الألغام وسيلة قتل أخرى تطارد السوريين في مناطق وجودهم

2023.03.06 | 05:54 دمشق

الألغام في سوريا
+A
حجم الخط
-A

ما زالت الألغام الأرضية بأنواعها وأشكالها المختلفة وفي كل مكان تنتشر فيه على وجه الكرة الأرضية تمثل تهديدا كبيرا لحياة الملايين من البشر،  وفي سوريا بالذات فقد بات من المؤكد أنه لا يكاد يمر شهر من الأشهر على المواطنين في جغرافيا وجودهم وسكناهم، أو حتى في مناطق نزوحهم المتعددة، من دون أن تتعرض حياة العشرات منهم مع حياة أطفالهم وعوائلهم للخطر الداهم والموت المفاجئ، أو أقلها الإصابات البالغة والاضطرار للتعايش المؤلم مع كل ما تتركه حوادث وكوارث الألغام من تأثيرات وندبات نفسية وجسدية واجتماعية ثقيلة الوطأة، نتيجة للإصابات الخطيرة والإعاقات الدائمة وعمليات بتر الأطراف التي تخلفها الحوادث الناجمة عن الألغام والمواد المتفجرة المنتشرة التي تركتها مخلفات الحروب ولا تزال تتركها هنا أو هناك.

يأتي كل هذا للأسف من دون أي واعز أخلاقي أو إنساني من الأشخاص الذين أمروا بها أو الذين زرعوها وتركوها منتشرة بشكل واسع وعشوائي من دون إزالتها في كثير من الأراضي الزراعية والحقول والمناطق الآهلة بالسكان، لتحصد ما تحصد من أرواح كثير من الأبرياء، وعلى وجه الخصوص منهم تلك الفئة التي تعتبر الأقل خبرة وضعفا والأكثر حركة وعبثا، وهم الأطفال كنتيجة طبيعية للعبهم البريء بهذه الألغام القاتلة أو الاقتراب منها من دون أن يدركوا حجم خطورتها وتأثيراتها عليهم وعلى حياتهم ومجتمعاتهم، والملاحظ أنه وبحسب التقرير السنوي لمرصد الألغام الأرضية، وهو تحالف من المنظمات غير الحكومية فقد سجلت سوريا وللمرة الأولى في عام 2020 ولا تزال أكبر عدد من الضحايا الذين سقطوا نتيجة تعرضهم للألغام الأرضية ومخلفات الحروب المتفجرة متقدمة حتى على أفغانستان في هذا الأمر.

عمليا فإن كل أصحاب النفوذ المتقاتلين في الحرب السورية (النظام، الميليشيات، داعش، قسد، الفصائل) لم يكترثوا للنتائج الكارثية المستقبلية ولخطورة زراعة الألغام، والتي ستستمر نتائجها السلبية حتى بعد انتهاء الحروب لعشرات من السنين المقبلة، ولكن ومع هذا كله فإن كل المذكورين قاموا ويقومون بزراعة كميات كبيرة من هذه الألغام القاتلة أو ينثرونها بأنواعها المختلفة لأسباب قد تكون أصلا تكتيكية حول نقاط الفصل والتماس، وغالبا ما يكون هذا في حالات الدفاع (الانسحاب) بغية تأخير وإيقاف الهجمات المعادية والمتسللين وإيقاعهم في مقتلة الألغام من جهة وأسلحة ورمايات المدافعين من جهة ثانية.

في الواقع لا يزال الصراع الدائر في سوريا يشهد زيادة في أعداد الضحايا المدنيين، وذلك نتيجة هذه الذخائر المتفجرة والألغام المنتشرة، ومن الجدير ذكره أن نصف هذه الأعداد تقريبا هم من الأطفال وعليه فقد بلغ عدد ضحايا الألغام والعبث بمخلفات المواد المتفجرة بحسب إحصائيات الصليب الأحمر الدولي من السوريين في سنوات الحرب الماضية وحتى الآن أكثر من 12 ألف حالة، 35٪ منهم قتلى، 50 ٪عمليات بتر أطراف، 15٪ إصابات وإعاقات مختلفة، وبلغ عدد الضحايا من الأطفال فيهم ما نسبته 25٪ من المجموع العام، ولذلك ومن هنا فإنه يجب على الجهات الأممية المختصة، وأجهزة الدفاع المدني المحلية والجيش وللحد من أخطار الألغام وتحجيم كوارثها إلى أدنى حد ممكن، أن تسعى جاهدة وبكل الوسائل إلى إيجاد الحلول لنزع هذه الألغام بشكل كامل ، بالإضافة إلى السعي لإقامة دورات التوعية المجتمعية لكافة فئات المواطنين، وتعزيز حسهم وسلوكياتهم الأمنية لتجنب أخطار وويلات تلك الذخائر، وذلك بهدف الوصول إلى الحد الأدنى من مخاطر الإصابات الناجمة عنها. وهنا لا بد لنا أن نعرج بشكل مقتضب للتطرق إلى الإرشادات التوعوية التي يجب على الجهات المختصة القيام بها وخاصة عند اقتراب أي عودة للنازحين إلى مناطقهم التي كانت أصلا مسرحا للعمليات الحربية وضرورة تقيدهم بالإجراءات الأمنية التالية حرصا على سلامتهم وسلامة عوائلهم :

_سلوك الطرق والدروب المستخدمة باستمرار من قبل الآخرين وتجنب السير في دروب غير معروفة.

