الإرهاب المطاطي .. والمنشار الديمقراطي!

2018.10.28 | 23:10 دمشق

+A
حجم الخط
-A

ليس الشعب السوري بكل تأكيد هو الجهة التي تريد تقسيم البلاد أو تفتيت وحدة الأراضي، بل إن الدول المنخرطة في الحرب، هي المهدد الأكبر لسلامة ووحدة الجغرافية السورية، وذلك بسبب المنهجية المتعمدة في التعاطي مع ملف مكافحة "الإرهاب المطاطي" متعدد الأوجه وفق المصالح والغايات، والتي لم ترع بأي حال من الأحوال مطالب السوريين، ولم تحترم دماء مئات الآلاف منهم، وملايين المهجرين.

ما يلفت الانتباه في القمة الرباعية لـ زعماء تركيا وفرنسا وألمانيا وروسيا، في إسطنبول التركية، أن الجميع كان متفقا على مكافحة الإرهاب في سوريا، وهذا جميل، ولكن لماذا لا يتحدث أحد عن معاقبة الأسد ونظامه بعد أنهار الدماء التي أسالوها في البلاد، فنلاحظ بأن جل الاهتمام الدولي ينصب على انتخابات حرة ومكافحة إرهاب، أليس ما فعله منشار سوريا هو إرهاب نظام وجرائم ضد الإنسانية وانتهاكات صارخة ضد حقوق الإنسان، أم إنه قتل 600 ألف إرهابي مدني؟

الزعماء، تحدثوا عن ما فعله الأسد عبر الخيار العسكري، فكلاً منهم أكد ذلك على حدة، فلماذا لا يتم العمل على إيجاد صيغة دولية تحيل الأسد للقضاء الدولي، بعد تشكيل حكومة مؤقتة، وتفتح المجال أمام مواليه لاختيار مرشح لهم في الانتخابات التي تحدثوا عنها، شريطة ألا تكون أيديه ملطخة بدماء السوريين!

لما يتجاهل الجميع الميليشيات الشيعية الدموية الطائفية العابرة للحدود، والتي أثخنت في السوريين

هناك العديد من الأسئلة التي يطرحها الشارع السوري اليوم، فجيشه الحر مستعد لمحاربة التنظيمات الراديكالية المصنفة على قائمة الإرهاب، فلما يتجاهل الجميع الميليشيات الشيعية الدموية الطائفية العابرة للحدود، والتي أثخنت في السوريين إلى أبعد الحدود، لماذا لا يتم طرد إيران من أي معادلة سياسية للحل في سوريا، لما ارتكبتها من جرائم حرب، وطالما أن غالبية الدول تريد محاسبة ومعاقبة نظام الملالي، فلماذا لا ينطلقون من القضية السورية لفعل ذلك؟

إذا ما رمقنا نظرة إلى التصريحات الدولية حول "الإرهاب" في سوريا، لوجدنا معادلات متضاربة لا مقاربات فيها، إلا بنقطة واحدة، وهي أن الأسد خارج قائمة الإرهاب منذ عام 2011، ورغم كل المجازر التي ارتكبها بحق السوريين بالأسلحة المحرمة والمرحب بها دولياً، ما يزال القائد المنشار يفتك بالسوريين في قنصلية الوطن أمام مرأى ومسمع الجميع الذين اكتفوا بالتنديد والشجب في أحسن الظروف.

فكل الدول التي تتحدث عن مكافحة الإرهاب في سوريا، وتمارسه وفق مصالحها، لا وجود للأسد ونظامه فيه، وعلى سبيل المثال لا الحصر، خلال الأعوام الأخيرة، شهدنا عمليات هندسة ديموغرافية منظمة للسكان السوريين الأصليين من قبل روسيا وإيران والأسد، وبرعاية أممية غالب الأحيان، فتم تفريغ مدن وبلدات من أبنائها، وإجبار من اختار البقاء فيها على الانحناء للقائد المنشار، وفي ذات الوقت وقبله ومن بعد، لم نشاهد تحرك حقيقي واحد لإيقاف الحشود المذهبية الشيعية من إيران والعراق ولبنان إلى سوريا، فهل طرد أهل الأرض من موطنهم لصالح إيران مكافحة "إرهاب" مثلاً؟ 

من الطبيعي ألا تتحدث الدول صانعة القرار عن إرهاب الأسد ونظامه في الوقت الراهن

الإرهاب المطاطي، قتل الاستقرار في الشرق الأوسط لعقود قادمة، ولن تعود الأمور إلى نصابها، مالم تبدأ أولى خطواتها من قائد المنشار في سوريا، ولعل من الطبيعي ألا تتحدث الدول صانعة القرار عن إرهاب الأسد ونظامه في الوقت الراهن، على اعتبار أن فتح سجله الأسود الدموي بشكل منطقي وواقعي سيكون الخطوة الأولى في تدمير مصالحهم التي لم تنته بعد، فالدول تبقي على الأسد وإرهابه في سدة الحكم ريثما تعيد إعادة رسم جغرافية المنطقة وفق مشاريعها الخاصة، وتتخذ من سوريا مركزاً لهندسة شرق أوسط جديد يلبي مخططاتها.

