الإرث الدموي لقاسم سُليماني في سوريا

2020.01.20 | 23:01 دمشق

thumbs_b_c_60dbf90816639341172db58950cf845b.jpg
+A
حجم الخط
-A

بُعيد مقتل قاسم سليماني في العراق بصاروخ أمريكي موجّه من طائرة من دون طيّار بداية الشهر الجاري، أرسل نظام الأسد وفداً رفيع المستوى إلى طهران لتقديم التعازي بمقتله. تضمّن الوفد عماد خميس، رئيس حكومة نظام الأسد، يرافقه وزيرا الدفاع والخارجية. ونقلت وكالة أنباء النظام "سانا" عن خميس قوله إنّ قاسم سليماني هو "شهيد سوريا" أيضاً، فيما قال وليد المعلم، وزير خارجية النظام، إن عنوان الزيارة إلى طهران هو التضامن مع إيران "في هذا المصاب".

وبموازاة هذه الزيارة أيضاً، كان بشّار الأسد قد أصدر مرسوماً يحمل الرقم (١) لعام 2020 منح بموجبه القائد السابق لفيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، وسام "بطل الجمهورية العربية السورية". وقالت وكالة "أرنا" الإيرانية إنّ الوسام سيتم تسليمه لأسرة سليماني "تقديراً وتثميناً لجهوده الكبيرة في سياق مكافحة تنظيم داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى في سوريا".

النقطة الأخيرة بالتحديد هي ما يحبّ الجانب الإيراني وداعموه تسويقها على المستوى الدولي عند الحديث عن قائد التغوّل الإيراني الإقليمي في المنطقة. وفق هذه الرواية، فإنّ سُليماني لعب دوراً في مكافحة "الإرهاب" و "التطرّف" في المنطقة، لكنّ الحقيقة تقول إنّ إيران وسُليماني بالتحديد لعب دوراً هاماً في ولادة التطرّف والإرهاب في المنطقة.

سليماني كان عرّاب السياسيات التي تعتمد في الغالب على عقيدة طائفية، وعلى تفريخ المنظمات الشيعية المسلّحة، وعلى عمليات تفكيك مؤسسات الدول التي يتم اختراقها أو الحرص على عدم بناء هذه المؤسسات في حال كان الوضع كذلك، من أجل الحفاظ على النفوذ السياسي والاقتصادي والأمني الإيراني داخل هذه الدول. سُليماني أشرف أيضاً على عمليات الهندسة الديمغرافية والتطهير العرقي والمذهبي في عدد من الدول العربية، وكان بمثابة العقل المدبّر لعملية نشر الميليشيات المذهبية المتطرّفة في المنطقة كذراع من أذرع الحرس الثوري لاسيما في سوريا.

المفارقة أنّ وزير دفاع نظام الأسد، وفي معرض مدحه لسليماني ولدوره في سوريا، كشف قبل عدّة أيام فقط وبشكل عرضي ما يناقض الصورة المقدّمة عنه كرائد في مكافحة الإرهاب، ويُثبّت الصورة المناقضة لهذا التصوّر. لأوّل مرّة يؤكّد نظام الأسد بشكل رسمي أنّ انخراط إيران وسُليماني تحديداً في سحق التظاهرات السلمية في سوريا بدأ في وقت مبكّر جداً، وليس كما كانت الرواية الرسمية السورية والإيرانية تدّعي من خلال القول أنّ هذا الدور انبعث بموازاة ولادة "داعش" وبهدف محاربتها.

وزير نظام الأسد علي أيوب قال في اجتماع رسمي إنّه تعرّف على سُليماني في العام ٢٠١١ وإنّ أوّل معركة تمّ التخطيط لها وتنفيذها بشكل مشترك معه كانت في العام ٢٠١١، وتحديداً في حمص ومنطقة بابا عمرو.  هذا التصريح الموثّق بالصوت والصورة من قبل مسؤول رسمي سوري، يعطي فكرة على الازدواجيّة الموجودة بين الدعاية التي يروّجها النظام الإيراني وبين الحقيقة على الأرض.

سليماني كان مسؤولاً أيضاً عن استقدام عشرات الآلاف من الميليشيات الشيعية المتطرّفة من لبنان والعراق وأفغانستان وباكستان وأماكن أخرى حول العالم إلى سوريا تحت شعار الدفاع عن المزارات

سليماني كان مسؤولاً أيضاً عن استقدام عشرات الآلاف من الميليشيات الشيعية المتطرّفة من لبنان والعراق وأفغانستان وباكستان وأماكن أخرى حول العالم إلى سوريا تحت شعار الدفاع عن المزارات. وفق الرواية الإيرانية الأصليّة، فإنّ التدخّل الإيراني جاء لحماية هذه المزارات، لكن الأمر انتهى بتدمير القرى والمدن والمواقع التاريخية في سوريا وبتهجير السكّان الأصليين من مواقع جغرافية بعينها وباستيطان شيعي.

وفقاً للتقارير التي نُشرت في العام 2015، فقد كان سُليماني مسؤولاً أيضاً عن استدعاء التدخّل العسكري الروسي في سوريا آنذاك بعد أن شعر أنّ كل جهوده -والنظام الإيراني من خلفه- في إبقاء نظام الأسد وسحق الثورة السورية على وشك الانهيار. وفقاً للمعلومات المتوافرة في حينه، فقد بذل سليماني كل ما في وسعه من أجل إقناع موسكو بالتدخل العسكري. وكما هو معروف لا يزال هذا التدخّل يودي بحياة السوريين على نطاق واسع.

وليس من الغرابة بمكان أن نعرف أنّ النظام الإيراني الذي يُتاجر باستهداف صدّام له بالأسلحة الكيميائيّة، دافع بشكل مطلق عن الأسد رغم استخدامه للأسلحة الكيميائيّة ضد المدنيين، وفي كثير من الأحيان عزا النظام الايراني هذا الأمر الى استخدام ما يسميه "الإرهابيين" لها. سُليماني بنفسه رتّب لزيارة مذلّة للأسد الى طهران لم يتم اتّباع أدنى المعايير الدبلوماسية فيها، فتم اصطحاب الأسد دون أي مرافق له، ودون اطّلاع المعنيين في إيران على تفاصيل هذه الزيارة باستثناء المرشد الأعلى علي خامنئي ودائرته الضيّقة.

آخر جهود سليماني الكبرى في المنطقة كانت تنطوي على محاولات لإخماد الثورات التي اندلعت في العراق ولبنان، بالإضافة إلى سحق ما تبقى من المعارضة السورية. باختصار شديد تاريخ سليماني وإرثه في سوريا يشي بأنّه لا يعدو كونه مجرّد مجرم حرب، لا يختلف كثيراً عن النماذج الأخرى التي يصفها النظام الإيراني بالإرهاب والتطرف كالبغدادي على سبيل المثال، مع فارق أنّ سليماني أكثر تمرّساً في هذا المجال، وأكثر قدرة على الحصول على الموارد المطلوبة لتنفيذ أجندة إيران التوسّعية في نهاية المطاف.

 

كلمات مفتاحية