الإمارات تطبيع مع إسرائيل ونظام الأسد

2020.07.04 | 00:03 دمشق

gettyimages-686795950_2.jpg
+A
حجم الخط
-A

استغلت دولة الإمارات جائحة كورونا للتطبيع أو بالأحرى لنقل العلاقات مع إسرائيل رسمياً إلى العلن تماماً كما فعلت مع بشار الأسد ونظامه قبل شهور.

إذن أعلنت الإمارات الأسبوع الماضي وبشكل رسمي عن التطبيع مع إسرائيل عبر توقيع تفاهمات للتعاون الصحي والعلمي والتقني لمواجهة جائحة كورونا التي مثلت مناسبة وللدقة ذريعة للانتقال بالعلاقات للإطار الرسمي والعلني.

الإعلان عن الاتفاقيات الصحية الرسمية ترافق مع الكشف عن إرسال أبو ظبي مساعدات طبية ضخمة إلى تل أبيب، علماً أن المساعدات شملت مئات آلاف أجهزة الفحص وآلاف أجهزة التنفس الصناعي التي عانت الدولة العبرية نقصاً وعجزاً فيها.

سياسياً كانت العلاقات بين البلدين تسير على قدم وساق ولو بشكل غير رسمي، حيث استضافت الإمارات وفوداً إسرائيلية للمشاركة في مناسبات وفعاليات ثقافية اقتصادية ورياضية دولية مع استقبال آلاف السوّاح الإسرائيليين ممن يملكون جوازات سفر أجنبية صادرة عن سفارات معتمدة في تل أبيب، وصفقات بملايين الدولارات بين الحكومتين خاصة في قطاع التكنولوجيا الأمنية.

سياسياً، أيضاً فتح السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة قنوات تطبيعية مع شخصيات ومؤسسات إسرائيلية، كمنظمات أميركية يمينية متطرفة مؤيدة للدولة العبرية، وواكب التحضيرات لصفقة القرن "رؤية ترامب" سيئة الصيت، ثم حضر مؤتمر الإعلان عنها في كانون ثاني/ يناير الماضي بعدما كان شارك في لقاء ثلاثي أميركي إسرائيلي إماراتي عقد بالبيت الأبيض في كانون أول/ ديسمبر من أجل تنسيق السياسات الإقليمية بين الأطراف الثلاثة في المنطقة العربية.

الإمارات قادت كذلك تياراً تطبيعياً عربياً عبر أدواتها في الثورات المضادة من الانفصاليين اليمنيين شرقاً إلى الانفصاليين الليبيين غرباً مروراً بالمساعدة على عقد اللقاء التطبيعي بين رئيس مجلس السيادة السوداني الجنرال عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأوغندا في شباط/ فبراير الماضي.

العتيبة نفسه لخّص القصة كلها في مقال نشره باللغة العبرية بصحيفة يديعوت أحرونوت استجدى فيه علناً التطبيع مع إسرائيل تحت ستار رفض خطة الضمّ التوسعية لثلث الضفة الغربية المحتلة، مع تكريس قاعدة أن التطبيع العربي الإسرائيلي لا يمر عبر حلّ عادل للقضية الفلسطينية وفق المبادرة العربية، وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وإنما بتجميد خطة الضمّ حتى مع بقاء الواقع الراهن في فلسطين، كما هو حيث الاحتلال التهويد والاستيطان في الضفة والحصار والإغلاق والتجويع لغزة.

إذن كانت قصة كورونا مناسبة أو ذريعة وغطاء لنقل التطبيع الإماراتي الإسرائيلي إلى العلن، رغم أن النموذج الإسرائيلي غير جذّاب أبداً، حيث أن أبو ظبي نفسها قدمت مساعدات ضخمة للدولة العبرية لمساعدتها على مواجهة الجائحة التي تجددت الآن فيما يشبه الموجه الثانية، وبالتأكيد فإن الحديث لا يستقيم عن تعاون أخلاقي وإنساني وإغاثي مع دولة استعمارية مارست وما تزال أبشع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني والشعوب العربية.

