الاتحاد الأوروبي يحدُّ من وصول اللاجئين وينظر بعين واحدة

2024.11.27 | 05:35 دمشق

آخر تحديث: 27.11.2024 | 05:35 دمشق

41
+A
حجم الخط
-A

يحدث النزوح أو اللجوء القسري بسبب الصراعات والحروب أو الاضطهاد والحرمان والظلم بكل مستوياته الاجتماعي والسياسي والإنساني. وقد بلغ النزوح القسري في جميع أرجاء العالم أعلى مستوياته على الإطلاق في نهاية عام 2023، حيث وصل إلى 114 مليون شخص.

وكان للسوريين حصة كبيرة في أرقام هذا النزوح، فكثير منهم عانى بسبب الصراع والمواجهات وتعرض للظلم والاضطهاد والحرمان. بعض موجات اللجوء وصلت إلى أطراف أوروبا، وبعضها عبر إلى وسطها.

بدأت أول موجة كبيرة من تدفقات اللاجئين في عامي 2015 و2016، حيث هاجر أكثر من مليوني طالب لجوء إلى أوروبا، معظمهم من سوريا. ومؤخراً، تزايدت الهجرة إلى أوروبا في عامي 2022 و2023 بأكثر من الضعف، إذ وصل أكثر من مليون لاجئ إلى الشواطئ الأوروبية. وفي الوقت نفسه، غرق 3041 مهاجراً في البحر الأبيض المتوسط في عام 2023، وهو رقم قياسي.

مما جعل حكومات دول الاتحاد الأوروبي تعيد تصميم استراتيجياتها في التعامل مع القادمين، لتصبح استراتيجية إبطاء وردع تدفق اللاجئين إلى بلدانها. وترافق ذلك مع تنامي التيار اليميني في كثير من هذه الحكومات.

جاء تبني أوروبا لهذه السياسات التقييدية بعد الزيادة غير المسبوقة في الهجرة غير النظامية إلى القارة، خاصة من أفريقيا والشرق الأوسط وسوريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية ونيجيريا وإثيوبيا، وغيرها من البؤر الساخنة المولدة للهجرة، إلى جانب الاستبداد والفقر المدقع والجوع والظلم. وتهدد الحروب الجديدة نسبياً في لبنان والسودان وغزة بزيادة تدفق الأشخاص الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا بحثاً عن الأمان.

أطلق الاتحاد الأوروبي، وبالتوازي مع مبادرات الدول الأوروبية الفردية، في السنوات الماضية العديد من المبادرات لتقييد طالبي اللجوء من الوصول إلى حدوده.

ظاهرة اللجوء هي من أعراض علة الاستبداد وأنظمة الحكم المعادية لشعوبها والناهبة لمواردها ومقدراتها. فلماذا لا تصب الجهود في منحى معالجة السبب الرئيس وليس الأعراض المرافقة؟

ولعل ميثاق الهجرة الأخير للاتحاد الأوروبي، الذي وافق عليه البرلمان الأوروبي في 10 أبريل/نيسان، قد أنشأ نظام لجوء مشتركاً وأكد على تقاسم الأعباء والمهام بين الدول الأعضاء، للقيام بإجراءات صارمة، بما في ذلك فحص طلبات اللجوء بتأنٍ ودقة متناهية.

وقد تبنت دول معينة، مثل إيطاليا واليونان وإسبانيا ـ المعروفة باسم "دول الخط الأمامي" ـ سياسات وقوانين مصممة لردع الهجرة والحد من اللجوء. وجاء ذلك وفق إغراءات قدمها الاتحاد الأوروبي لهذه الدول من أجل منع المهاجرين من مغادرة بلدانهم أو عبورها نحو قلب أوروبا. أما المجر وبولندا، الدولتان اللتان كانتا كريمتين في قبول اللاجئين الأوكرانيين، فقد أغلقتا حدودهما بشكل عام أمام طالبي اللجوء من أفريقيا والشرق الأوسط.

وقد أشارت دول مثل فرنسا وألمانيا إلى نيتها زيادة السبل القانونية للهجرة، خاصة تأشيرات العمل من أجل سد الفجوة في سوق العمل لديها. ويجب ألا تكون هذه السبل القانونية المقترحة بديلاً عن حرمان طالبي اللجوء من الحماية.

