الأسد يستنسخ نفسه في صفوف المعارضة

2018.10.06 | 23:10 دمشق

+A
حجم الخط
-A

يدخل الفيروس إلى الجسم، ويخترق جدران خلاياه ثم يخلع غمده البروتيني ويستنسخ نفسه في الخلية من خلال الشريط الجيني، يشبه هذا تماماً ما حدث مع كثير من السوريين الذين تلوثوا بفيروس نظام الأسد، فإذا فكروا ضده فهم يفكرون من خلاله ومن منطقه، وإذا مارسوا المعارضة فهم يمارسونها بأسلوب النظام ضد معارضيه، ولكن هذا ينطبق بشكل أكبر بكثير مع هيئة التفاوض المنتجة عن رياض 2، التي تضم فعلاً ممثلين عن النظام وحلفائه أكثر مما تضم ممثلين عن قوى الثورة والمعارضة، ووجدنا كيف انعكس ذلك في أدائها في درعا عندما لعب ضفدع الهيئة خالد المحاميد دوراً رئيسياً ليس في تسليمها فحسب، بل في تحويل مقاتلي المعارضة إلى مجندين في صفوف قوات الأسد وحلفائه يحولون بنادقهم إلى صدور مقاتلي الفصائل العسكرية الثورية أو المحسوبة على الثورة.

مناسبة هذا الحديث هو النقاش الذي جرى خلال الأسبوع الماضي وردود الأفعال تجاه تسمية يوم الجمعة باسم "هيئة التفاوض لا تمثلني"، وهي بالفعل تمثل الدول التي شكلتها، وبشكل خاص روسيا وبعض الدول الإقليمية، وهي أبعد ما تكون عن تمثيل السوريين، علما أنني لم أكن متحمساً لهذه التسمية لكني أرى أنها هيئة حتى  لا تمثل نفسها، وهي أعجز من أن تمشي وراء وجهة نظرها باستقلالية، كيف يمكن لها أن تكون ممثلة للسوريين في التوقيع على أي تسوية سياسية؟ صحيح أنه لا توجد ملامح تسوية إلى اليوم، ولكن هذا ممكن في كل وقت، والمطلوب من السوريين أن تكون هنالك جهة تمثلهم فعلاً ولا تمثل غيرهم، وواقع الحال أن الهيئة الحالية موجودة لتزوير إدارة السوريين لا لتمثيلها.

"هيئة التفاوض لا تمثلني" وهي بالفعل تمثل الدول التي شكلتها وبشكل خاص روسيا وبعض الدول الإقليمية، وهي أبعد ما تكون عن تمثيل السوريين

تركيبة هيئة رياض 2 لم تعد خافية على أحد، وطريقة تشكليها، والأهداف من تشكيلها، والشيء الأخطر هو اللجنة الدستورية التي لعبت الهيئة دور ممثل المعارضة فيها وقدمت قائمة مؤلفة من 50 اسماً سيختار منها المبعوث الأممي ستيفان ديمستورا خمسة أسماء فقط، وهذه الخمسة ستشمل كل مكونات الهيئة: الائتلاف، منصة القاهرة، منصة موسكو، والفصائل العسكرية، وهيئة التنسيق، والمكونات غير المعلنة والمتسترة تحت صفة المستقلين مثل تيار قمح (عدد أعضائه لا يتجاوز اليد الواحدة) ممثلاً بالمحاميد. هذه المكونات الخمسة ستكون هي الجهة الممثلة عن المعارضة في اللجنة الدستورية، واحد من كل مكون، أي أربعة من أصل خمسة هم ممثلو للنظام أو لروسيا (الداعم الأهم للنظام)، وواحد لا نثق فعلاً أنه سيكون محسوباً على المعارضة! هذه هي النتيجة المذلة لأداء الهيئة وبقائها حتى الآن، والقادم أعظم.

