين اتجاه أصوات الشباب، فإنه يمكنالقول إن كتلة كبيرة منهم صوتت لصالح أردوغان وتحالف الجمهور الذي يقوده، حيث استطاع أردوغان جذب قسم كبير منهم إليه من خلال المشاريع التي أعلن عنها، بما فيها القروض والمنح التعليمية والاهتمام بالتكنولوجيا، بينما بقيت المعارضة أسيرة انطباع غير دقيق بأن غالبية ساحقة من الجيل الشبابي تدعمها.

رابعًا: التصويت في مناطق الزلزال

أجرت تركيا الانتخابات في موعدها،  بالرغم من عدم تعافيها كليًا من زلزال مدمر أصاب 11 مدينة في شباط/ فبراير 2023، ولحقت أثاره قرابة 9 ملايين ناخب يعيشون في هذه المدن. ومع أن نسبة المشاركة في عموم تركيا ارتفعت من 88.18 في المئة عام 2018 إلى 88.96 في انتخابات 2023، فقد كان هناك تناقص في نسبة المشاركة في مناطق الزلزال بمتوسط 5 في المئة على الأقل في المدن الأربع الأكثر تضررًا )أديمان ،وهاطاي، وكهرمان مرعش، وملاطيا.

ويعتبر هذا التراجع طبيعيًا، بالنظر إلى انتقال نسبة معتبرة من السكان إلى مدن أخرى، وقد ساهم توفير المواصلات للناخبين، من المدن المتضررة من الزلزال وإليها، في المحافظة على نسبة مشاركة فيها بمعدل 83 في المئة تقريباً. وفي حين حصل حزب العدالة والتنمية على 48.4 في المئة من الأصوات في مناطق الزلزال في عام 2018، فإنه قد حصل على 35.3 في عام 2023. وفي مدينة كهرمان مرعش مركز الزلزال، تراجع حزب العدالة والتنمية من 58.68 في المئة في عام 2018 إلى 47.78 في عام 2023. ولم تكن نسبة التراجع للحركة القومية في مناطق الزلزال كبيرة؛ حيث نزل بمتوسط 2.3 في المئة فقط.

وقد ساهم تحالف حزب العدالة والتنمية والحركة القومية مع حزب الرفاه الجديد في المحافظة على نسب تأييد مرتفعة عند 60.78 في المئة، في المدن الأربع الكبرى في مناطق الزلزال، مع أن تحالف الأمة المعارض حصل في المدن نفسها على 28.21 في المئة متقدمًا من 26.37 في عام 2018 بزيادة 1.83. أما تحالف العمل والحرية فقد تناقصت أصواته من 8.62 في المئة في عام 2018 إلى 7.1 في الانتخابات الحالية في المدن الكبرى بمناطق الزلزال.

وبالنظر في نتائج الانتخابات البرلمانية يمكن استخلاص التالي:

  • كان للتوجهات القومية الدور الأكبر في تحديد نتائج الانتخابات، وتلتها القضايا الاقتصادية.
  • أدت القضايا الاقتصادية دورًا أكبر في تحديد سلوك الناخب في المدن الكبرى والمناطق الحضرية، بينما برز دور التوجهات القومية في المناطق الريفية.
  • ساهم تركيز المعارضة على المدن الثلاث الكبرى )إسطنبول وأنقرة و إزمير( في نشر روايتها، ورفع نسب تأييدها، ومع ذلك فاز تحالف الجمهور الحاكم بعدد أكبر من النواب في كل من إسطنبول وأنقرة.
  • ثبت عدم صحة مقولة أن التحالف الذي يحصل على دعم حزب الشعوب الديمقراطي هو الذي سيفوز في الانتخابات.
  • أوضحت النتائج أن الكتل الصلبة للأحزاب ظلت متماسكة، في حين يجري التنافس على الفئات التي تقع على هوامش الأحزاب، والمستقلين الذين ليس لديهم توجه سياسي واضح.
  • فشلت الأحزاب المحافظة الصغيرة التي خرج قادتها من حزب العدالة والتنمية، مثل علي باباجان وأحمد داود أوغلو، في جذب أي كتلة ملموسة من ناخبي حزب العدالة والتنمية. في حين ساهم حسن اختيار أردوغان لتحالفاته في إبقاء الناخب الغاضب من حزب العدالة والتنمية داخل التحالف، من خلال الانتقال إلى الحركة القومية أو الرفاه الجديد بدلاً من التحول إلى معسكر المعارضة.
  • أعطت نتيجة الانتخابات البرلمانية أفضلية لمرشح التحالف الفائز، لتعزيز الاستقرار، كما أجّلت التفكير في إمكانية تحويل النظام من رئاسي إلى برلماني لمدة 5 سنوات أخرى.
  • تأكد انطباع بأن إسطنبول صورة مصغرة لكل تركيا، فعدا حزب الحركة القومية الذي حصل على نسبة عامة أفضل من نسبته في إسطنبول بـ 4 في المئة، جاءت نتائج الأحزاب في إسطنبول متوافقة مع النتائج العامة.
  • بالرغم من تصاعد النزعات والقوى القومية بأنواعها في تركيا، فإن أحزاب القومية الفاشية خرجت خاسرة في حسابات نتائج البرلمان الأخيرة، مع أنها نجحت في وضع ملف اللاجئين على أجندة السياسة التركية.
  • قدمت نتيجة البرلمان مجلسًا متنوعًا من حيث تمثيل أكبر في عدد من الأحزاب مقارنة بالعقدين الأخيرين.

