icon
التغطية الحية

الاستيلاء على أملاك المهجرين ومنازلهم في سوريا.. من المسؤول؟

2022.03.28 | 16:04 دمشق

0114.jpg
عناصر من قوات النظام في الغوطة الشرقية (getty)
تلفزيون سوريا - ميس عبد الحميد
+A
حجم الخط
-A

فرضت الأحداث الميدانية خلال فترة الثورة السورية على القسم الأكبر من السوريين تهجيراً قسرياً أدى إلى ترك ممتلكاتهم، والنزوح إلى مناطق أخرى أو اللجوء إلى خارج البلد، في حين استغل كلٌ من الفصائل العسكرية وقوات النظام عمليات التهجير بسلب ممتلكات المواطنين الذين تم تهجيرهم تحت ذرائع وحجج متعددة، ومن خلال الالتفاف على القوانين بهدف حرمانهم من أملاكهم، ففي مناطق سيطرة النظام السوري الذي قام بعمليات تهجير قسري، ترك المجال لعناصر جيشه وميليشياته بالاستيلاء على أملاك من تم تهجيره، كما منعهم من التصرف بممتلكاتهم من خلال ربط عمليات البيع والشراء لهذه الممتلكات بوجود موافقة أمنية أما في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام فقد تم الاستيلاء على أملاك الذين ذهبوا إلى مناطق النظام  تحت مسمى "غنائم حرب"، وكنوع من العقاب لهم.

من يعيد للسوريين منازلهم؟

أحمد ملندي (اسم مستعار) ٥٤ عاماً من مدينة ادلب يروي لموقع تلفزيون سوريا كيف تم الاستيلاء على بيته الواقع في مدينة دمشق قائلاً: منذ بداية الحرب في سوريا اضطررت للعودة إلى مدينتي إدلب لأن عملي لا يسمح لي بالبقاء في أماكن سيطرة النظام، وبعد مرور عدة سنوات طلبت من أحد أصدقائي أن يقوم بعرض بيتي للبيع الواقع في السيدة زينب، والذي أتملكه بعقد بيع قطعي إلا أنه أخبرني أن أحد الأشخاص التابع للميليشيات الإيرانية التي كانت تسيطر على المنطقة قام بالاستيلاء على البيت ووضع له باباً وقام بقفله بعد أن تعرض البيت للسرقة في أثناء الفوضى التي كانت تعم المنطقة وعندما طلب منه البيت لبيعه أخبره أنه لن يسلم البيت إلا ليحضر صاحبه بشكل شخصي وأن الاعتداء على هذا البيت يعدّ اعتداءً على ممتلكاته.

وتابع ملندي وفي الوقت نفسه تواصل أحد أصحاب المكاتب العقارية معي ليعرض عليّ بيع البيت بربع قيمته مقابل أن يتم التنازل عن البيت لصاحب المكتب العقاري على أن يتكفل هو بإخراج الشخص الذي استولى على البيت.

عقوبات تفرضها القوانين على المهجرين

وأضاف ملندي وجدت مشترياً للبيت من طرف معارف صديقي إلا أن الشخص الذي استولى على البيت طلب منه أن أحضر أنا شخصياً كي يسلمني البيت وهو أمر مستحيل بالنسبة لي، وحاولت توكيل أحد أصدقائي ليقوم بعملية البيع، فاصطدمنا بشرط وجود موافقة أمنية على البيع التي تتطلب أن أكون ضمن مناطق النظام، مما جعلني أصرف النظر عن موضوع البيع وتركت البيت الذي لا يزال يستثمره الشخص الذي استولى عليه.

بدوره أكد المحامي غزوان قرنفل لموقع تلفزيون سوريا أن الأصل هو حرية تصرّف الناس بأموالها وممتلكاتها وإدارتها، والاستثناء هو وضع ضوابط إضافية لهذا الأمر، ولكن من دون أن تعيق تلك الضوابط حق الناس بإدارة أموالها أو التصرف بها، لكن موضوع الموافقات الأمنية المسبقة على عمليات البيع والشراء، وربط هذا الحق بمزاجية الأجهزة الأمنية هو إجراء غير دستوري، ومُجاف لمنطق العدالة وهو تضييق على الناس في سبل عيشها ومعاشها، فضلاً عن كونه تعسفاً في استعمال السلطة.