اتخذت الحكومة الإيطالية، بقيادة ائتلافها اليميني المتطرف، عدة مبادرات مثيرة للجدل بهدف الحد من عدد المهاجرين الواصلين إلى إيطاليا.

في نيسان 2023، اعتمدت إيطاليا قانوناً من شأنه أن يتطلب احتجاز طالبي اللجوء حتى تتم معالجة طلبات لجوئهم - وهي عملية تستغرق ما يصل إلى عامين. كما من شأن القانون أن يسمح باتفاقيات مع الدول التي جاء منها المهاجرون لإبقائهم في بلدانهم مقابل حصص من التأشيرات لهذه البلدان.

في كانون الأول 2022، اعتمدت إيطاليا قانوناً لتثبيط إنقاذ قوارب المهاجرين المنكوبين، ومنع قوارب الإنقاذ التابعة للمنظمات غير الحكومية من الإبحار إلى أقرب ميناء ومنعها من البحث عن القوارب المنكوبة. وقد تعرضت هذه السياسة لانتقادات كبيرة، وأُلقي عليها اللوم في ازدياد وفيات المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط. ومع ذلك، ارتفعت أعداد المهاجرين الذين وصلوا إلى إيطاليا.

كما أبرمت إيطاليا مؤخراً اتفاقية ثنائية مع ألبانيا لاحتجاز طالبي اللجوء في مراكز الاحتجاز فيها، والتي بنتها إيطاليا حيث يمكنها استيعاب ما يصل إلى 3000 شخص في وقت واحد. ويمكن احتجاز طالبي اللجوء هناك حتى تبتّ إيطاليا في طلب اللجوء الخاص بهم. وتجدر الإشارة إلى أن إيطاليا هي الدولة الوحيدة التي تتعاون مع الدول الأفريقية في مجال الهجرة غير الشرعية. كما تفاوضت إيطاليا على اتفاقيات مع دول العبور في أفريقيا، بما في ذلك تونس، لكسب تعاونها في الحد من الهجرة إلى أوروبا. ووفق اتفاقية حديثة مع تونس، تم توقيعها في 17 أبريل/نيسان 2024، أن تمنح تونس 55 مليون يورو كجزء من خطة لمنع المهاجرين من السفر عبر البلاد للوصول إلى أوروبا. وأخيراً، في يناير/كانون الثاني 2024، عقدت إيطاليا قمة مع الدول الأفريقية كشفت فيها عن "خطة ماتي"، حيث ستوفر إيطاليا 5 مليارات يورو في استثمارات الطاقة والتعليم مقابل منع الهجرة من تلك البلدان.

أما اليونان، ونظراً لموقعها الجغرافي، فقد كانت نقطة دخول إلى أوروبا لطالبي اللجوء الفارين من الصراعات في سوريا والعراق ودول أخرى في الشرق الأوسط، وكذلك من دول شرق أفريقيا.

وصل نحو 38,573 طالب لجوء إلى اليونان في عام 2023، أي أكثر من ضعف عددهم في عام 2022. وانتشرت تقارير عن إساءة معاملة المهاجرين ودفع القوارب إلى الوراء. وكان الحدث الأكثر أهمية غرق سفينة صيد تحمل 750 مهاجراً في يونيو/حزيران 2023، حيث اتُهمت السلطات اليونانية بالفشل في إنقاذ السفينة، بل والمساهمة في غرقها، حيث توفي أكثر من 600 شخص في هذه المأساة، ومنهم نساء وأطفال.

لقد قاد الاتحاد الأوروبي، المكون من 27 دولة، الطريق نحو جعل وصول طالبي اللجوء إلى أوروبا أكثر صعوبة، وتفاوض على عدة اتفاقيات مع الدول المرسلة ودول العبور في أفريقيا.