خامسا: نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية

أسفرت نتيجة الجولة الأولى للانتخابات عن حلول الرئيس أردوغان في المركز الأول بفارق حوالي 5.5 في المئة عن أقرب منافسيه، كليجدار أوغلو. ولم يتمكن أردوغان من الحصول على 50 في المئة اللازمة لحسم الانتخابات من الجولة الأولى. ويعتقد أن وجود مرشح ثالث تسبب أيضًا في انتقال السباق إلى جولة ثانية، ونظراً إلى أن المرشح الثالث، أوغان، ينتمي إلى التيار القومي في تركيا، فقد كان متوقعًا أن يسعى الطرفان لكسب دعمه من جهة، وكذلك كسب الكتلة التي صوتت له من خلال تبني بعض مطالبها وتوجهاتها من جهة أخرى.

وتوضح الخريطة (1) المناطق التي تقدم بها أردوغان والمناطق التي تقدم بها كليجدار أوغلو، وتتناسب دكانة اللون في الخريطة مع ارتفاع الفارق بين المرشحين في الجولة الأولى، ومن الخريطة (1) يتضح لنا أن النسب كانت متقاربة بين المرشحين في كل من إسطنبول وأنقرة مع تقدم طفيف لصالح كليتشدار أوغلو.

 

 

ال

وقد صوتت المدن الغربية والجنوبية على ساحل إيجة والبحر الأبيض المتوسط لصالح كليجدار أوغلو، حيث تتركز أغلبية المؤيدين لحزب الشعب الجمهوري، مع تقدم واضح في إدرنة وإزمير التي تعتبر معاقل لحزب الشعب  الجمهوري ولولا اجتهاد أردوغان في استمالة المتضررين في مناطق الزلزال، لربما أكملت المعارضة لأول مرة في تاريخها السيطرة على كامل الخط الجنوبي في تركيا. ولكن حدث العكس، فقد ساهمت مدن الزلزال عدا هاطاي، من مالاطيا في الوسط إلى غازي عنتاب بالجنوب مرورًا بكهرمان مرش، في دعم فوز أردوغان. وقد صوتت مدن الشرق والجنوب الشرقي ذات الأغلبية الكردية في الجولة الأولى لصالح كليجدار أوغلو، وخاصة في ديار بكر لكن مدن قلب الأناضول والبحر الأسود صوتت لصالح أردوغان ومن ثم رجحت كفته.

أردوغان

وتفيد تقديرات بأن المعارضة تقدمت أكثر في المناطق الحضرية، بالرغم من التقارب مع التحالف الحاكم، بينما تقدم أردوغان أكثر في المناطق الريفية. وعلى مستوى آخر، إذا أخذنا منطقة إسطنبول مثالاً، فقد حصل أردوغان على دعم أكبر في المناطق ذات الدخل المنخفض، مثل منطقة سلطان بيلي في إسطنبول التي حصل فيها على 65 في المئة، وأرناؤوط كوي) 61 في المئة(، وإسنلر) 62 في المئة(، وسلطان غازي) 58 فيالمئة(، وباغجلار) 57 في المئة(. أما كليجدار أوغلو فقد حظي بدعم أكبر في المناطق ذات الدخل المرتفع ،مثل كاديكوي) 80.5 في المئة(، وبشكتاش) 80.4 في المئة(، وبكركوي) 73 في المئة(، وشيشلي) 68.6 في المئة(. وكان مفاجئاً تقدمه على أردوغان في أوسكودار وأيوب؛ وهي مناطق محافظة في إسطنبول، وقد يعود سبب الأولى إلى الانزعاج من سلوك البلدية التي يقودها حزب العدالة والتنمية، أما الثانية فتتعلق بتوسع المنطقة وحدوث تغيير ديموغرافي لصالح المعارضة فيها.