وأضاف قرنفل: "النظام ومنذ ما قبل الثورة عمل على تغيير التركيبة الديمغرافية لدمشق فزرع مستوطنات سكانية تأخذ صبغة طائفية كالمزة 86، وعش الورور وغيرها.. ثم مع بدء الثورة وحمل السلاح أجبر المقاتلين المعارضين على التمترس في مناطق محددة يريد هو أصلا ً تدميرها واستئصال سكانها، فكان يترك لهم مجالاً للانسحاب باتجاه تلك المناطق، ثم يطبق الحصار عليها والبدء بتدميرها وتفريغها سكانياً، والقصد من ذلك إعادة تشكيل الديمغرافيا من خلال قوانين إعادة الإعمار، وهذا ما حصل بمنطقة بساتين المزة، والمتحلق الجنوبي بدمشق، وبعدها في الغوطتين، وكذلك في أحياء بعينها في حمص كالخالدية وبابا عمرو وغيرها، وكذلك في مناطق شرق مدينة حلب.

وتابع: ثم أتبَعَ ذلك بالقوانين والمراسيم التي أصدرها بحجة إعادة إعمار تلك المناطق كالمرسوم 66 لعام 2012، والقانون 10 لعام 2018، والمرسوم 12 لعام 2016، والعديد من المراسيم الأخرى التي تتضمن في بنودها وموادّها إجراءات تفضي للنيل من ممتلكات الناس وإهدارها.

وتابع: ليس صحيحاً أن النظام يرغب في عودة اللاجئين بل هو يتمنى أن لا يعودَ أحد لأن عودتهم ستكون مرتبطة باستعادة ممتلكاتهم، وعودتهم إلى مناطق سكناهم وهذا ما لا يرغب فيه على الإطلاق.

من يشرع ملكية المنازل في شمال غربي سوريا

هناك العديد من المنازل والممتلكات التي تم الاستيلاء عليها بحجج ومبررات عدة من دون اللجوء إلى التشريع القانوني في ملكيتها فقد نزعت من أصحابها بغير حق على الرغم من وجود عقود قانونية تثبت .ملكيتها

تلاشت بين أملاك دولة ومعارضة

كما أن هناك غموضاً في وضع بيوت الجمعيات السكنية والسكن الشبابي التي كانت بيد النظام قبل سيطرة فصائل المعارضة عليها والتي تم دفع جزء كبير من ثمنها من قبل المواطنين لحكومة النظام، بالرغم من أنها كانت مبنية بشكل كامل، وكانت قيد الإكساء والتخصيص فإن هيئة تحرير الشام التي تسيطر على إدلب اعتبرتها غنائم حرب ولم تستمع لحجج أصحاب البيوت ولم تنظر إلى الوثائق التي بين أيديهم.

وأكد قرنفل: أن تلك المساكن الشبابية والجمعيات السكنية تأخذ نفس إجراءات الرد المتبعة في العقارات المسجلة بالسجل العقاري، ويعتبر دفتر العضوية بالجمعية والمدفوعات المدونة عليه وثيقة إثبات لهذا الحق.

معاذ ٣٤ عاماً رفض الإفصاح عن نسبه لأسباب خاصة من مدينة إدلب يروي لموقع تلفزيون سوريا كيف تم الاستيلاء على منزل والده الذي كان يسكن فيه في مدينة إدلب قائلاً: سكنت في بيت والدي منذ عدة سنوات لأن والدي اضطر للعيش في أماكن سيطرة النظام بحكم عمله كموظف، ولأنني الوحيد من عائلتي موجود في إدلب.

وتابع معاذ: "حالنا ليس أفضل من حال من هم في أماكن سيطرة النظام لأنه على الرغم من أنني أنتمي إلى الثورة السوية وكنت من أوائل من خرج في مظاهرات ضد النظام فإن هيئة تحرير الشام طلبت مني إخلاء بيت والدي أو استئجاره بمبلغ ٣٠٠ دولار أميركي للشهر الواحد لأنها اعتبرت البيت بمنزلة غنيمة حرب؛ لكون والدي ما زال على رأس عمله في مناطق النظام، وحاولت جاهداً البقاء واللجوء إلى المحكمة عن طريق توكيل محامٍ لكنهم أصدروا حكماً بإخلاء البيت أو أن أبقى فيه لقاء آجار مرتفع جداً لا يتناسب مع دخلي الذي أتقاضاه مما اضطرني لاستئجار منزل آخر والعيش فيه.