قامت إسبانيا ببناء العديد من معسكرات الاحتجاز المؤقتة، خاصة في جزيرة "هييرو"، حيث ترسو فيها العديد من القوارب وتتم إعادة الغالبية العظمى من طالبي اللجوء الذين يصلون إلى جزر الكناري إلى بلدانهم، ومعظمهم قادمون من دول غرب أفريقيا والسنغال. والمعروف عن إسبانيا أنها لا تمنح موافقات اللجوء إلا بنسب قليلة جداً.

كما تبنت دول أخرى في الاتحاد الأوروبي غير المطلة على البحر الأبيض المتوسط قوانين جديدة تجعل من الصعب على طالبي اللجوء الحصول على الحماية والبقاء في بلدانهم.

وأقر البرلمان الفرنسي مشروع قانون الهجرة في كانون الأول/ديسمبر 2023، والذي يقيد المزايا الاجتماعية للمهاجرين، ويبسط عمليات دراسة طلب اللجوء، ويسرّع عمليات الترحيل. كما يقيد حق المواطنة بالولادة للأطفال المولودين لآباء أجانب، ويخفض القانون الجديد الحدود الزمنية لاستئنافات اللجوء، ويقلل عدد القضاة المسموح لهم بسماع الاستئناف من ثلاثة إلى واحد، ويسمح بجلسات استماع عبر الفيديو، والتي ثبت أنها تقوض الإجراءات القانونية الواجبة. وتشمل الأحكام التقييدية الأخرى الترحيل السريع للأفراد الذين لا يمتثلون لـ"مبادئ الجمهورية"، وتوسيع سلطة الطرد لترحيل الأفراد الذين يُعتبرون "تهديداً خطيراً للنظام العام".

وتتفاوض الحكومة الألمانية على اتفاقيات ثنائية للهجرة مع جورجيا ومولدوفا وكينيا وكولومبيا، من بين دول أخرى، حتى تتمكن من إرسال طالبي اللجوء إلى هناك. كما تحث ألمانيا الاتحاد الأوروبي على إعادة التفاوض على اتفاقية عام 2016 مع تركيا لإعادة طالبي اللجوء إلى ذلك البلد، بمن في ذلك السوريون. وأقرت ألمانيا مؤخراً قانوناً ينشئ بطاقة للحصول على المزايا، بدلاً من المدفوعات النقدية، من أجل ردع طالبي اللجوء عن إرسال المدفوعات إلى أقاربهم. كما أقرت تشريعات لتسهيل ترحيل طالبي اللجوء الذين فشلوا في طلبات اللجوء الخاصة بهم، ومنها قانون تحسين الإعادة إلى الوطن، الذي أقره البرلمان الألماني في 19 كانون الثاني/يناير لهذا العام، وتسريع عمليات الترحيل، وتمديد احتجاز طالبي اللجوء إلى 28 يوماً، وزيادة سلطة الشرطة الألمانية في تفتيش المساكن لترحيل طالبي اللجوء.

لقد قاد الاتحاد الأوروبي، المكون من 27 دولة، الطريق نحو جعل وصول طالبي اللجوء إلى أوروبا أكثر صعوبة، وتفاوض على عدة اتفاقيات مع الدول المرسلة ودول العبور في أفريقيا، كانت الاتفاقيات الثنائية مع كل من المغرب وتونس ومصر وموريتانيا وليبيا، بالإضافة إلى اتفاقية واحدة مع تركيا في عام 2016، لمنع حركة طالبي اللجوء إلى القارة الأوروبية.

إذاً، تنشئ أوروبا جداراً من البلدان والتشريعات لمنع المهاجرين من الوصول إلى القارة، مما يجعل من الصعب جداً على طالبي اللجوء الحصول على الحماية. ومن المرجح أن يستمر طالبو اللجوء اليائسون في المحاولة للحصول على الحماية في أوروبا، مما يؤدي إلى مزيد من المعاناة ومواجهة المخاطر والوفيات، طالما أن الاتحاد الأوروبي يعالج أعراض المشكلة ولا يعالج أسبابها الأساسية. فظاهرة اللجوء هي من أعراض علة الاستبداد وأنظمة الحكم المعادية لشعوبها والناهبة لمواردها ومقدراتها. فلماذا لا تصب الجهود في منحى معالجة السبب الرئيس وليس الأعراض المرافقة؟