استنساخ نظام الأسد لنفسه في الهيئة أمر منذ تأسيسها كان واضحاً، واستشعار شارع الثورة السوري بخطورة الهيئة ودورها في إضفاء الشرعية على أي حل سياسي يضمن مصالح السوريين جعل موضوع إسقاط الهيئة واحداً من شواغله لأن ذلك يتعلق بمصيره، لكن المثير ظهور سلوك الهيئة كسلوك نظام الأسد نفسه، فقيادة الهيئة قالت إن "النظام وجه لأنصاره ومؤيديه أن يصوتوا لصالح اسم الجمعة!" بزعم أن هذا مصدره معلومات ضباط منشقين من قلب النظام! تحاول أن تقول القيادة إنه إسقاط الهيئة هو خيانة؛ لأنها تسقط الممانعين لبقاء نظام الأسد، تماماً كما تنظر قيادة النظام إلى ثورة الشعب لإسقاطه بأنها خيانة عظمى ومؤامرة خارجية ضد "الممانعة" تستوجب سحق البشر ومسحهم من الوجود.

أكثر من ذلك تقول قيادة الهيئة إن بعض المعارضين "يشعرون بالغبن لذلك فهم يحاولون إسقاط الهيئة"، أي أن إسقاط الهيئة بالضرورة وراءه غرض مشبوه، فمن غير المعقول أن يرفض السوريون هيئة "تقارع" النظام سياسياً وتحرجه (نذكر أن سياسة إحراج الهيئة للنظام تقوم على مبدأ تقديم التنازلات تلو الأخرى حتى لا يبقى له حجة، في حين يبقى النظام ثابتاً في موقفه دون أي تغيير!)، ولأن بعض المعارضين دعموا موقف الشارع، فمعنى ذلك أن هذه المعارضة النهمة للسلطة ومن أجل الانتقام من تهميشها تريد إسقاط السلطة عفوا الهيئة.. أليست هذه عبارات سمعناها مراراً من قبل في اتهام النظام للمعارضة؟

استنساخ نظام الأسد لنفسه في الهيئة أمر منذ تأسيسها كان واضحاً واستشعار شارع الثورة السوري بخطورة الهيئة ودورها في إضفاء الشرعية على أي حل سياسي يضمن مصالح السوريين جعل موضوع إسقاط الهيئة واحداً من شواغله

الناطق باسم الهيئة قال تعليقاً على نجاح التصويت على اسم الجمعة إن "قمع صوت هيئة التفاوض [ هو ] مطلب النظام، والهيئة فعلاً لا تمثل هؤلاء الذين يريدون نسف حق السوريين بغوغائيتهم"، أي من يريد إسقاط الهيئة هم الغوغائيون... ألم يسبق وسمعتم هذا في أحد خطابات الأسد أو مقابلاته؟

بعض المعارضين لصيقي الصلة بالهيئة في رسائل صوتيه دعا المتظاهرين أن "لا يخربوا هالقصة" (الهيئة)؛ لأنها إذا سقطت فهذا "يعني راحت الثورة"! وأن الخلاف في المعارضة على الهيئة يجب أن يصبح صراع في الشارع، و"إذا نحنا اليوم نزلنا انشقاقاتنا وخلافاتنا مرة على الشارع فبدكن تقرأوا الفاتحة على روح الثورة، ولا حدا يلوم حالو بعد هيك، من يشق اليوم صفوف السوريين بيكون عم يرتكب خيانة حتى لو كنت أنا".. مرة أخرى أيضاً يتردد تعبير "إسقاط الهيئة الخيانة"، يبدو أن لا أحد يريد أن يعترف بأن السوريين موجودون وأنهم يفهمون مصالحهم أكثر من هذه النخبة المتكبرة عليهم. 

زوّر أعضاء من فريق هيئة التفاوض صفحة بنفس عنوان الصفحة الرئيسية "الثورة السورية ضد بشار الأسد 2011" التي تدار عملية التصويت الرئيسية على أسماء الجمع، وزور التصويت، صار التصويت على "محاكمة بشار الأسد وعصابته" بدلاً من "هيئة التفاوض لا تمثلني" وهذا التصويت يريد أن يقول إن الشارع السوري غبي، يصوت لكل ما هو معروض أمامه، وأن الشارع يريد إسقاط الأسد لا الهيئة، والواقع أنما قاله الشارع في التصويت لاسم الجمعة أن إسقاط الهيئة هو الطريق لإسقاط الأسد.