الإعلام السوري المعارض والرأي العام

2022.03.15 | 06:07 دمشق

microsoftteams-image-59.jpg
+A
حجم الخط
-A

كانت مسألة الرأي العام في سوريا من حيث أهميته ودور الإعلام في تشكيله مسألة مشوشة وغامضة وذلك بفعل القمع والخوف الذي تفرضه أدوات نظام الحكم المستبد، ولم تكن هناك فرصة لمنافسة الإعلام الرسمي وآلته المقيدة برؤية النظام السياسي، وفي ظل غياب آليات المشاركة وحرية التعبير فقدَ الرأي العام أهميته ودوره في التغيير أو التصويب والإصلاح ولم يكن هناك رأي مسموع أو مكتوب أو مرأي سوى الرأي الرسمي باستثناء بعض الآراء الشفوية التي كان يتداولها سراً بعض المعارضين وذلك ضمن ظروف محفوفة بالخطر. وبعد قيام الثورة السورية ولاسيما في بدايات الحراك المجتمعي عبر فئة الشباب السوري الذي لجأ إلى وسائل التواصل الرقمي الاجتماعي في الاتصال والتنسيق وإيصال الصوت والصورة للجمهور الداخلي والخارجي معاً، وكانت هذه المحاولات عفوية وفردية ولا يتجاوز دورها فكرة التواصل، وهذا ليس بغريب حيث إنهم حديثو العهد بهذا العالم الافتراضي وغُرباء عن فكرة تشكيل رأي عام فاعل وداعم لقيمهم، مما جعل الكثير من مساهماتهم الإعلامية عرضة للتصيّد والانتقاد وسوء التفسير وتحميلها معانيَ لم تكن مقصودة ولاسيما من قبل ماكينة النظام التي لها خبرة وباع طويل في التزييف والتزوير الإعلامي، ومع ذلك فقد أحسنوا الاستفادة من منصات التواصل الاجتماعي المختلفة في التوثيق والنقل والحشد والنشر.

ومع تحول مسار الثورة والمطالبة بالتغيير إلى صراع جيوساسي بالغ التعقيد وطويل الأمد نتج عنه أكثر من 6 ملايين لاجئ سوري في بقاع الأرض وأكثر منهم نازحون ومهجرون قسرياً في الداخل وقرابة مليون قتيل ومئات الآلاف من المعتقلين والمغيبين قسرياً، هذا بالإضافة إلى تدهور الوضع الاقتصادي والمعاشي لعموم السوريين، حيث تشير أرقام الأمم المتحدة إلى أن 90٪ من السوريين بحاجة إلى مساعدة ودعم. هذا المشهد التدميري والكارثي للصراع أضحى مصدراً مستمراً للمعلومات والصور والوثائق والمقاطع المصورة لجميع أشكال الانتهاكات والارتكابات بحق الإنسان السوري، وهذا تحدٍ واختبار حقيقي لجميع وسائل الإعلام الدولية منها والعربية والمحلية ومدى دورها في التأثير على الرأي العام وتحريك الضمير الإنساني، وكذلك دورها في التأثير على صانعي القرار للتدخل والاستجابة للحد من المقتلة المستمرة بكل الوسائل.

يبدو غريباً أو غير مفهوم بألا يكون لمؤسسة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة أو الحكومة السورية المؤقتة ذراعها التنفيذي قناة تلفزيونية أو منصة إعلامية

