icon
التغطية الحية

الاكتتاب على السندات.. مصيدة النظام للاستيلاء على أموال السوريين في المصارف

2022.08.04 | 06:29 دمشق

يب
دمشق - سامي جمعة
+A
حجم الخط
-A

يؤكد تحديد وزارة المالية في حكومة النظام السوري، موعد المزاد الثاني للأوراق المالية الحكومية للاكتتاب على "سندات وأذونات الخزينة"، في 8 من آب الحالي، أن النظام سيتبع طرقاً غير تقليدية لتمويل الموازنة الجديدة، وفي ظل الشلل شبه التام لعجلة الاقتصاد المحلي، فإن هذه الخطوة سيتبعها طباعة كميات من العملة وطرح فئات نقدية أعلى، ما يعني الوقوع في فخ التمويل بالعجز، وما ينجم عن ذلك من تفاقم التضخم وتدني قيمة العملة المحلية.

وبحسب بيان للمالية يوم الأحد الماضي، سيكون الاكتتاب على "سندات الخزينة" بأجل لمدة سنتين، وبنطاق إصدار مستهدف بقيمة 300 مليار ليرة سورية، مع الإشارة إلى السماح للأوراق المالية الحكومية بالتداول في "سوق دمشق للأوراق المالية".

وبحسب البيان فإن شركات الوساطة المالية والمصارف العاملة مؤهلة للاكتتاب على السندات، وبإمكان الأفراد العاديين والاعتباريين المشاركة في المزاد عبر فتح حساب لدى تلك الشركات أو المصارف، بشرط تفويض المصرف أو شركة الوساطة المالية بالاكتتاب على هذه السندات.

خبراء اقتصاد: خطوة لشراء الوقت يتبعها ارتفاع نسب التضخم

وأكد وزير الزراعة السابق نور الدين منى أن الاقتصاد المحلي وقع "بين مطرقة طباعة عملة ورقية من فئة 10 آلاف ليرة سورية، وسندان سعر صرف يؤشر أنه يذهب باتجاه 5 آلاف ليرة سورية/ دولار، والنتيجة انخفاض في القيمة الشرائية لليرة السورية أمام الدولار".

وأضاف منى في منشور على صفحته على فيس بوك، أن الإعلان الحكومي عن إمكانية فكرة طرح الحكومة بيع سندات الخزينة السورية قبيل منتصف آب الجاري عزز انخفاض قيمة الليرة السورية، ومن المؤكد أن البنك المركزي سيطرح قريباً عملة ورقية من فئة 10 آلاف، والمزيد من انخفاض وتدهور في قيمة الليرة السورية وانخفاض قدرتها الشرائية وزيادة الأسعار".

 

الليرة السورية.. بين مطرقة طباعة عملة ورقية من فئة 10000 ل.س وسندان سعر صرف يؤشر بإتجاه 5000 ليرة سورية/ دولار -...

Posted by Noureddin Mona on Sunday, July 31, 2022

وأوضح المحلل الاقتصادي بسام دحدل في حديثه لموقع تلفزيون سوريا أن سندات الخزينة عبارة عن صكوك تصدرها شركات أو حكومات وتكون قابلة للتداول بالطرق القانونية، وتعد السندات بمثابة قرض لأجل مسمى، طويل أو متوسط أو قصير الأجل".

وأضاف دحدل أنه في حالة الاقتصادات الطبيعية تعتبر سندات الخزينة واحدة من الأدوات التي تستخدمها الحكومات لامتصاص فائض المعروض النقدي من السوق ومن ثم تخفيف نسب التضخم ولكن في الوضع السوري المعادلة مختلفة، حيث إن الاقتصاد يعيش حالة موت سريري ولن يتمكن من سداد ديونه إلا بطباعة أوراق نقدية جديدة، وسيؤدي ذلك إلى ارتفاع نسب التضخم والدخول في حلقة مفرغة وحالة هروب إلى الأمام وشراء الوقت لا أكثر.

وأشار دحدل إلى أن الحكومات تلجأ إلى استصدار سندات للاستفادة من التمويل الذي تحصل عليه من الشخص أو الجهة الحائزة على السندات عن طريق الاكتتاب العام، و"توظيف الكتلة النقدية في مشاريع استثمارية تدر عليها أرباحاً أكثر من تلك التي ستعود على الشخص أو الجهة التي سيستفيد بجزء من فوائد وعوائد ملكية السندات إلى أن يأتي موعد الاستحقاق". 

ويميز دحدل بين سندات وأذونات من حيث مدة السداد، فمدة سداد الأذونات تكون أقل من سنة، في حين أن مدة سداد السندات تكون أكثر من سنة وربما تصل إلى 30 سنة، ولجأ النظام السوري إلى استصدار النوعين سندات وأذونات لتتناسب مع أموال المودعين في المصارف الخاصة حيث ستأتي الكتلة المالية الأكبر من المصارف.

سيناريو المصارف اللبنانية في سوريا

ونبّه دحدل إلى خطورة إجبار المصارف على شراء السندات، بعد طرح مزاد للاكتتاب على سندات بقيمة 300 مليار ليرة، لأن المصارف ستدفع من أموال المودعين ولذا ليس من المستبعد أن نصل إلى الحالة التي وصلت إليها المصارف اللبنانية لإشهار الإفلاس العام وضياع أموال المودعين، وفي أحسن الأحوال إعادة نسب قليلة من أموال المودعين.

