icon
التغطية الحية

"الإيكونوميست": هل تشل العقوبات الغربية الاقتصاد الروسي؟

2022.03.01 | 12:47 دمشق

14120029831610527945.jpg
الاقتصاد الروسي (إنترنت)
 تلفزيون سوريا ـ عبد الناصر القادري
+A
حجم الخط
-A

منذ استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم في عام 2014، فشلت العقوبات الغربية في التأثير أو العمل كرادع ذي مصداقية ضد العدوان الروسي، ولم تكن الإجراءات الجديدة التي تستهدف النظام المالي الروسي والتي أعلنت عنها أميركا والاتحاد الأوروبي وحلفاء آخرون في 26 شباط لتغير ذلك، فقد جاؤوا بعد فوات الأوان لمنع غزو أوكرانيا.

وأكّدت مجلة "ذا إيكونوميست" البريطانية في تقرير لها، أن الأطراف الغربية قادرة على إثارة الفوضى المالية في روسيا لأنهم يستهدفون بنكها المركزي وقد يؤدي إلى تجميد احتياطياتها من العملات الأجنبية البالغة 630 مليار دولار. 

وقد يؤدي هذا إلى إضعاف البنوك والعملة الروسية، إلى جانب ارتعاش الأسواق العالمية وزيادة أسعار الطاقة، وقد يؤدي ذلك أيضاً إلى انتقام روسي. 

وفي السابع والعشرين من شباط، قالت روسيا إن العقوبات "غير مشروعة"، مشيرة إلى أن القوات النووية الروسية وُضعت على مستوى عالٍ من اليقظة رداً على ذلك.

 كما ستتم مراقبة نشر الغرب لهذا السلاح الاقتصادي بصدمة غير متوقعة في الصين، التي تمتلك 3.4 تريليونات دولار من الاحتياطيات والتي ستعيد التفكير الآن في كيفية مقاومة الضغط الغربي في حالة نشوب حرب على تايوان.

عقوبات تفتقر إلى النفوذ

وبحسب المجلة، حتى الآن، كانت العقوبات الغربية ذات صوت رجولي يعكف على سحق روسيا، لكنها تفتقر إلى النفوذ، وعلى سبيل المثال، أدت العقوبات المفروضة على الأقلية الروسية المتسلطة وثرواتهم الخارجية إلى دعوة بعض أباطرة المال إلى وضع حد لإراقة الدماء، لكنها لم تغير عملية صنع القرار في الكرملين.

وفي غضون ذلك، سيستغرق تأثير القيود المفروضة على التكنولوجيا الغربية والصادرات الصناعية إلى روسيا شهوراً أو سنوات. 

وأشارت إلى أنه حتى العقوبات الأميركية التي تم الإعلان عنها في 24 شباط ضد "سبير بنك" و"بنك vtb" ، اللذين يمتلكان معاً 75% من أصول الصناعة المصرفية الروسية، كانت بمثابة ضربة خطيرة ولكنها ليست قاتلة، لا سيما منذ أن تم استثناء معاملات الطاقة، حيث بدا النظام المالي الروسي "المحصن" قادراً على تحمل الأسلحة الاقتصادية التي تجرأ الغرب على استخدامها.

ولم تكن إجراءات 26 شباط أبعد من ذلك بكثير، حيث ركزت العديد من القرارات في أميركا وأوروبا على عزل بعض البنوك الروسية من نظام رسائل المدفوعات العالمي السريع عبر الحدود. 

وفي الواقع، العقوبات الاقتصادية تدريجية وليست لتغيير قواعد اللعبة، وستجعل جميع الأطراف الدولية، وليس الغربية فقط، حذرة من التعامل مع الشركات التي فرضت عليها عقوبات.

معاقبة "حصن روسيا المالي" 

وترى المجلة أن الخطوة الكبيرة حقاً، كانت استهداف "البنك المركزي الروسي" قلب روسيا المحصن ، خصوصاً أنه يمتلك احتياطي أجنبي يقدر بـ 630 مليار دولار، ما يعادل 38% من الناتج المحلي الإجمالي لروسيا في عام 2021 (وقد تغطي العقوبات أيضا الأموال الأخرى التي تديرها الحكومة).

ونقلت المجلة عن مسؤولين في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، أنهم يعملون مع أوروبا لمنع البنك المركزي من استخدام هذه الاحتياطيات للتخفيف من تأثير العقوبات الغربية.

وكجزء من استراتيجية التحصن الروسية، حولت موسكو جزءاً كبيراً من احتياطياتها بعيداً عن الدولار؛ اعتباراً من حزيران 2021 محتفظة بـ 16% فقط من العملة الأميركية، مقابل 32% باليورو، و22% في الذهب، و13% باليوان الصيني. 

ومع ذلك، فمن المرجح أن غالبية مقتنياتها من الأوراق المالية والودائع المصرفية والأدوات الأخرى، بغض النظر عن العملة المقومة بها، يتم الاحتفاظ بها في حسابات مع مؤسسات مالية أو في ولايات قضائية ستطولها العقوبات الغربية، وهذا يعني أنه يمكن تجميد بعض، أو حتى جزء كبير، من صندوق الحرب القومي لروسيا.