أمر مماثل فعلته الإمارات تجاه بشار الأسد ونظامه، وبعد تعثر خطوة إعادة فتح السفارة الإماراتية في دمشق أواخر العام 2018، وبقاء التمثيل على مستوى القائم بالأعمال وفشل دعوات تعميم التطبيع، وإعادة النظام إلى الجامعة العربية استمرت العلاقات بمستوى آخر غير علني ذات طابع أمني أساساً ثم جاء الاتصال بين  ولي العهد محمد بن زايد وبشار الأسد أواخر آذار/ مارس ليكشف عن جبل الجليد في العلاقات بين الطرفين حيث عرض بن زايد دعماً ضخماً أو للدقة رشوة بمليارات الدولارات على بشار الأسد - استلم منها فعلاً ربع مليار دولار- لفتح معركة إدلب من أجل إعادة احتلالها وفي الحد الأدنى كسر وقف إطلاق النار فيها وخوض معركة استنزاف متواصلة ضد تركيا والضغط عليها أمنياً واقتصادياً وديموغرافياً عبر موجات مليونية من النازحين باتجاه الحدود والأراضي التركية.

قيل آنذاك إن الاتصال يؤسس لتعاون إنساني إغاثي في مواجهة جائحة كورونا، رغم أن الحديث الأخلاقي والإنساني يتناقض مع السياسات الإماراتية الدموية، وبالتأكيد مع نظام الأسد الذي ارتكب جرائم حرب موصوفة وجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب السوري.

في تبرير التطبيع مع إسرائيل تزعم الإمارات أنه يهدف إلى مواجهة النفوذ الإيراني ومحاربة التنظيمات الإرهابية.. هذا غير صحيح طبعاً لأن الإمارات نفسها تطبع مع إيران وعلى عدة مستويات وأرسلت لها مساعدات طبية ضخمة وبشكل مباشر لمواجهة الجائحة إضعاف ما أرسلته للفلسطينيين وحتى للعرب، وعند الحديث عن الإرهاب يتم الخلط المتعمد بين تنظيمات داعش وأخواتها وبين جماعة الإخوان المسلمين وتيار الإسلامي السياسي الشرعي، كما يحدث تجاه حركة النهضة في تونس وحزب العدالة والتنمية في المغرب.

أما في تبرير التطبيع مع بشار الأسد فتزعم الإمارات أنه  يهدف إلى إبعاد الأسد عن إيران، كما مواجهة الحضور التركي في سوريا والمنطقة بشكل عام..

هذا غير واقعي حتى لو كانت الإمارات جادة فعلاً لأن تبعية بشار لإيران مطلقة ولن يستطيع الفكاك حتى لو أراد والحقيقة أن أبو ظبي تسعى أساساً إلى دعم بشار في سياق تقوية الثورة المضادة، وإعادة إنتاج وتعويم أنظمة الاستبداد والفساد التي أسقطتها الثورات العربية الأصيلة، كما تتوهم بإمكانية الاستعانة ببشار – رغم أنه فاقد الحيلة وجثة سياسية –لمواجهة الحضور التركي المتعاظم سوريا وإقليمياً، والمدعوم شعبياً على نطاق واسع من قبل الشارع.

عموماً؛ وفي الحالتين يتم التمويه على الهدف الإماراتي الأساسي المتمثل بدعم قوى الفلول والثورة المضادة، وإعادة إنتاج أنظمة الاستبداد، وهذا عامل مشترك واضح وجليّ للتطبيع الإماراتي مع إسرائيل والأسد في طول الوطن العربي وعرضه من مصر إلى اليمن  شرقاً وليبيا غرباً والسودان جنوباً.  

ليس بعيداً عما سبق كان رامي مخلوف قد قال في حديثه الشهير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية بعد اندلاع الثورة السورية أن أمن نظام الأسد من أمن إسرائيل، والحقيقة أن ما تفعله الإمارات الآن يعتبر بمثابة تحديث لمعادلة رامي مخلوف ليصبح التطبيع مع النظام " شكلاً ومضموناً" من التطبيع مع إسرائيل.