الإعلام الغربي.. سلاح لصالح "قسد"

2022.12.06 | 13:23 دمشق

الدوريات المشتركة الأميركية مع "قسد"
+A
حجم الخط
-A

خاضت قوات سوريا الديمقراطية، حربا واسعة من نوع يختلف عن الحرب بمعناها الكلاسيكي، والتي كانت ساحتها الفضاء الإعلامي بشكل مدروس ومنظم، حتى وصلت لرأي عام أميركي وغربي، أبطل مفاعيل التهديدات التركية التي أُطلقت للمرة السادسة منذ عام 2020.
توقن قسد، ومن خلفها حزب العمال الكردستاني (المحظور)، أن الصراع العسكري وجها لوجه، مع تركيا (ثاني أكبر جيوش الناتو) هو مواجهة خاسرة لا محالة، وضمن اليقين أيضاً أنها خاسرة من حالة الاستنزاف الدائرة منذ أشهر عبر الاغتيالات والاستهدافات الجراحية المحددة لمواقع القيادة، والأهم تحييد (كما تصف أنقرة عملياتها ضد حزب العمال الكردستاني) شخصيات بارزة سواء على الصعيد العسكري أم الأمني أم الإداري، مما تسبب بتصدعات كارثية مع فقدان بنية قسد والإدارة الذاتية، ما يرتبط بهم من تشكيلات أمنية وشرطية، للشخصيات المؤثرة والفاعلة والتي لا بدائل لها حاضرة ومتوافرة وقادرة على إدارة الملفات المعقدة.
مع كل ذلك اليقين وتصاعد ضجيج طبول الحرب، التي وصلت إلى أعتاب "الربع الساعة الأخيرة"، دشنت قسد حربها الخاصة، عبر سلسلة طويلة من اللقاءات لقائدها مظلوم عبدي، الذي أجرى العديد من المقابلات مع صحف ومحطات ووسائل إعلام عالمية وأميركية على وجه التحديد، ولعب فيها على جميع الأوتار الممكنة، من الاتهام المباشر لواشنطن وإدارتها بالتخلي على حلفائها، إلى وصف الإدارة الأميركية بـ"الخيانة"، مهددا ومن ثم منفذا لتهديد وقف التعاون في عمليات التحالف ضد تنظيم الدولة، وإعادة الاستقرار إلى المنطقة منعا من إعادة إنتاج التنظيم أو تأمين البيئة التي قد تمنحه روحا جديدة بعد أن قضي على غالبية الأرواح على مدار السنوات الثمانية التي تشارك فيها التحالف الدولي بقيادة واشنطن مع قوات سوريا الديمقراطية، القوات التي تتخذ شكليّا تجمعا إثنيا وعرقيا، في حين يقوده فعليا وحدات حماية الشعب الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، ويقوده أفراد الحزب سواء الموفدون إلى سوريا أم المتحصنون في جبال كردستان العراق.

أسبوع هجومي عنيف خاضته قسد على الإعلام ضد واشنطن والغرب، ووسعت دائرته لتشمل روسيا، وبدّلت من لغة الخطاب مع النظام السوري، من الدعوة للتحالف وإزالة الحواجز للتشارك في معركة الدفاع، إلى الهجوم المباشر والرفض المطلق لأي اتفاق علني.


لعب الإعلام دورا أكثر فعالية من السلاح، وتمكن من تحقيق اختراق داخل المؤسسات الأميركية، المنقسمة والمختلفة في رؤيتها للعمليات التركية الجوية، وإمكانية تطويرها لعمليات برية، فكانت حملات قسد ولوبيها الإعلامي الموجود في واشنطن، بإدارة حرب طاحنة، منحت قسد وقواتها الأفضلية على المستوى الدولي، مقابل شيطنة العمليات التركية، بالتركيز على نوعية الأهداف من حيث مدنيتها وارتباطها بالبنى التحتية، وتجنب الحديث عن المواقع والشخصيات والأفراد العسكريين الذين قضوا بالضربات التركية، في رسالة (قد تكون وصلت بالفعل) مفادها أن تركيا لا تعادي قسد فحسب بل المنطقة بكل ما تحتويه من حجر وبشر، ومن ضمنها العناصر الأجنبية بمظاهرها العسكرية والدبلوماسية والإغاثية، مما شكل ضربة قاصمة للمساعي التركية، دفعت وزارة خارجيتها لإصدار بيان مطوَّل تفند فيه ما يتم تداوله عن استهداف أنقرة لمواقع مدنية أو مواقع قريبة أو تابعة ولو شكلاً للقوات الأميركية، بيان ظل بعيدا عن الاهتمام، أمام سيل البيانات واللقاءات المقالات التي أنتجتها قسد خلال الأيام الفائتة.
أسبوع هجومي عنيف خاضته قسد على الإعلام ضد واشنطن والغرب، ووسعت دائرته لتشمل روسيا، وبدّلت من لغة الخطاب مع النظام السوري، من الدعوة للتحالف وإزالة الحواجز للتشارك في معركة الدفاع، إلى الهجوم المباشر والرفض المطلق لأي اتفاق علني، وإن كان الأمر على الأرض واضحا تماما، بعد الانتشار الواسع الذي نفذته قوات النظام على غالبية محاور العملية العسكرية المرتقبة، من تل تمر إلى عين عيسى وعين العرب (كوباني) إلى منبج، وأخيرا إلى تل رفعت، الهدف – أي تل رفعت – الذي من الممكن أن تنشط فيه أنقرة وتخفف من حجم الغضب ورغبة الانتقام لهجوم إسطنبول واستهداف القرى التركية القريبة من الشريط الحدودي.
يكاد جميع المتابعين والمراقبين يتفقون على أن العملية التركية، لن تحدث كما يَعِد جميع المسؤولين الأتراك، من حيث المساحة أي عين العرب ومنبج وتل رفعت، وانتقل الحديث إلى عملية تركية محدودة المساحة والزمن، مجهولة المكان أو بمعنى أدق صعبة التحديد بعد دفع القوات المختلفة (قوات النظام – روسيا – إيران – أميركا)، إلى كامل المحاور المتوقعة.
برودة الجو، وبرودة التحضيرات للعملية المرتقبة، واتساع مساحة السياسة، دفع بقسد للانتقال إلى مرحلة جديدة، في حربها الإعلامية، مع تغيّر لهجة الخطاب الموجه لواشنطن، فيقول مظلوم عبدي في أحدث مقال نشره في (واشنطن بوست)، إن الولايات المتحدة "لا تنسى أخلص حلفائها" في البلاد، أو تتركهم وحيدين، مذكِّرا بفعالية التعاون بين الجانبين في القضاء على التنظيم الدولي.
خسرت أنقرة هذه الجولة، فالجبهة التي فُتحت عليها، طاولت الخاصرة الرخوة وأصابتها بالوهن، وعقّدت المشهد كثيرا، بشكل قد يجعل تركيا تدفع ثمنا جديدا لتراخيها وعدم تحركها في الوقت المناسب كما جرت العادة في كل مرحلة من مراحل القضية السورية.