ربما تركت بعض الحالات الفردية أثراً بالغاً في الرأي العام العالمي مثل صورة الطفل السوري (عمران دقنيش) الذي أصيب بقصف جوي روسي عنيف على حي القاطرجي في مدينة حلب في 18 / 8 / 2016 حيث ظهر ووجهه ملطخ بالدماء والتراب، ونشرت صحيفة "ذي إندبندت" البريطانية الصورة تحت عنوان "الصورة التي تظهر معاناة أطفال حلب"، وكذلك بعضها ترك أثراً لدى صناع القرار مثل الصور التي بثها ناشطون لهجمات جيش النظام بالغازات السامة والأسلحة الكيميائية والتي أظهرت الأطفال كيف يختنقون ولا فرصة لهم بالنجاة، حيث عبر الرئيس الأميركي دونالد ترامب آنذاك بقوله "إن الهجوم على الأطفال بالأمس كان له تأثير كبير علي تأثير كبير" ولم تمض 48 ساعة حتى وجه ضربة عسكرية خجولة لمطار الشعيرات في سوريا، ومن الأمثلة الجديرة بالذكر الفيلم الوثائقي "من أجل سما " من رواية وإعداد الناشطة السورية وعد الخطيب، والأمثلة على المبادرات الفردية كثيرة وفي كل مجالات الإعلام من تقارير وصور وتسجيلات وشهادات حية. ولكن السؤال المطروح في هذا المقال أين فعل مؤسسات المعارضة الرسمية وأين إعلامها المؤثر لدى صانعي القرار ولدى الرأي العام السوري قبل الرأي العام العالمي، والسؤال هنا لا يحمل بطياته اتهاماً بقدر ما يحمل استفهاماً حول الفجوة بين الدور المرجو والمأمول وبين الواقع، وربما يبدو غريباً أو غير مفهوم بألا يكون لمؤسسة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة أو الحكومة السورية المؤقتة ذراعها التنفيذي قناة تلفزيونية أو منصة إعلامية تتبنى مسؤولية التسويق الصحيح لقضية الشعب السوري وثورته في جميع الاتجاهات وأولها التوجه للسوريين أينما كانوا بقصد خلق قاعدة وعي مشتركة لضرورة إنجاز التحول والتغيير، وبالتزامن مع التوجه للرأي العام العالمي بقصد حشد التأييد والمناصرة وإيصال الصورة الحقيقية لما يجري على ساحة الصراع العسكري والسياسي والاجتماعي والاقتصادي. أما أن يكون مفهوم الإعلام ودوره لدى قيادة الائتلاف عبارة عن موقع إلكتروني وحسابات تواصل اجتماعي تغطي أنشطة أعضاء الائتلاف وتنقلاتهم وتبادل الأدوار والمواقع فتلك مصيبة وإعاقة في الوعي السياسي. واعتقد بأن أهمية الإعلام ودوره في الصراع المستمر في سوريا لا يحتاج إثباتاً حيث إن الشواهد كثيرة على حرص النظام السوري على تكريس صورة إعلامية – وإن كانت كاذبة – لدعم روايته على الصعيدين المحلي والعالمي وينفق على ذلك الكثير من الجهد والوقت والمال.

وعي وسائل الإعلام لدورها الفاعل لابد أن يرتبط بتخطيط سليم وتنظيم طاقات وخبرات الإعلاميين ومرونة كافية للتأقلم مع بيئة الإعلام الرقمي والاجتماعي

وبالرغم من هذه الفجوة الواضحة والقصور في تسويق أبعاد القضية السورية إلى الجمهور والفاعلين في السياسة الدولية، إلا أن هناك منصات إعلامية وقنوات وفّرت للسوريين فضاءً للحديث عن قضيتهم وتفاصيل معاناتهم، منها الذي توقف ومنها الذي استمر ومنها الذي لونته الأيديولوجيا قليلاً. وأؤكد هنا بأني لستُ بصدد تقييم أداء إداري ولا تقييم مؤسسة إعلامية إنما أتحدث عن الأثر والدور المرجو من وسائل الإعلام التي تتبنى الهم السوري، ومن هذا المنطلق أجد بأن تلفزيون سوريا – على سبيل المثال وليس الحصر - وبعبوره للسنة الرابعة في مساره، يقوم بخطوات إيجابية وبالإشارة إلى نشره استطلاعَ رأي لعينة من السوريين في أوروبا وفي تركيا حول ما يقدمه التلفزيون من مواد وموضوعات، وهذه خطوة نحو تكريس أهمية الرأي العام شريطة أن تؤخذ هذه الآراء وغيرها بمسؤولية وجدية تامة، ومن خلال الإجابات فقد تركزت بمعظمها حول ضرورة تغطية قضايا ذات أولوية من وجهة نظرهم كقضية المعتقلين والظروف الصحية والمعيشية للنازحين والمهجرين في عموم المناطق المحررة من سلطة النظام ومعاناة السوريين في مناطق سيطرة النظام، والتحديات التي تواجه اللاجئين السوريين وقصصهم وقصص نجاحهم.

في الختام أود القول بأن وعي وسائل الإعلام لدورها الفاعل لابد أن يرتبط بتخطيط سليم وتنظيم طاقات وخبرات الإعلاميين ومرونة كافية للتأقلم مع بيئة الإعلام الرقمي والاجتماعي، ثم رسم استراتيجية متكاملة تهدف إلى مخاطبة الرأي العام السوري بكل تفاصيله واهتماماته وكذلك الرأي العام العالمي باللغة والوسائل التي تؤثر به، وضرورة تطوير برامجها السياسية المدعمة بالوثيقة والرقم واستهداف صناع القرار.