
يرى مراقبون أن الموقف الحذر للدول الأوروبية وعدم معرفتها الواضحة بموقف الولايات المتحدة من الإدارة الجديدة في سوريا ألقيا بظلاليهما على مؤتمر بروكسل (9) حول سوريا، ما خيب ظنون السوريين ببدء خطط واضحة تخص إعادة إعمار البلاد، في حين لا يتعدى الدعم الممنوح في المؤتمر حدود الاستجابة الإنسانية الطارئة.
وبلغ إجمالي التعهدات المقدمة من جميع المشاركين في المؤتمر 5.8 مليارات يورو، منها 4.2 مليارات يورو على شكل منح، و1.6 مليار يورو كقروض ميسرة، بحسب ما أعلنت مفوضة الاتحاد الأوروبي لشؤون المتوسط، دوبرافكا سويتشا، خلال الجلسة الختامية للمؤتمر الذي نظمه الاتحاد الأوروبي في العاصمة البلجيكية بروكسل.
وصرّحت سويتشا، بأن الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه يتحملون 80 في المئة من إجمالي المنح المقدمة، وأشارت إلى أن المؤسسات المالية الدولية والجهات المانحة الأخرى التي شاركت في المؤتمر أعلنت عن تقديم 1.6 مليار يورو لسوريا كقروض ميسرة.
وأعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، في كلمة ألقتها في افتتاح المؤتمر، تعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم 2.5 مليار يورو لدعم السوريين داخل سوريا وفي المنطقة خلال عامي 2025 و2026.
ومنذ العام 2017 ينظم الاتحاد الأوروبي سنويا مؤتمر بروكسل حول سوريا، وكان الاتحاد الأوروبي قد تعهد في مؤتمر العام الماضي بتقديم 2.12 مليار يورو، في حين بلغ إجمالي المنح والقروض التي أعلنتها جميع الدول المشاركة 7.5 مليارات يورو.
موقف حذر
ومنذ انطلاقته، تفاوتت التزامات الجهات المانحة في مؤتمر بروكسل تجاه سوريا، لتسجل انخفاضاً في عام 2025 مقارنة بما سبقها، علما أن انخفاض التزامات الجهات المانحة تجاه سوريا ما قبل سقوط الأسد كانت السمة العامة، الأمر الذي بدا مستمراً في مؤتمر بروكسل 9 ما بعد سقوط الأسد، بشكل عاكس آمال وتوقعات السوريين، بحسب حديث الباحث في الاقتصاد السياسي والمحليات في مركز "عمران" للدراسات أيمن الدسوقي لموقع"تلفزيون سوريا".
ويضيف الدسوقي أن الأسباب المفسرة متعددة ومن أبرزها غياب الالتزام الأميركي عن المؤتمر في ظل توجهات إدارة الرئيس ترمب لإعادة النظر جذرياً بمساعداتها الخارجية، فضلاً عن إرهاق المانحين وأثر الأزمات الاقتصادية والجيوسياسية على اقتصاداتهم.
ويتابع بأنه لا يمكن تجاهل الشرط الداخلي السوري مرتبطاً بالموقف الحذر للعديد من المانحين تجاه الإدارة الجديدة وعلاقاتها الإقليمية وبالتالي استخدام المساعدات كورقة ضغط ضمن مسار خطوة مقابل بخطوة، كذلك قد يكون هنالك اعتقاد بأن سقوط نظام الأسد سيقلل من هدر الموارد المخصصة لسوريا، حيث كان يتلاعب بهذه المخصصات عبر آليات عدة.
ويحتاج إنعاش الاقتصاد السوري، وفقا للدسوقي، إلى دعم مالي أكبر مما تم تخصيصه في مؤتمر بروكسل 9، ولكن المبالغ المقدمة تبقى ضرورية للحفاظ على شيء من الاستقرار في سوريا.
ويلفت إلى وجود قدر من عدم الثقة بين الإدارة الجديدة وبين الأوروبيين رغم الانفتاح السياسي على دمشق، مشيرا إلى أن نظام العقوبات (الأممية، الأوروبية، الأميركية) يعرقل توفير دعم مباشر للإدارة الجديدة، لذلك تبقى المنظمات الدولية والأممية الشريك الأمثل للأوروبيين.
مساعدات بالحد الأدنى لسوريا
من جهته، يؤكد مدير البرنامج السوري في مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية كرم شعار أنه في حال بقيت أرقام التعهدات على ما هي عليه فإن هذا يعني انخفاضا في حجم المساعدات بسبب عوامل عديدة على رأسها التضخم، مؤكدا أن ما سيتم تقديمه في الوقت الحالي هو مساعدات بالحد الأدنى للاستجابة الإنسانية.
ويرى شعار أن عدم حدوث ازدياد في أرقام تعهدات التمويل يعني عدم وجود نظرة لدى المانحين حول حاجة سوريا إلى الدعم بشكل أكبر مما كان عليه الحال في عهد بشار الأسد، والأهم من ذلك عدم وجود مساعدات لإعادة الإعمار.
ويتابع بأن استجابة الدول الغربية والتي عبر عنها مؤتمر بروكسل للمانحين لا تزال استجابة إنسانية طارئة ولا توجد قناعة لدى الدول المتبرعة بأن سوريا حاليا في مرحلة تستحق فيها تقديم الدعم.
ويرجع شعار هذه الفكرة إلى التردد العام لدى الدول من الموقف الأميركي الذي يلفه الغموض خاصة الدول الأوروبية التي لا تزال غير متأكدة من حقيقة هذا الموقف، يضاف إلى ذلك الشعور بأن الحكومة السورية لم تثبت الكفاءة بعد، وبشكل عام ينظر الغرب إلى أن المناخ السياسي في سوريا غير مناسب للبدء بإعادة الإعمار، كونه بحاجة إلى التأكد من حدوث ممارسات حكومية أفضل وانتهاكات أقل لحقوق الإنسان وتطمين لكافة مكونات الشعب السوري.
ولن تمر المساعدات المقدمة في المؤتمر عبر الحكومة السورية، وفق ما يؤكد شعار، في استمرار لنفس السياسة السابقة في الاعتماد على المؤسسات المنفذة، حيث سيتم تحويل الجزء الأكبر من المساعدات نحو الأمم المتحدة في حين يمكن للحكومة الاطلاع على هذا الإنفاق بشقه الأكبر لكن المسؤول المباشر عنه هو المؤسسات، لافتا إلى أن الاستجابة الإنسانية لا تتطلب التنسيق أو إشراف الحكومة بخلاف إعادة الإعمار.
يشار إلى أن "لجنة الإنقاذ الدولية" حذرت من أن التعهدات التي انخفضت بنسبة 29% عن تعهدات العام الماضي، لن تكفي لسد فجوة التمويل المتزايدة التي لا تزال تعوق الاستجابة الإنسانية بشدة، مؤكدة أن قيمة هذه التعهدات لن تكفي لدعم السوريين في التعافي وإعادة الإعمار بعد عقود من الدمار.
كما قال منسق الأمم المتحدة المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية في سوريا، آدم عبد المولى، في مؤتمر صحفي عبر الإنترنت، إن كلفة التقاعس أعلى بكثير من تلبية الاحتياجات الفورية ومتوسطة الأجل للشعب السوري.
وأضاف أن سوريا تقف عند نقطة تحول مع بداية عهد جديد من الأمل في السلام والأمن، محذرا مما خلفته الأعمال العسكرية على مدار 14 عامًا، إذ يحتاج اليوم 16.5 مليون شخص إلى المساعدة الإنسانية في سوريا.