_سؤال السكان المحليين إن وجدوا لمعرفة آمن الطرق والمسارات للوصول إلى الوجهات المطلوبة.

_الابتعاد ما أمكن عن المناطق المغطاة بالأحراش والمزروعات، وعن القواعد والمعدات العسكرية المتنوعة المدمرة.

_ عدم الاقتراب أو العبث أو التقاط أو ركل الأجسام العسكرية الغريبة الملقاة على الأرض مهما كان حجمها أو شكلها،  والقيام فورا بإبلاغ الشرطة أو الجهات المسؤولة عنها للتعامل معها بدقة وحرفية.

الألغام تعريفها وأقسامها وأنواعها :

اللغم تعريفا هو: عبارة عن جهاز مطمور بالأرض، أو يلقى عشوائيا على سطحها ويمكن للغم أن يكون ذا غلاف خارجي مصنوع من المعدن أو البلاستيك أو الخشب، كما أنه يحتوي عادة على كميات متفاوتة من المواد المتفجرة القاتلة، مثل مادة "TNT" شديدة الانفجار وقد ينفجر اللغم إما بالضغط عليه والعبث به، أو عند نزع  الأمان أو بأي وسيلة أخرى متطورة إلكترونية أو زمنية، أو مغناطيسية. وقد يتم التفجير للألغام عن بعد بواسطة أجهزة تحكم مخصصة لذلك.

غالبا ما تنقسم الألغام الأرضية إلى قسمين رئيسين:

أولاً _الألغام الأرضية: وعادة ما تزرع تحت سطح الأرض وتطمر وفق مخطط وخريطة ومفتاح ما، أو تنشر بأعداد كبيرة وتنثر في مساحات واسعة لتكوين ما يسمى حقول الألغام، وتستخدم في الألغام مواد متفجرة تحدث تدميرا مباشرا للآليات أو الأشخاص كما تطلق شظايا تنطلق لمسافات طويلة عند  الانفجار لتحدث أكبر خسائر ممكنة في المحيط. ومن الممكن أن تكون حشوة اللغم بدلا من المتفجرات مواد حارقة (نابالم، فوسفور) أو مواد كيميائية وغازات سامة (كلور، زومان، زارين). ويتم الكشف عن الألغام الأرضية عادة بواسطة مهندسين مختصين أو عناصر مدربة جيدا، ويتم ذلك إما بالتنقيب عنها باستخدام أسياخ السبر أو باستخدام كاشفات الألغام الحديثة المتنوعة.

أنواع الألغام الأرضية :

_ ألغام مضادة للأفراد م /أ. وهي محرمة دوليا ولها للأسف عشرات من الأنواع هدفها التأثير المباشر على القوى والمجموعات الحية وإيقاع خسائر فادحة فيها.

_ألغام مضادة الدبابات والمركبات م/د. لتدمير وإعطاب الدبابات والمجنزرات والعربات ولها أيضا أشكال وأنواع عديدة.

ثانياً _الألغام البحرية :

ولها كثير من الأشكال والأحجام والأوزان وتستخدم ضد الأهداف البحرية كالغواصات والبارجات وسفن السطح والإنزال.

ختاما ستبقى الألغام خطرا داهما يهدد حياة مئات الآلاف من السوريين إن كان في مرحلة الحرب أو ما بعدها، وهذا ما يفرض  ويتطلب تدخلات عاجلة من الأمم المتحدة  لمناقشة كل مخططات وخرائط الألغام في مناطق الاشتباك، ومناطق الفصل بين الأطراف المتصارعة وقرب الحدود. كما ينبغي للجهات المسؤولة مساعدة السوريين وذلك من خلال دعم مراكز الدفاع المدني المختصة بنزع الألغام، بالإضافة إلى تدريب فرق محلية ودولية للتعامل مع هذه المتفجرات ونزعها. كما ينبغي أيضا تأسيس مجموعات وهيئات للتوعية بمخاطر الألغام الأرضية، ووضع خطة عملية لمرحلة ما بعد الحرب،  ناهيك عن وجوب تأسيس صندوق يعنى بضحايا الألغام من كافة الفئات العمرية.