 

الاستيلاء في مناطق سيطرة النظام ومناطق سيطرة الفصائل 

محمد ومصطفى خاروف أخوان من مدينة أريحا يمتلكان بيتا مؤلفا من طابقين في إدلب المدينة غادرا المدينة مع أسرتهما منذ أن سيطرت فصائل المعارضة على مدينة إدلب يروي مصطفى لموقع تلفزيون سوريا كيف تم الاستيلاء على منزلهما قائلاً: قتل ولدي في أثناء سيطرة حكومة المعارضة على مدينة إدلب فاضطررت للنزوح والعيش في لبنان مع عائلتي وتركت منزلي من دون حصانة، وكذلك أخي محمد البالغ من العمر ٦٥ عاماً فقد ذهب إلى أماكن سيطرة النظام لأنه كان يعمل موظفاً حكومياً على أمل الحصول على راتب التقاعد، ولكن منذ عدة سنوات ونحن نحاول استعادة البيوت ولم نستطع حتى الآن فقد استولت عليهما هيئة تحرير الشام منذ تلك الفترة.

وتابع خاروف: قامت عناصر من هيئة تحرير الشام بتأجير المنزلين لموالين لها، ومنعت أي شخص من الاقتراب من تلك البيوت، واعتبرتها غنائم حرب على اعتبار أن أي شخص غير موال لها بأنه شبيح، وكل شخص يسكن في أماكن النظام أنه تابع للنظام ويجب الاستيلاء على أملاكه كما أن وكالة أي شخص لهذه البيوت غير مقبولة إلى أن يحضر صاحب البيت شخصياً وهذا أمر مستحيل لأنني لا أستطيع مغادرة لبنان والعودة إليها مرةً ثانية فمن غادر البلاد لا يستطيع العودة إليها، ولكن ماذا عن ممتلكاتنا هل أصبحت مشاعاً ولا يحق لنا استعادتها؟!

الاعتداء على أملاك المدنيين جريمة

أكد قرنفل أن ما تقوم به حكومة الإنقاذ التي شكّلتها هيئة تحرير الشام في إدلب لا يختلف أبداً في توصيفه عما يمارسه النظام من كونه اعتداءً على أملاك الناس وانتهاكاً لها، وهو جريمة يجب أن يحاسب عليها فاعِلوها بصرف النظر عما إذا كان مالك العقار غائباً أو موالياً أو مسيحياً.. لكن خطورة ما يفعله النظام أكبر لأن حكومة الإنقاذ ليس لها اعترافٌ قانونيٌ وكل إجراء يبقى من السهل إلغاء مفاعيله وآثاره مستقبلاً بخلاف النظام الذي ما يزال ممثلاً قانونياً للدولة السورية، وهو يتصرف ويصدر قوانين بتلك الصفة، مما يصعب أكثر إمكانية استعادة كل الممتلكات المسلوبة مستقبلاً لكن ذلك لا يلغي حق التعويض.

وأضاف قرنفل: بالتأكيد هناك وسائل قانونية لفعل ذلك وهذه الوسائل أكثر فعاليةً في مناطق سيطرة قوى الأمر الواقع عنها في مناطق النظام، والمهم في هذا السياق السعي دائماً ليكون لدينا وثائق تدعم فرصتنا بالمطالبة مستقبلاً حتى ممّن كان عقاره في عشوائيات أي ليس له قيودٌ باسمه في السجلّ العقاري، فيمكن الاستعانة بإيصالات الضرائب أو فواتير الماء أو الكهرباء أو أي وثيقة تشير إلى أن هذا الشخص كان شاغلاً أو مالكاً للعقار.

وأضاف: طبعاً هناك صعوبات كبيرة جداً ستواجهنا مستقبلاً، لكن ذلك لا يلغي حق الناس في الاسترداد أو التعويض، ويجب أن يلحظ ذلك أي اتفاق سياسي للصراع أو حتى الدستور الذي يتم الاشتغال عليه.