الاستراتيجية الروسية في سوريا

2020.03.03 | 23:02 دمشق

1581091262789779200.jpg
+A
حجم الخط
-A

على مدى سنوات لعبت روسيا على فصل المسارين السياسي والعسكري من خلال ما يسمى محادثات أستانا التي انتهت إلى توقيع ما يسمى اتفاقا لإنشاء "مناطق خفض التصعيد" في سوريا، فقد أكد الاتفاق أن المناطق الأربع المعلنة في سوريا ك "مناطق خفض التصعيد" وهذه المناطق هي وفقا للمذكرة -التي نشرتها وزارة الخارجية الروسية- والتي تنص على تشكيل مناطق خفض التصعيد:

- محافظة إدلب وأجزاء معينة من المحافظات المجاورة (اللاذقية، حماة، وحلب).
- مناطق معينة من شمال محافظة حمص.
- الغوطة الشرقية.
- مناطق معيّنة من جنوبي سوريا (محافظتي درعا والقنيطرة).

وأضافت المذكرة أنه سيتم بناء على المذكرة تشكيل مجموعات عمل بين الدول الثلاث بالمرحلة المقبلة لتحديد حدود مناطق عدم الاشتباك واَلياتها، وأنه تم تسجيل وقف استعمال جميع أنواع الأسلحة -بما فيها السلاح الجوي- بالمناطق المذكورة، وتأمين تدفق المساعدات الإنسانية بشكل عاجل وبلا انقطاع.

طبعا استغلت روسيا ضبابية هذه الاتفاقيات وغيرت الحقائق على الأرض في ظل غياب الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة للإشراف على آلية تنفيذ مثل هذه الاتفاقات، لذلك لم يبق من مناطق خفض التصعيد المذكورة إلا محافظة إدلب التي يدور الصراع عليها الآن من أجل السيطرة عليها بشكل كامل من قبل النظام السوري بمساعدة روسية كاملة كسلاح الجو ومستشارين عسكريين على الأرض.

حاولت روسيا جاهدة على مدى السنوات الماضية استبدال محادثات أستانا بمفاوضات جنيف، والتي بالحقيقة كانت كلتاهما دون تحقيق أي تقدم يذكر اللهم إلا تقدم قوات الأسد على الأرض بمساعدة روسية، وادعت روسيا أن أستانا هي المكان "الأنسب لمناقشة عملية السلام في سوريا" في محاولة لنزع الشرعية عن أي جهود للأمم المتحدة في جنيف.

ادعت روسيا أن الهدف الأساسي من مفاوضات أستانا هو فرض وقف إطلاق النار وفق الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين تركيا وروسيا مع نهاية عام 2016؛ ولكن ما هو مثير للاهتمام في مثل وقف إطلاق النار هذا أنه لم يحترم أبداً من قبل قوات نظام الأسد فالغارات الجوية لم تتوقف يوما في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية حتى بعد إدخالها رسميا ضمن مناطق خفض التصعيد بعد الاتفاق الذي تم التوصل إليه في عام 2017، كما أنه جرت عمليات تهجير قسري للسكان لم تتم من قبل بهذا الحجم والكل توجه نحو الشمال السوري حيث منطقة إدلب المنطقة الأخيرة التي صمدت من ضمن مناطق خفض التصعيد.

لقد استخدمت روسيا حق النقض الفيتو 14 مرة في مجلس الأمن منذ عام 2011 كان آخرها في ديسمبر 2019 وذلك لمنع قرار من مجلس الأمن يمدد قرارا سابقا ويسمح بإدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود دون العودة إلى نظام الأسد، ولذلك فمنذ اللحظة الأولى لاستخدام روسيا حق النقض الفيتو للمرة الأولى بالتعاون مع الصين لمنع إقرار مقترح غربي يدين الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في سوريا ويهدد إجراءات ضد حكومة الرئيس بشار الأسد. وذلك في تشرين الأول 2011 أي بعد ستة أشهر من بدء الثورة السورية وإلى اليوم ما زالت تستخدم الفيتو لحمايته ضد أية إدانة دولية في مجلس الأمن حتى بلغ عدد المرات التي استخدمت فيها روسيا الفيتو في الأزمة السورية 14 مرة. فمنذ عام 2011 مورس حق النقض الفيتو في مجلس الأمن 23 مرة كان منهم ثلاث مرات للولايات المتحدة لمشاريع قرار تتعلق بإسرائيل و20 مرة من قبل روسيا 14 منهم كان لمشاريع قرار تتعلق بسوريا بما يكشف حجم الاستثمار السياسي الكبير الذي تضعه روسيا اليوم في القضية السورية دون القبول بأي شكل من أشكال المفاوضات أو التسوية مع الأطراف الغربية بدليل حجم استخدام الفيتو في قضية واحدة كالأزمة السورية مقارنة بأوكرانيا على سبيل المثال أو جورجيا.

فعندما قررت موسكو التدخل عسكريا في الأزمة السورية في أيلول 2015 لصالح النظام، أصبحت سوريا أشبه بالمحافظة الروسية ومحافظها الأسد أصبح كرئيس بلدية يمثل أمام القيصر الروسي الذي يعطيه التعليمات الضرورية لإدارة الحرب والمفاوضات.

لن تقبل روسيا اليوم بأقل من السيطرة كاملة على إدلب بحجة طرد الإرهابيين منها وعلى رأسهم جبهة النصرة (أو تنظيم هيئة تحرير الشام) المرتبطة بتنظيم القاعدة وبالتالي ترى تركيا أنها مجبرة على تقديم تنازلات أكبر لروسيا في الملف السوري ربما ضد رغباتها لأنها لا تريد أن تخسر الطرف الروسي أو أن تفتح جبهة معه يجعلها في وضع لا يحسد عليه مقابل عدم الدعم الأمريكي للطرف التركي، وهذا ما يزيد الشعور الروسي ومن خلفه الأسد بالقوة في أنهم يستطيعون السيطرة على إدلب اليوم بدون تردد، فروسيا تريد سيطرة مطلقة على الأراضي السورية تحت حكم الأسد.