وعلى المستوى العام، بالرغم من تقدم أردوغان على كليجدار أوغلو في النتيجة العامة من الجولة الأولى ،فإن هناك تراجعًا في التصويت لأردوغان في أغلب المدن التركية، مقارنة بنتائج انتخابات 2018، وفي الخريطة 2)( تتناسب سماكة السهم مع حجم التراجع في المدن التركية. وبالطبع قد تغير هذا في الجولة الثانية، مع تحول جزء من أصوات المرشح الثالث لصالح الرئيس أردوغان.

يمكن استخلاص بعض النتائج من الجولة الأولى في الانتخابات الرئاسية أهمها:

  • تبني المعارضة برنامجا يدعو إلى العودة للنظام البرلماني، حيث تكون صلاحيات الرئيس محدودة، بينما خاضت الانتخابات الرئاسية وفق نظام رئاسي يمتلك فيه الرئيس النفوذ والصلاحيات الأقوى؛ ما أربكها في وضع معايير الشخص المناسب للرئاسة.
  • تأخرت المعارضة في الاتفاق على مرشح بسبب الخلافات بين أحزابها حول المرشح ونوابه.
  • استطاع الرئيس أردوغان وحلفاؤه جعل مسألة انتخابه قضية قومية يرتبط بها مستقبل البلاد ووحدتها ،وفرض هذه الأجندة بما غطى على أجندة المعارضة المبنية على التراجع الاقتصادي والدعوة لنظام برلماني معزز.
  • ظهرت المعارضة بمظهر انقسامي مع بروز تصورات متناقضة وشخصيات بدت كأنها تغطي علىشخصية المرشح المشترك، خلال الحملة الانتخابية، وبرزت مساومات بين أحزاب التحالف على عدد النوابوالوزارات ونواب الرئيس؛ ما أعطى انطباعًا سلبياً عنها.
  • لم تقنع المعارضة التركية الناخب المستاء، والغاضب من الحكومة، بأن مرشحها يمكن أن يقود عملية تغيير للأفضل في تركيا. لم يقدم مرشح المعارضة رؤية واضحة وعملية لكيفية حل مشكلات البلاد الاقتصادية، بينما نجح الرئيس أردوغان في اقتراح حلول جزئية للمشكلات الاقتصادية، وقام بتأجيل أخرى، وعزز خطاب الاستقرار، وقام بإرضاء فئات معتبرة من الناخبين من خلال التوظيف وتحسين وضع المتقاعدين وإعفاء فئات أخرى من الضرائب والديون، وتسليم بعض الوحدات السكنية لمتضرري الزلزال.
  • ساهم دعم أعضاء من تنظيم غولن وحزب العمال الكردستاني لمرشح المعارضة بصفة علنية على وسائل التواصل الاجتماعي، وانتقاد الصحف الغربية الكبرى لأردوغان، في تأجيج المشاعر القومية التي صبت في مصلحته.
  • ساهمت عملية انسحاب المرشح الرئاسي محرم إينجه، قبل الجولة الأولى بعد تعرضه لضغط معسكر المعارضة، ثم انتشار مقاطع فاضحة أعلن أنها مفبركة، في إضعاف الثقة بحزب الشعب الجمهوري ،وربطه بالفضائح مجددا.
  • أخطأت المعارضة في افتراض أن الناخب المنزعج من أردوغان سيدعم المعارضة بالضرورة.  ولم تعالج المعارضة مخاوف هؤلاء ولم تطور خطاباً وإجابات معقولة، وخاصة تجاه دعم حزب الشعوب الديمقراطي له.
  • تصرفّ كليجدار أوغلو باستراتيجية عشوائية وتكتيكات غير مترابطة تجاه أكثر من فئة انتخابية، بينما ركز أردوغان على مواضيع محددة ورسائل واضحة.

سادسًا: توجهات الناخبين في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية

تقلصت نسبة المشاركة في الجولة الثانية من 88 إلى 84 في المئة؛ أي أن قرابة 2 مليون من الناخبين الذين شاركوا في الجولة الأولى لم يشاركوا في الجولة الثانية. ويرجع ذلك إلى عدة أسباب:

هناك قسم من 3 ملايين ممن صوّتوا للمرشحين الخاسرين، أوغان وإينجه، في الجولة الأولى، لم يصوتوا في الجولة الثانية.