حكم المنطق والقوة، يقول: الولايات المتحدة الأمريكية منعت إسقاط الأسد، وروسيا ساندته على الوقوف قبيل الانهيار، وكليهما عمل للقضاء على الثورة السورية بطريقته الخاصة، ولو كان المجتمع الدولي جاداً في التصدي للإرهاب بمعناه الحقيقي لا الترويجي، لما احتاج أي مدني سوري لحمل السلاح، ولكن تغاضيهم عن الإرهاب المنظم الذي نفذه منشار سوريا بحق المدنيين لأشهر طويلة كان السبب الرئيسي في تطورات المشهد المحلي، وصولاً إلى ما آلت إليه الحالة الراهنة.

وتعكس الخريطة الجغرافية السورية حقيقة لا تحتاج للترجمة في تفسير المكافحة المطاطية للإرهاب في البلاد، فالولايات المتحدة الأمريكية اتخذت شريكاً محلياً انفصالياً "وحدات حماية الشعب الكردية"، بحجة مكافحة تنظيم الدولة، واضعة بذلك جل قدراتها العسكرية وقواعدها على سوريا المفيدة نفطياً، ومع مرور السنوات باعت بقية الأطراف المحلية عبر البازارات الاقتصادية والسياسية لصالح روسيا، مقابل الحفاظ على شريكها الانفصالي، الذي يشكل وجوده تهديداً لوحدة الأراضي الجغرافية والسكانية، وحرباً طويلة الأمد مع تركيا، انطلاقاً من الأراضي السورية.

أما إيران، التي ترسم عبر العراق وسوريا ولبنان، هلالها الطائفي، تتحدث بأنها متواجدة في سوريا بطلب رسمي من الأسد لمكافحة الإرهاب! وهي التي عاثت في الأرض السورية خراباً وتمزيقاً وقتلاً وتشريداً، وهي من أشعلت الحرب الطائفية بين السنة والشيعة بعد أن فعلت ذلك في العراق ولبنان واليمن، حتى أن المساجد لم تسلم من أحقادها، وكذلك الأطفال الذين تحاول تجنيدهم كقنابل موقوتة للمستقبل.

بدورها، روسيا، أحرقت المدن السورية بسياسة الأرض المحروقة، فقتلت مئات المدنيين منذ تدخلها أواخر عام 2015 لإنقاذ الأسد المتهاوي، ثم أشرفت ونسقت عمليات التهجير المنظمة للسكان الأصليين، وساندت إيران وميليشياتها، وثبتت تمركزهم، وتقاسمت مع نظام الملالي الغنائم السورية براً وبحراً، وكل ذلك فعلته تحت مسمى "مكافحة الإرهاب"، والذي هو فعلياً حرباً ضد الثورة، بهدف وأدها مقابل الحفاظ على مصالحها.

كما اتخذت موسكو من الأحياء السكانية السورية أهدافاً لتجريب أسلحتها المتطورة والقاتلة بالجملة، ومع كل مجزرة ترتكبها مقاتلات مكافحة الإرهاب الروسية ينضج لصالحها سوق جديد لبيع الأسلحة إلى بقية الدول، فعادت عملية مكافحة الإرهاب على الطريقة الروسية على بوتين بصفقات مالية كبيرة، ناهيكم عن احتلال نافذة سوريا العالمية عبر البحر الأبيض المتوسط، وحقول الغاز وسط البلاد.

لم تنته عملية سيمفونية مكافحة الإرهاب المطاطية هنا، بل إيران وروسيا دفعهما حب الشعب السوري، لإيجاد حل سياسي له! ويهرولون وراء إنشاء دستور عادل له، هم يسعون لذلك رغم علمهم بأن المنشار الديمقراطي الذي يريدون إلباسه لا ولن يختلف عن منشارهم العسكري الذي غاصوا بين حناياه بالدم خلال الأعوام الماضية ولا يزالون.

المنشار الديمقراطي، الذي يدفعنا العالم نحوه اليوم، على ما يبدو أن مهتمه إجبار السوريين على التنازل عن حقوقهم المشروعة

المنشار الديمقراطي، الذي يدفعنا العالم نحوه اليوم، على ما يبدو أن مهتمه إجبار السوريين على التنازل عن حقوقهم المشروعة التي نادوا بها منذ أولى صيحات الحرية، ويبتغون من خلاله المساواة بين الجلاد والضحية، والملفت هنا أن النظام السوري حتى هذا الطريق يرفضه، ويقزمه محاولاً استغلال جولاته لإضاعة الوقت، حتى يصل إلى مراده في البقاء على سدة الحكم دون محاسبة ودون أي تنازلات رغم كل الجرائم التي ارتكبها، وما يريده منا كسوريين هو الاستسلام له.

الملاحظ بأن المجتمع الدولي يستغل ضعف السوريين سياسياً وحتى عسكرياً لتحقيق مآربه، ويدفعهم للقبول بما اختاره لهم ولصالحه هو فقط، فالمعارضة السياسية والقيادات العسكرية لم تنجح في تحقيق تطلعات الشعب السوري خلال الأعوام الماضية، ومرد ذلك لضعف خبرتها في الملفات الدولية، بسبب حالة الوأد التي كانت تعيشها البلاد في عهد المنشارين الأب والابن، وكذلك فالدول لا تريد مساندة ممثلي السوريين للوقوف خوفاً على مصالحهم.

ومن المؤسف بأن سوريا الثورة رغم مئات آلاف الذين بذلوا الغالي والنفيس لأجلها، لم يجدوا من أصلابهم حتى اليوم من يحفظ للدماء حرمتها وللحرية قدسيتها، فترانا كل فينة وأخرى نشهد مؤتمرات ولقاءات دولية لرسم مستقبل البلاد، يغيب عنها الوطن، ومن حمل لواءه.