الارتهان الإيراني شرقا

2018.08.14 | 00:08 دمشق

+A
حجم الخط
-A

تاريخياً تبدو العلاقات الإيرانية- الأمريكية أفضل بكثير من العلاقات الإيرانية- الروسية. ويستغرب كثيرون حين يسمعون بأنّ العداء بين إيران وروسيا تقليدي وقديم قدم الدولتين بعكس العلاقة الإيرانية- الأمريكية التي يبدو  فيها العداء حديثاً ومصطنعاً. ولعل من أبرز تجلّيات الصدام الروسي-الإيراني في العصر الحديث، قتل الإيرانيين لألكسندر كريبويدوف سفير روسيا لدى إيران آنذاك قبل حوالي ١٩٠ عاماً. كان السفير رمزاً معروفاً لكونه شاعراً وملحّناً وكاتباً مسرحيّاً في الوقت نفسه، وقد تم قتله و٣٦ آخرين من العاملين معه في مجزرة كبيرة ارتكبها الإيرانيون وسحلوه بعدها لدرجة اختفاء معالمه. في الحرب العالمية الثانية، غزا الاتحاد السوفيتي إيران ودعم إنشاء جمهوريتين فيها في مؤشر آخر على العلاقات السيئة والخصومة التاريخية بين الطرفين.

في العام ١٩٧٩، أطلق الإيرانيون ثورتهم ضد نظام الشاه لإيمانهم بأنّ الأخير رهن البلاد وثرواتها لإرضاء الولايات المتّحدة، وهي التي كانت قد شاركت سابقاً في مخططات للتدخل في عمق السياسية الإيرانية الداخلية. ويعتبر شعار "لا شرقية ولا غربية، جمهورية إسلامية" من أبرز شعارات الثورة الإيرانية التي اندلعت آنذاك وجاءت بنظام الملالي إلى الحكم في ذلك الوقت. حظي الشعار بشهرة واسعة وتمّ استخدامه بفخر بالغ، فالمعنى المراد خلفه هو التأكيد على استقلالية القرار الإيراني وعلى سيادة الدولة بعيداً عن المحاور الدولية التي كانت قائمة والمتمثّلة بنظام الثنائية القطبية، الاتحاد السوفيتي ومعسكره شرقاً والولايات المتّحدة ومعسكرها غرباً.

يصف البعض العلاقات الإيرانية- الروسية اليوم خطأً بأنّها علاقات تحالف استراتيجي،

القيادة الإيرانية رهنت إيران وثرواها مؤخراً لروسيا من أجل تفادي السيناريو الأسوأ مع ازدياد الضغط الأمريكي وقرب فرض العقوبات المتعلقة بالنفط والتعاملات المصرفية.

في حين يجادل آخرون بأنّها لا تتعدى الشراكة المصلحية، وهو التوصيف الأدق لها. وفي حين ما يزال الشك وغياب الثقة والاستغلال يطبع العلاقات الروسية- الإيرانية، إلا أنّ شعار لا شرقية ولا غربية أصبح فارغاً من مضمونه على ما يبدو، فطهران اليوم أصبحت مرغمة بعد مرور ٣٩ عاماً على ثورتها أن تكون شرقيّة أكثر من أي وقت مضى. بمعنى آخر، هناك من يرى أنّ القيادة الإيرانية رهنت إيران وثرواها مؤخراً لروسيا من أجل تفادي السيناريو الأسوء مع ازدياد الضغط الأمريكي وقرب فرض العقوبات المتعلقة بالنفط والتعاملات المصرفية.

قبل حوالي عامين، اكتشف العالم أجمع بفضل تسريبات روسية أنّ موسكو استخدمت قواعد عسكرية إيرانية منطلقا لهجمات جويّة شنّتها ضد الشعب السوري. تسبب هذا الأمر بفضيحة كبرى للنظام الإيراني داخل إيران وخارجها. فالمادة 146 من الدستور الإيراني تمنع إقامة أي نوع من أنواع القواعد العسكرية الأجنبية في البلاد حتى ولو كانت للأغراض الإنسانية، ما يعني أن خرق مثل هذا الأمر تم من أعلى مستوى في إيران أي من قبل المرشد الأعلى نفسه، وهي المرّة الاولى –منذ الحرب العالمية الثانية- التي يتم السماح فيها لقوّة دولية بالتواجد داخل إيران، وباستخدام الأراضي الإيرانية منطلقا لهجمات عسكرية على دولة ثالثة. اعتبر كثيرون أنّ هذا مؤشر سلبي على كم الامتيازات المعطاة لروسيا من أجل مساعدة النظام الإيراني في المأزق السوري.

