الأموال الخليجية في خدمة المشروع الإيراني في سوريا

2018.12.31 | 23:12 دمشق

+A
حجم الخط
-A

في عام 2006، وعلى مدى أكثر من 30 يوماً، استمرت إسرائيل في دك البنى التحتيّة في مناطق تابعة لحزب الله في جنوب لبنان والضاحية الجنوبية. أدّت الحرب إلى دمار هائل في تلك المناطق وتم محو قرى بأكملها في المناطق المذكورة. وجد كثيرون أنفسهم فجأة من دون منازل وأعمال وقد تحوّلوا إلى نازحين ولاجئين. عدد كبير من هؤلاء الناس كان قد خسر كل ممتلكاته بعد سنوات طويلة من العمل في الخارج. ونتيجة لكل ذلك، ساد شعور بالغضب العارم من الحزب وقيادته في بيئة حزب الله، وهو شعور لم يسبق له أن وصل إلى مثل هذا المستوى لاسيما في ظل تردّي الأوضاع الاقتصادية في البلاد.

الغالبية الساحقة من دول مجلس التعاون الخليجي حمّلت حزب الله المسؤولية عن اندلاع هذه الحرب التي تسبب فيها لحسابات إيرانية. وبالرغم من أنّ هذا التشخيص كان صحيحاً، إلا أنّ طريقة التعامل مع الوضع أدّت في نهاية المطاف إلى خدمة أجندة حزب الله وإيران مجدداً. وممّا زاد الأمور تعقيداً، قيام بشّار الأسد بوصف بعض قادة هذه الدول الخليجية وعلى رأسهم السعودية بأنّهم "أشباه رجال".

لتهدئة الناس واحتواء غضبهم، أرسلت إيران الأموال بحقائب إلى مسؤولي الحزب ليوزّعوها على المتضررين من بيئتهم الحاضنة

لتهدئة الناس واحتواء غضبهم، أرسلت إيران الأموال بحقائب إلى مسؤولي الحزب ليوزّعوها على المتضررين من بيئتهم الحاضنة، لكنّها لم تكن كافية كما أنّ معظمها ذهب إلى الحزب وقياداته وعائلاتهم. ترافق ذلك مع دخول الدول الخليجية على الخط بذريعة مساعدة الدولة اللبنانية فأرسلت هي الأخرى أموالاً، بعضها ذهب مباشرة لعملية إعادة بناء ما دمّرته إسرائيل في البيئة الحاضنة لحزب الله، والبعض الآخر ذهب إلى الدولة اللبنانية.

ماذا كانت النتيجة؟ هناك حرب افتعلتها إيران بذراع محليّة (حزب الله) أدّت إلى تدمير لبنان، وفي نهاية المطاف، دفع الخليجيون فاتورة الحرب المالية بشكل أدّى إلى تخفيف الأعباء عن إيران، وإلى استعادة حزب الله لشرعيته المحليّة وامتصاص غضب بيئته الحاضنة، وبالتالي تمتين موقع ودور المحور الإيراني في المنطقة. علاوةً على ذلك، أعادت دول الخليج وعلى رأسها السعودية علاقاتها مع نظام الأسد بعد أن كان وصفهم بأنّهم "أشباه رجال"، وكانت الذريعة في كل ذلك عدم السماح لإيران بالسيطرة التامة على لبنان وسوريا، لكن سرعان ما أصبحت العلاقة بين الأسد ونظام خامنئي أقوى وأشد متانةً.

وبالرغم من الفشل الذريع لهذه السياسيات الخليجية في هذه الحالات وغيرها من الأمثلة المتعلقة بدول أخرى كالعراق واليمن، تعود بعض الدول الخليجية مؤخراً (الإمارات، البحرين، ولاحقا السعودية) إلى حضن نظام الأسد بنفس الحجّة التافهة والسخيفة، أي محاولة الحد من نفوذ إيران في سوريا. تحت ذريعة الحد من نفوذ إيران، لكن المقصود هو حماية أنظمتها التي تآكلت شرعيتها بشكل غير مسبوق خلال السنوات الثلاث الماضية.

في نهاية المطاف، الأسد يمثل التيار المعاكس للثورات، والدول الخليجية المعنية تمثّل رأس حربة الثورات المضادة التي تهدف إلى الإبقاء على الأنظمة التسلطية قائمة لأنّ انهيارها يعني إمكانية انهيارهم. وبهذا المعنى، فإن هذه الأنظمة ستدعم كذلك عودة الأسد من خلال التمويل وإعادة الإعمار ودائما بحجّة موازنة النفوذ الإيراني والحد من تأثيرها، لكن هذه الأموال ستصب في صالح الأجندة الإيرانية كما حصل على الدوام في حالات سابقة.

هذه الأنظمة ستدعم كذلك عودة الأسد من خلال التمويل وإعادة الإعمار ودائما بحجّة موازنة النفوذ الإيراني والحد من تأثيرها، لكن هذه الأموال ستصب في صالح الأجندة الإيرانية

في حقيقة الأمر، النظامان السوري والإيراني سيستفيدان معاً من الزحف الخليجي إلى الأسد لتعزيز علاقاتهما الثنائية ولترسيخ التحالف القائم بينهما. بمعنى آخر، موقف الدول الخليجية سيؤدي في نهاية المطاف إلى مساعدة الأسد وخامنئي على تجاوز مأزقهما في سوريا لاسيما المتعلق بالشرعية السياسية وإعادة الإعمار، وسيرافق ذلك مع ترويج كبير لرواية الانتصار الإلهي العظيم على الإرهاب والمؤامرات الكونية.

ما يؤكّد مثل هذا الاستنتاج مجدداً أنّ نظام الأسد قام قبل يومين فقط بالتوقيع على اتفاقية "التعاون الاقتصادي الاستراتيجي طويل الأمد" مع النظام الإيراني، وأعلن وزير الاقتصاد والتجارة في نظام الأسد بأنّ الأولويّة في "إعادة الإعمار" في سوريا ستكون للشركات الإيرانية سواء كانت على المستوى الحكومي أو على مستوى القطاع الخاص.

لا يترك مثل هذا الأمر أي شك في أنّ المستفيد الأوّل والأخير من إعادة العلاقات مع الأسد هو النظام الايراني نفسه، ويؤكّد هذا التطوّر الانطباع القائل إنّ بعض الدول الخليجية كالإمارات والسعودية لا تريد ولا ترغب حقيقة في مواجهة إيران أو تقليص نفوذها، وإنما تستخدم هذا الموضوع شمّاعة لأمور أخرى، فالنموذج الإيراني لا يخيف هذه الأنظمة، بقدر ما يخيفها سقوط الأنظمة العربية، وظهور نموذج ديمقراطي ناجح لاسيما إذا كان قادراً على استيعاب الإسلاميين السنّة في الحكم أي الشريحة التي تشكّل السواد الأعظم في هذه الدول.