الأسد وحل مشاكل العرب

2022.02.03 | 05:01 دمشق

00-40.jpg
+A
حجم الخط
-A

مر زمن طويل على رئيس النظام، لم يقم فيه، كمعلم في إعدادية، بإلقاء محاضرة على زملائه قادة الدول العربية.

هذا الطقس الذي لم يحدث مثله منذ عام 2011، كان فرصة تستغلها عدة جهات، من أجل الحديث عن الرئيس الوريث، فبالنسبة للإعلام الرسمي، كان الأمر أشبه بعرس يتبارى المنافقون والمتحذلقون من الصحفيين والمحللين المحليين، في إبراز مكامن قوته وتأثيره.

بينما كان الممانعجيون العرب، من بيروت إلى عمان وبغداد، وحتى تونس والجزائر والدار البيضاء، يسبكون الكلام المكرر في حديثه مفاتيح، يلجون بها تاريخ عائلة نسجت شعارات "الصمود والتصدي"، و"التوازن الاستراتيجي" و"التطوير والتحديث"، ويبرزون من خلالها وجوه "المقاومة"، ويكشفون الرسائل المضمرة فيها، وخاصة تلك التي تتصل بالشأن الفلسطيني، وبالقضايا العربية الراسخة!

أما المعارضون، فإنه من المشكوك فيه قيام أحدهم بتحليل محتوى أقوال الأسد، إلا إن كان يبغي من ذلك التأكيد على استحالة التفاهم مع النظام، أو محاولة فهم الموقف الراهن، بينه وبين الدول العربية الأخرى!

وحدهم القادة العرب، الذين كانوا مضطرين بروتوكولياً للاستماع للخطب الطويلة، في اجتماعات قمم جامعة الدول العربية، تشاركوا الصمت مع السوريين الطبيعيين، غير الخانعين، وربما اعتبروا أن الجلوس أمام ابن حافظ الأسد، عندما يعتلي المنبر، جزء من القضاء والقدر!

لكن، بعد أكثر من عشر سنوات، على اكتفاء الديكتاتور بالمنابر المحلية والأحاديث الصحفية، لا يفتقد المراقبون وجود بعض المسؤولين العرب، الذين هرولوا إلى دمشق للاجتماع مع قادة النظام، فوقعوا في شر أعمالهم، واضطروا للاستماع إلى الأقوال المأثورة للأسد، وغادروا الشام، وهم لا يعرفون إن كان هذا الذي أطنب في الحديث عن الحلول للمشاكل العربية، يدرك أنهم قد أتوا إلى سوريا كي يحلوا له مشكلته. وليس أن يحل مشاكلهم!

حدث هذا منذ فترة، حينما زار وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، قصر الشعب غربي دمشق، فوجد أن الشخص الذي تحدث عن جرائمه ذات يوم في أحد المؤتمرات المنعقدة لمجموعة (أصدقاء الشعب السوري) عام 2014، ما زال على عهده به، يملك طاقة كبيرة ليس في ممارسة الإنكار والكذب فقط، بل في التماهي مع شخصية قائد منتصر، يريد أن يضع نفسه في موقع متكافئ مع قادة الإمارات، التي تقود فعلياً، ومنذ سنوات، ثورة مضادة من أجله ومن أجل أمثاله، وتبذل الغالي والرخيص من أجل إعادة تأهيله شخصياً، لتقبلَ به دول الأرض في المشرق والمغرب! فكان أبرز ما نقله الإعلام عنه إشادته بـ"العلاقات الأخوية الوثيقة مع الإمارات"، وتنويهه بما أسماه "مواقف موضوعية وصلبة لها"!

الأقوال الحكيمة للأسد، مصنّعة من أجل زائريه العرب فقط، رسميين كانوا أو حزبيين من المعسكرين اليساروي والقومجي، اللذين ما برحا يساندان نظامه في وجه المؤامرة الكونية!

أما زيارة وزير الخارجية العماني بدر بن حمد البوسعيدي قبل ثلاثة أيام، فقد شهدت قفزة أعلى في الأداء الأسدي، فالزائر الذي حمل "تحيات السلطان هيثم بن طارق وتأكيده على مواقف عُمان الثابتة تجاه سوريا" بحسب إعلام النظام، لم يستطع الخروج من اللقاء دون أن ينال حصته من المعرفة والفلسفة، إذ نقلت وسائل الإعلام المحلية، ومعها جحفل عريض من مؤسسات الممانعة، قولاً للأسد يحكي فيه عن طريقته لحل المشاكل العربية، فبالنسبة له: ما ينقص العرب: هو "وضع أسس لمنهجية العلاقات السياسية وإجراء حوارات عقلانية مبنية على مصالح الشعوب"، كما أن "التعامل مع المتغيرات في الواقع والمجتمع العربي يتطلّب تغيير المقاربة السياسية، والتفكير انطلاقاً من مصالحنا وموقعنا على الساحة الدولية"!

في جلساته مع زواره من الإيرانيين، أو الروس، أو الصينيين، لا يتحدث الأسد، سوى بما يسألونه عنه، لا بل إن من الضروري له أن يُحسن الإصغاء، وإن أتيح له التحدث كما فعل أمام حاميه الأكبر فلاديمير بوتين، فإن "رشده" و"عقلانيته"، يتحولان إلى إشادات ومدائح بالدور الروسي، وبأدوار الآخرين في الذود عنه!

الأقوال الحكيمة للأسد، مصنّعة من أجل زائريه العرب فقط، رسميين كانوا أو حزبيين من المعسكرين اليساروي والقومجي، اللذين ما برحا يساندان نظامه في وجه المؤامرة الكونية!

وهي في تحليل خطابها، تتضمن كثيراً من التعالي على من يستمعون، وبما يتناسب مع موقع المنتصر. وهذه الأقوال تكشف عن أن ما يدعيه إعلامه من هرولة العرب صوبه، ليست إلا فكرة قدحت في عقله، ويروجها مرتزقته!

إنه يتحدث، وكأن زائريه لا يعرفون بأن البلاد التي يقودها باتت حطاماً غير قابل للإصلاح. هو يعلم بأنهم يعرفون، لكنه في حقيقة الأمر يريد أن يوصل لهم، ولغيرهم، رسالة تقول بأنه غير مهتم، وأن مراهنتهم على استبعاد الدور الإيراني ليحل محله دور عربي خليجي، لن تكلل بالنجاح.

وإذا كان لهم من دور في المستقبل، فإنه لن يتجاوز الالتحاق بالسياسة الروسية الداعمة له، ودفع تكاليف إعادة الإعمار، دون أن يفرضوا عليه أي تغيير في طبيعة الوضع السياسي السوري، ودون عدالة لضحاياه، ومحاسبة على جرائمه وأزلامه.

هذا النظام لم ولن يتغير، بدور عربي أو دولي، بقفزات عالية، أو بخطوة مقابل خطوة، سيبقى كما هو، عقدة مافيوية عالمية، تخدم كل من يدفع، وترى الآخرين مجرد خدم وحمقى.