الإقامات الذهبية فحص سريري لوطنية المؤيدين

2021.06.21 | 06:10 دمشق

bf4ba147-5c02-40fa-9c74-2ebb74fa5f20.jpg
+A
حجم الخط
-A

على مدار السنوات العشر السابقة، ظل موضوع الإقامة خارج سوريا المَمْسك الأهم والأكبر الذي يأخذه مؤيدو الأسد على كل من انحاز لثورة الشعب السوري، ويعتمدون عليه في إدانة الثوار وإثبات "خيانتهم"، مقروناً بالحديث عن "هروبهم" من سوريا، واللجوء إلى أوروبا أو أميركا أو غيرهما من بلدان العالم، لمهاجمة "الدولة السورية" من هناك، كما يدعون.

ورغم أن مؤيدي النظام السوري أدرجوا الإمارات العربية المتحدة ضمن الدول التي شاركت بالمؤامرة الكونية على سوريا، فهم لم يكفوا يوماً عن محاولات الحصول على الإقامة فيها، وتحديداً بعد التهديد الجدي الذي شكلته قوى المعارضة المسلحة في العام ٢٠١٢ على وجود النظام، فانتشر هؤلاء في دبي والشارقة وأبو ظبي يستجدون ويتوسلون كل من يستطيع المساعدة في الحصول على إقامة سنوية..

أما أن تكون الإقامة ذهبية فذلك ما أطار النوم من عيون المؤيدين فراحوا يتسابقون للحصول عليها، كل النخب المؤيدة لعصابة الأسد من الفنانين والإعلاميين ورجال الأعمال والشخصيات العامة أخذوا يقدمون ملفاتهم وسيرهم الذاتية لدائرة الهجرة الإماراتية مشفوعة بكل الوثائق التي تدعم حقهم في نيلها..

من يقبل أن يكون شاهد زور على أكبر هولوكوست في العصر الحديث، لن يتوانى عن الكذب والنفاق من أجل مصلحته الشخصية

ومن خلال تصريحات مناصري الأسد ممن حصلوا على الإقامة الذهبية وردود أفعالهم وكلمات الشكر والعرفان التي توجهوا بها إلى سمو الأمير، تظهر حقيقة موقفهم وحقيقة قناعاتهم، وينكشف زيف الصورة المخملية التي يحاولون ترويجها عن واقع ومستقبل سوريا الأسد، تلك الصورة التي توحي وكأن حلم الإماراتي هو الحصول على الإقامة في سوريا لا العكس، وهي صورة تؤكد أيضاً مدى نفاق المؤيدين وكذبهم على بلدهم وعلى البلد الذي يستضيفهم في وقت واحد، ولكن من يقبل أن يكون شاهد زور على أكبر هولوكوست في العصر الحديث، لن يتوانى عن الكذب والنفاق من أجل مصلحته الشخصية.

غير أن الإقامات الذهبية في الإمارات لم تكن الامتحان الأول لنخبة مؤيدي الأسد من فنانين وإعلاميين ورجال أعمال.. الخ، فهؤلاء عملوا جاهدين للحصول على إقامات في أوروبا أيضاً، ونجح كثيرون منهم في ذلك سواء من خلال طلبها بشكل شخصي بحجة "الحرب" السورية، أو من خلال إرسال زوجاتهم أو أبنائهم إلى أوروبا لطلب حق اللجوء "الإنساني" ثم التحاقهم بهم تحت مسمى لم الشمل ومن ثم وضع الإقامة الأوروبية "في الجيب" تحسباً ليوم الاحتياج إليها، والعودة إلى سوريا للتنظير بالوطنية وتراب الوطن، وهؤلاء لا يكتفون بالإقامة بل يطمعون بالجنسية أيضاً ويسعون للحصول عليها بكل ما أوتوا من ادعاء وكذب، وبعضهم حصل عليها بالفعل، ولكنهم لا يترددون في اتهام السوريين المعارضين بالخيانة والعمالة بسبب حصولهم على الإقامة في أوروبا أو على الجنسية الأوروبية..

لقد سعى المؤيدون لمنافسة المعارضين في احتياجاتهم الإنسانية البسيطة ومن أهمها حق الإقامة، فمعارضو نظام الأسد لا يستطيعون دخول سوريا، إلا إلى المعتقلات أو المسالخ، فما بالك بالإقامة فيها، ولذلك فقط يحق لهم اللجوء، أما المؤيدون فلا خوف عليهم في سوريا الأسد، بل على العكس من ذلك، فهم مرحب بهم من قبل المخابرات والميليشيات والشبيحة والمخبرين ووسائل الإعلام والجيش الباسل.. إلخ، غير أن ذهنية المنفعة والمصلحة الشخصية التي تسيطر عليهم بشكل كامل، تدفعهم لعدم توفير أي "مكسب"، فما بالك بإقامة في دولة أوروبية؟ إقامة لا تشترط على حاملها عدم الذهاب إلى سوريا، لتبقى سوريا هي الحديقة الخلفية لهؤلاء المؤيدين حيث يذهبون إليها فقط في حال المنفعة ويتركونها وقت المحنة، في حين يتهمون أولئك الذين أجبروا على مغادرتها بخيانتها والتخلي عنها ومحاربتها، وهم يعلمون حق العلم أن أحداً من معارضي الأسد لم يكن ضد سوريا، بل ضد جزارها وسفاحها وعصابتها المافيوية، وأن من يحارب سوريا ويخونها بالفعل هم أولئك الذين دعموا سفاحها، ثم نافسوا الضحية على حقوقها من دون أن يتوقفوا لحظة عن اتهام الثوار بالخيانة.. وما حديث المؤيدين عن "هروب الثوار" إلاّ تأكيد لذلك، فلماذا يهرب الإنسان من بلده ويعرض نفسه لكل أنواع الموت والإهانة والتشرد إن لم يكن في بلده عصابة تهدد وجوده؟

الإقامة في الإمارات بالنسبة لهؤلاء المنتفعين ما هي إذن إلاّ مكسب يجب اغتنامه، كما أنها تتيح لحاملها الذهاب إلى الإمارات وقت العمل والقبض بالدرهم ثم العودة إلى سوريا في زيارات والصرف بالليرة السورية والتفرغ لشتيمة كل من ينتقد الوضع الاقتصادي فيها، والمزاودة على البسطاء بالوطنية والترويج لمعاداة المعارضين من حملة الإقامات الأوروبية.

ما يزال النظام ومؤيدوه يرددون معاً كذبة الانتصار والسيادة، وما يزالون يعتقدون أن على العالم أن يصدقهم..

إن هذا التسابق من قبل مؤيدي الأسد في الحصول على الإقامات والجنسيات العربية أو الأجنبية، هو أوضح إقرار منهم بأن كل قناعاتهم التي يصدرونها ما هي إلاّ ادعاءات كاذبة، فهم لا يمتلكون قيماً ومبادئ وإنما تحركهم مصالحهم ومنافعهم، وبالطبع فإن النظام السوري ليس على تلك الدرجة من الغباء بحيث تجوز عليه أكاذيبُ المؤيدين، فهو يعرف تماماً أنهم يكذبون، ولكنه مضطر لتصديق كذبهم؛ لأنه بدوره يعرف تماماً أنهم يعرفون أنه يكذب، ومن خلال هذا الكذب المتبادل، والمعرفة المتبادلة بالكذب، ما تزال سوريا تتآكل شيئاً فشيئاً، وما يزال النظام ومؤيدوه يرددون معاً كذبة الانتصار والسيادة، وما يزالون يعتقدون أن على العالم أن يصدقهم..