ورداً على تلك الإجراءات، أكّد البنك المركزي يوم 27 شباط أن لديه جميع الموارد والأدوات اللازمة للحفاظ على الاستقرار المالي؛ لكن في الحقيقة التداعيات مروعة، خاصة إذا لم يكن لدى البنك المركزي وصول فوري إلى الاحتياطيات، فسيكون من الصعب عليه التدخل في سوق العملات باستخدام النقد الأجنبي لدعم تراجع الروبل، كما فعل في الأيام القليلة الماضية. 

قد يكون البنك المركزي غير قادر على تقديم سيولة بالعملات الأجنبية للبنوك التي تخضع لعقوبات، مما يزيد بدوره من احتمال تخلفها عن الوفاء بالتزاماتها بالعملة الأجنبية للأطراف المقابلة. 

كما ستكون غير قادرة على العمل كوسيط لمثل هذه البنوك، وتسديد أو تلقي مدفوعات أجنبية مع أطراف مقابلة أجنبية نيابة عنها، وهي إحدى الطرق النظرية للتهرب من العقوبات.

ذعر روسي متزايد

ولفتت المجلة إلى أنه لا شك أن العقوبات الغربية، تزيد من حالة الذعر في النظام المالي الروسي؛ وحتى الآن كان الضرر الناجم عن الحرب شديداً ولكن يمكن تحمله. فقد انخفضت العملة بنسبة 10% منذ بداية العام وحتى تاريخه، وانخفضت البورصة بنسبة 35% وأسعار أسهم أكبر البنوك بنسبة تزيد على 50%. 

والآن من المرجح أن يشتد الضغط، حيث يفقد المواطنون الروس الثقة في النظام المصرفي، وعلى الرغم من تقديم سحوباتهم بالروبل، يمكن للبنك المركزي تعويض ذلك من خلال تقديم قروض بالروبل إلى البنوك. 

وبفضل أرباحها من النفط، تمتلك روسيا فائضاً في الحساب الجاري، وتكسب من الخارج أكثر مما تشتريه من الخارج. ولكن إذا كان هناك حالة من الذعر وهروب رأس المال، دون الوصول إلى احتياطياتها، فقد تضطر إلى فرض قيود صارمة على رأس المال لمنع انهيار العملة. حيث تلجأ إلى إغلاق الأسواق المالية مؤقتاً (وتم بالفعل حظر البيع على المكشوف من الأسهم).

عقوبات تأخذ شكل الحرب 

وقالت المجلة إن الإجراءات الجديدة قاسية بما فيه الكفاية بحيث يمكن أن تعاملها روسيا كشيء قريب من العمل الحربي، ومن الممكن أن ترد عليها.

ولذلك أكّدت روسيا في 27 شباط إنها وضعت قواتها النووية في نطاق الجاهزية، وهو ما يعني مستوى عالٍ من اليقظة. حيث تم تصميم هذا للإشارة إلى أن الكرملين لا يعتقد أن هناك حداً واضحاً بين الحرب الاقتصادية والحرب التقليدية. 

وقد يضطر الغرب الآن إلى تغيير موقفه النووي رداً على ذلك، خاصة أن هناك طرقا أخرى عند روسيا للرد. مثل تكثيف الهجمات الإلكترونية على المؤسسات الغربية، أو الحد من إمدادات الغاز إلى أوروبا. 

وحتى 25 شباط، تم تعزيز إمدادات الغاز من شركة غازبروم عبر أوكرانيا إلى المستويات الطبيعية، وفقاً لوكالة "بلومبيرغ" لكن يمكن لروسيا الآن أن تخفض الإمدادات. وسيكون لهذا تأثير مالي معتدل على روسيا (صادرات النفط أهم بكثير بالنسبة لاقتصادها) ولكنه سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة وفواتير المستهلك في أوروبا. 

وفي هذا السيناريو، سيظل الغرب يمتلك أسلحة اقتصادية أخرى يمكن تصعيدها، بما في ذلك الحظر على خدمات الإنترنت للمستهلكين أو العقوبات على النفط الروسي.

وتابعت المجلة، في الوقت الراهن يبقى أن نرى ما إذا كان عزم الغرب الجديد ينجح في توجيه ضربة مدمرة للاقتصاد الروسي قبل أن توجه روسيا ضربة عسكرية مدمرة لأوكرانيا؛ لكن الإجراءات الجديدة ستلحق أضراراً جسيمة بروسيا.

والكثير من البلدان الأخرى التي تنتهج سياسات خارجية لا توافق عليها أميركا لديها مبالغ كبيرة من الاحتياطيات، والأكبر من ذلك كله هو الصين، التي يتم الاحتفاظ بمعظم مدخراتها الهائلة في أدوات مالية غربية أو من خلال شركات غربية. 

وفي ظل ذلك سوف تراقب الصين وتتعلم من ضغوط روسيا المالية، وكيف ترد روسيا، وتحاول تقييم كيف يمكن أن تتجنب الانهيار في مواجهة أدوات المال الغربية.