ويسوق دحدل أمثلة عن تعثر حكومات دول في سداد ديونها بالعملة المحلية، كما حدث في روسيا عام 1998 (أزمة الروبل)، وقد أدى ذلك إلى قيام الحكومة الروسية والبنك المركزي الروسي بتخفيض قيمة الروبل والتخلف عن سداد ديونها، وكان للأزمة آثار خطيرة على اقتصادات العديد من البلدان المجاورة، وكذلك الأمر ما حدث في اليونان عام 2011. واعتبرت سنداتها حينئذ مرتفعة المخاطر جداً، وذلك لأن اليونان هي جزء من منطقة اليورو، حيث لا تمتلك عملتها الخاصة.

ويختم دحدل كلامه بتوجيه نداء إلى كل المودعين في المصارف الخاصة بسحب ما يستطيعون سحبه من أموالهم لأنها سوف تتحول إلى أوراق لا قيمة لها متمثلة بـ"أذونات وسندات" لخزينة خاوية الوفاض.

إعلام النظام يروّج

ونشرت وسائل إعلام النظام السوري وأخرى مقربة منه تقارير تروّج للاكتتاب على سندات الخزينة، حيث قال الباحث الاقتصادي الدكتور علي محمد لصحيفة "الوطن": "سندات الخزينة هي أحد أشكال الدين الداخلي الذي تفضله الكثير من الدول لتمويل العجز لديها على الدين الخارجي مثل الدين من صندوق النقد الدولي وغيره لما قد يحمله الدين الخارجي من مخاطر والقبول بشروط غير مرغوب بها".

وأضاف: "وبالعودة للوضع السوري كان خيار سندات الخزينة أحد أشكال تأمين سد جزء من العجز في الموازنة العامة للعام الحالي التي تجاوز العجز فيها 4 آلاف مليار ليرة"، منوهاً إلى أن خيار سندات الخزينة أفضل من اللجوء لإصدار أوراق نقدية من مصرف سورية المركزي ما يسهم حكماً في رفع معدلات التضخم".

وقال رئيس هيئة الأوراق المالية عابد فضلية: "بالنسبة لأهمية طرح هذه الأوراق فإن استصدار مثل هذه الصكوك يحقق ثلاث غايات: الأولى نقدية وهي تقليص حجم السيولة الحرة في السوق بهدف خفض أو لجم التضخم، والثانية مالية لتحريض وتحريك الاستثمار إن استخدمت أموال المكتتبين في تأسيس مشاريع إنتاجية، أما الثالثة فهي اقتصادية اجتماعية عن طريق تشغيل الأموال والمدخرات الراكدة «إن وجدت»، الأمر الذي يؤدي إلى حصول المكتتبين عليها على عائدات ربحية يتم ضخها في السوق عادة ليتحرك الطلب الفعال ما يسرع بعجلة الإنتاج يخلق فرص عمل جديدة".

موازنة الدولة لعام 2022

وأقرّت حكومة نظام الأسد في تشرين الأول من العام الماضي الاعتمادات الأولية للموازنة العامة للدولة للعام المقبل 2022، بأكثر من 13 ترليون ليرة سورية (نحو 5 مليارات دولار وفق سعر الصرف الرسمي)، في زيادة بنحو 56% عن موازنة العام الجاري 2021.

وأعلن حينئذ وزير المالية في حكومة النظام، كنان ياغي، أن العجز في مشروع الموازنة للعام المقبل يقدر بنحو 4118 مليار ليرة، وأن حجم الدعم فيها يصل إلى 5530 مليار ليرة سورية.

وقال ياغي إن "الاعتمادات الأولية لمشروع الموازنة بلغت 13325 مليار ليرة، منها 11325 مليار ليرة نفقات جارية، و2000 مليار ليرة نفقات استثمارية، موضحاً أن "تغطية تلك الاعتمادات ستتم عن طريق الإيرادات العامة للدولة التي بلغت 9200 مليار ليرة، مقسمة إلى 4400 مليار جارية، و4800 مليار ليرة إيرادات استثمارية، وفوائض اقتصادية".

وعن العجز المقدر في مشروع الموازنة، أوضح ياغي أن "العجز المقدر في مشروع الموازنة ستتم تغطيته عن طريق 600 مليار ليرة اقتراض عن طريق سندات خزينة، وحوالي 500 مليون هي عبارة عن موارد خارجية، والباقي سيتم تغطيته عن طريق مصرف سورية المركزي كاعتمادات مأخوذة من الاحتياطي في المصرف".

وأضاف أن حجم الدعم في مشروع الموازنة العامة بلغ 5530 مليار ليرة سورية، ارتفاعاً من 3500 مليار ليرة في الموازنة السابقة، مشيراً إلى أن "تلك الكتلة ستوزع على مجموعة بنود، أهمها دعم المشتقات النفطية الذي بلغ 2700 مليار ليرة، ودعم الدقيق التمويني الذي يبلغ 2400 مليار ليرة، إضافة إلى 300 مليار ليرة لدعم السكر والرز، و50 مليار ليرة لصندوق دعم الإنتاج الزراعي ومثلها لصندوق المعونة الاجتماعية، و30 مليار ليرة لصندوق الري الحديث وصندوق الجفاف".

وسبق أن رفع نظام الأسد مبلغ موازنة العام المالي 2021 بمقدار الضعف بالليرة السورية، إلا أن المبلغ كان يقل بنحو 40% عن سعر الصرف حينئذ، في حين يقل الآن بنحو 20% بعد أن رفع النظام سعر صرف الدولار من 1550 إلى 2512 ليرة، بينما يتجاوز سعر الصرف في السوق السوداء 3400 ليرة للدولار.

ويرى محللون اقتصاديون أن الأرقام الضخمة التي يعلنها النظام لموازنة حكومته تهدف إلى إثارة الآمال لدى السوريين بأن تحسناً قد يطرأ على الأوضاع المعيشية والاقتصادية، إلا أن الواقع مغاير لما تضعه الحكومة على الورق.