قسم من الأكراد الذين صوتوا لكليجدار أوغلو لم يصوتوا في الجولة الثانية )لم يذهب ما مجموعه 452 ألف ناخب ممن صوتوا في الجولة الأولى إلى الجولة الثانية في 14 مدينة ذات أغلبية كردية(. وفي حين نزلت نسبة المشاركة بحوالى 3 في المئة في عموم تركيا بين الجولتين، فقد نزلت في المحافظات الكردية بنسبة 5 في المئة. وقد تناقصت أصوات كليجدار أوغلو في هذه المحافظات بمقدار 136 ألف صوت عن الجولة الأولى )ويرجع ذلك إلى تناقص نسبة المشاركة( بينما زادت أصوات أردوغان بمقدار 37 ألف صوت. )يرجح أن تكون هذه الأصوات هي التي حصل عليها أوغان في هذه المنطقة في الجولة الأولى(. وتشير الأرقام إلى أنه حتى لو تحققت نسبة المشاركة نفسها في الجولة الأولى في المناطقالكردية، فلن يستطيع كليجدار أوغلو جسر الفرق بينه وبين أردوغان. هناك قسم لم يكد يذهب إلى الجولة الأولى لاهتمامه بالحد الأدنى في الانتخابات.

وقد ارتفعت أصوات أردوغان في الجولة الثانية بمقدار 591 ألف صوت، ليحصل على 52.16 مقابل 49.52 في المئة في الجولة الأولى، بينما ارتفعت أصوات كليجدار أوغلو قرابة 838 ألف صوت في الجولة الثانية ليرتفع من 44.88 إلى 47.84 في المئة.

ويمكن القول إن 5.6 في المئة التي حصل عليها المرشحان الخاسران )أوغان وإينجه( وفق بعض تقديرات الفرق بين الجولتين قد توزعت بنسبة 2.64 في المئة لأردوغان و2.96 لكليجدار أوغلو، ولكن مع أن كليجدار أوغلو حصل على زيادة أعلى، فإنه لم يستطع أن يتقدم بسبب فارق 2.5 مليون صوت لصالح أردوغان في الجولة الأولى.

وتشير الخريطتان) 4+3( إلى نتائج كل من أردوغان وكليجدار أوغلو في الجولة الثانية، وتتناسب دكانة اللون طردياً مع نسبة الارتفاع في التصويت بين الجولتين والعكس صحيح.

 

ا

 

ويتضح أن الارتفاع حصل في المناطق التي يحضر فيها التيار القومي بقوة، وفي هذا السياق يرجح أن النسبة الأكبر من الأصوات التي حصل عليها أوغان قد ذهبت لصالح أردوغان.

 

ا

يلاحظ من الخريطة) 4( أن تراجع كليجدار أوغلو كان أكثر في المنطقة الكردية، ويرجع ذلك إلى تراجع نسبة التصويت بين الأكراد، لاهتمام قسم منهم بالانتخابات البرلمانية فقط أو استيائهم من تحالفه مع أوميت أوزداغ، والذي وضع شروطاً يرونها متناقضة مع مطالبهم.

خاتمة

فاز الرئيس أردوغان وتحالف الشعب بولاية جديدة من 5 سنوات ليستمر في الحكم مدعوما بأغلبية برلمانية ،وبذلك سيصبح مجموع ما قضاه أردوغان في رئاسة الوزراء ورئاسة تركيا ما يصل إلى ربع قرن.  لكن في المقابل، وجه الناخب التركي رسالة قوية إلى حزب العدالة والتنمية وخاصة في المدن الكبرى، حيث انخفض تأييده بنسبة 7 في المئة عن انتخابات 2018، ويمكن القول إن هذا الانخفاض يعدّ منطقيًا في ظل التحديات التي عاشتها تركيا والمرتبطة بسوء الأوضاع الاقتصادية والزلزال وتداعيات ملف اللاجئين.

مع ذلك، لم تتمكن المعارضة من الاستفادة من تراجع نسب تأييد الحزب الحاكم، وبالرغم من نجاحها في تجميع الأحزاب المعارضة، فإنها لم تقدم أداءً يقنع الأغلبية بإيصالها للحكم، ومن ثمّ ضيعت فرصة كبيرة في الوقت الذي كان حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان في أضعف حالتهما. ومن المرجح أن تنعكس هذه النتائج على مستقبل قيادات الأحزاب المعارضة الحالية وخاصة حزب الشعب الجمهوري، بالرغم من محاولات بقائها في مواقعها إلى حين الانتخابات البلدية المقبلة في آذار/ مارس 2024.

أخيرًا، أبرزت الانتخابات انقسامات مجتمعية وثقافية وجغرافية عميقة، لن يكون من السهل معالجتها. وستكون ملفات الاقتصاد واللاجئين حاضرة بقوة خلال الشهور المقبلة، حيث تتجه تركيا إلى انتخابات جديدة لا تقل أهمية وهي الانتخابات البلدية.