الائتلاف والإصلاح.. هذا ما يريده الناس

2020.11.10 | 23:01 دمشق

alaylaf-2.jpg
+A
حجم الخط
-A

بعد المطالبات الواسعة بإصلاح الائتلاف وتحول الموضوع إلى قضية رأي عام تفاعل معها غالبية السوريين خلال شهري آب وأيلول المنقضيين، تمنى كثير من أعضاء هذه المؤسسة على الكتاب ووسائل الإعلام منح المسؤولين عنها فرصة لتنفيذ خطة إصلاحية جرى إطلاقها بالفعل.

والحق فإن إجراءات عدة قام بها الائتلاف على مدار الأشهر الثلاثة الماضية وعكست جدية في معالجة الأثر السلبي الكبير الذي فجرته طريقة المداورة التي جرت بها انتخابات الرئاسة بالتحديد وبقية المكاتب بشكل عام، بعد أن كان الجميع غاضباً من حال الائتلاف وأدائه، وهذه الإجراءات ما تزال قائمة بحيث لا يمكن وصفها ب(الفورة) أو لمجرد امتصاص الغضب، لكنها لم ترتق حتى الآن إلى مستوى طموح السوريين وتطلعاتهم.

بالتأكيد لا يمكن انتظار حل جميع مشاكل الائتلاف خلال ثلاثة أشهر هي عمر دورته الجديدة، وبالطبع فإن إنكار أهمية ما تم تنفيذه أو التقليل من قيمته لا يسهم في تحقيق أي فائدة، لكن من دون أن يعني ذلك تعطيل النقد والإشارة إلى الثغرات والاستمرار في الضغط من أجل الوصول إلى إصلاح حقيقي بات ضرورة من أجل الائتلاف ذاته قبل كل شيء.

ركز الائتلاف خلال الفترة الماضية على ثلاث اتجاهات رئيسية كما تُظهر المتابعة. الأولى تتعلق بإعادة الروح للمؤسسة ذاتها من خلال تفعيل اللجان والمكاتب التي عانت طيلة سنوات من حالة تشبه السبات، وغاب أي حضور أو فاعلية لأغلبها حتى لم يعد الجمهور يسمع سوى بلجنتين أو ثلاث، وهو نتاج طبيعي لحالة الجمود السياسي مع استقرار الأمور للكتل النافذة في الائتلاف، وبالتالي غياب مبدأ المتابعة والمحاسبة، ما أدى إلى غياب شبه كامل للفعالية الداخلية (داخل المؤسسة) وحكماً إلى غياب الأثر الخارجي للجانه ومكاتبه الإدارية والخدمية، فضلاً عن مؤسسات العمل السياسي الذي كان محتكراً من قبل عدة أشخاص سيطروا على مقاليد الأمور داخله.

الأمر الثاني الذي كان لافتاً في حراك قادة الائتلاف ومسؤوليه مؤخراً هي الزيارات المتتابعة التي نفذوها إلى الداخل، واللقاءات التي عقدها رئيس الائتلاف وأعضاء الهيئة السياسية وغيرهم ممن زاروا ريف حلب أو مناطق "نبع السلام" مع الفعاليات الاجتماعية والمجالس المحلية في هذه المناطق، وهي خطوة مهمة جداً في ردم الهوة

أطلق الائتلاف مبادرة واسعة للتواصل والحوار مع القوى والفعاليات والشخصيات والمؤسسات السياسية والثورية

بين المؤسسة والمواطنين الذين تكرس لديهم على مدار السنوات الماضية شعورمحق بعدم الانتماء تجاه الائتلاف، وكان من الجيد أن هذه الزيارات لم تحظ بتغطية إعلامية مبالغ بها من قبل دائرة الإعلام في المؤسسة، الأمر الذي كان سيفرغها من مضمونها ويظهرها بالفعل مجرد زيارات شكلية الغاية منها الدعاية وليس الانجاز.

ثالثاً، أطلق الائتلاف مبادرة واسعة للتواصل والحوار مع القوى والفعاليات والشخصيات والمؤسسات السياسية والثورية بهدف "الحصول على اقتراحات وأفكار تساعد في عملية الإصلاح السياسي للمؤسسة" على حد وصف العديد من المسؤولين فيه، وهي مبادرة مهمة لم يكن هناك بداً منها بطبيعة الحال، خاصة وأنها شملت حتى الآن معظم الأوساط والأسماء التي لطالما بقيت مهمشة، ومن الجيد أن التواصل لم يقتصر على الأسماء الكبيرة والشخصيات المعروفة، وهو ما يمكن أن يسهم في الحصول على أفكار جديدة لم يسمع صوت أصحابها من قبل، وتتيح تفاعلاً أوسع يشمل مختلف الطبقات والتيارات والتوجهات الفكرية والسياسية، وعلى الرغم من كل ما ظهر خلال هذا الجهد من ملاحظات إلا أن مجرد القيام به هو أمر إيجابي، بشرط أن يكون مثمراً بالطبع.

لا يعني ما سبق إهمال التواصل وإعادة التفاعل وكذلك الاعتبار للقوى والشخصيات السياسية المعارضة المعروفة التي هي اليوم خارج الائتلاف، وربما هناك منها من لا يعترف بالمؤسسة أو من فقد أي أمل بها، ومع ذلك يمكن تصور عشرات الأسماء البارزة في تاريخ الثورة والمعارضة خارج أهم مؤسسات قوى الثورة والمعارضة، وهذه الأسماء كثيرة ومعروفة بما يغني عن ذكرها.

أما الملاحظة الأهم فهي عدم تطرق الائتلاف حتى الآن إلى القضايا الأكثر مساساً بالناس في المناطق المحررة، مثل الأمن والقضاء بشكل خاص، وإصلاح إدارة المناطق المحررة بشكل عام، إذ إن كل ما حدث على هذا الصعيد هو تشكيل لجنة لإعداد دراسة عن هذه المناطق وكيفية إصلاح الإدارة فيها بالتعاون مع أحد مراكز الأبحاث التركية، وهو أمر لا يمكن أن نطلب من المواطنين انتظار نتائجه مؤكداً، بل إن ما ينتظره الناس هو وضع حد للخروقات الأمنية المتكررة والخطيرة، وإنهاء مظاهر الفوضى والتسيب وتعزيز دور الشرطة والقضاء ومعالجة بقية الظواهر السلبية التي ما تزال متفاقمة هناك.

إن الإصلاح السياسي لا يمكن أن يفترق بحال عن الإصلاح الإداري ومعالجة القصور في التواصل مع الناس لا يغني عن حل مشاكل هؤلاء الناس بطبيعة الأمر، فمن المهم أن يراك الناس بينهم وأن يقتنعوا بأنك جزء منهم (على افتراض أن هذا تحقق بينما لا نزال في أولى الخطى على هذا الصعيد)، لكن الأهم هو أن يلمس الجمهور نتائج وثمرات تنعكس على حياتهم وعلى قضيتهم بلا شك.