وبالرغم من أنّه لم يكن المؤشر الأوّل على الانزلاق الإيراني شرقاً، الا أنّ المعطيات بدأت تزيد في الاتجاه نفسه منذ ذلك الوقت. في بداية شهر أغسطس الحالي، كشف المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا "ألكسندر لافرينتييف" عن التوصل الى اتفاق مع الجانب الايراني يقضي بسحب القوات الإيرانية مسافة 85 كيلومترا عن الحدود مع الجولان في الجنوب السوري على أن يتم بعد ذلك نشر قوات روسية وتفعيل دور قوة الأمم المتحدة التي كانت تعمل من قبل في تلك المنطقة، لافتا إلى أن الجانب الروسي نسق هذه الخطة مع الطرف الإسرائيلي.

وقد اعترف المبعوث الروسي أنّ إيران انسحبت مع عتادها ومعداتها الثقيلة بالفعل من تلك المنطقة، مبيّناً أنّ الهدف هو "عدم إزعاج قيادة إسرائيل" ومضيفاً أنّ ميلشيات إيران لم تعد موجودة هناك باستثناء ما قد يكون موجوداً وسط الجيش السوري كمستشارين، وذلك. الاتفاق الذي دخل حيز التنفيذ تضمن أيضا نشر قوات شرطة عسكرية روسية في هضمة الجولان، ولكن الاتفاق لم يضع قيودا بالنسبة لإسرائيل فهو أعطى انطباعا قوياً بأنّه بمثابة تنازل إيران لمزيد من التقرّب من روسيا لحسابات سياسية قد تتخطى المسرح السوري.

ويعزز من هذا الاعتقاد على الصعيد الإقليمي، الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه قبل أيام في كازاخستان،

إيران ظلّت ترفض لما يزيد عن ٢٠ عاما اعتباره بحراً لأنها ستكون الخاسر الأكبر في مثل هذا السيناريو وهو تحقق بالفعل، حيث اضطرت الى القبول بتعريفه ك "بحر" وهو الامر الذي سيترتب عليه ان تحصل على حوالي ١٣٪ فقط منه.

حيث وقع قادة الدول الخمس المطلة على بحر قزوين وهي أذربيجان وكازاخستان وروسيا وتركمنستان وإيران على اتفاقية جديدة لتحديد الوضع القانوني لبحر قزوين. كان تحديد ماهية هذا البحر من الناحية القانونية وهل هو بحر أو بحيرة العائق الأساسي لاستغلال ثرواته بشكل واسع من قبل الدول المطلة عليه، ذلك أنّ اعتباره بحراً يعني توزيع ثرواته تبعاً لطول شاطئ الدولة المعنية وإطلالتها عليه، أمّا اعتباره بحيرة فكان يتوجّب توزيع ثرواته بالتساوي بغض النظر عن المعيار السابق. إيران ظلّت ترفض لما يزيد عن ٢٠ عاما اعتباره بحراً لأنها ستكون الخاسر الأكبر في مثل هذا السيناريو وهو تحقق بالفعل، حيث اضطرت إلى القبول بتعريفه كـ "بحر" وهو الأمر الذي سيترتب عليه أن تحصل على حوالي ١٣٪ فقط منه. فسّر كثيرون هذه الخطوة على أنه تنازل إضافي من النظام الإيراني لروسيا للقبول بهذا الاتفاق في مقابل الاستعداد للمرحلة القادمة من الصدام مع الولايات المتّحدة، وخلاصة النتيجة إذا ما صحّ هذا التفسير أنّ إيران تنزلق شرقاً أكثر من أي وقت مضى.