الأسد وإيران ولعبة "الروليت الروسية".. بمن ستنفجر الرصاصة؟

2019.03.20 | 23:03 دمشق

+A
حجم الخط
-A

لم تكن الصورة الإيرانية العراقي السورية المشتركة، بالمشهدية السلسلة لدى واشنطن وموسكو. منذ استدعاء الإيرانيين لرئيس النظام السوري بشار الأسد إلى طهران على عجل، وبشكل بعيد من التنسيق مع الروس وفق ما تؤكد المعلومات من داخل روسيا، برز توتر في العلاقات الروسية الإيرانية. ثمة من يشبّه الأسد في هذه المرحلة بأنه يلعب لعبة الروليت الروسية، وهو يقامر بمصيره، خاصة بعد ارتمائه كاملاً في الحضن الإيراني. جاء التحرك الإيراني تجاه الأسد، وبعدها زيارة وزير الخارجية محمد جواد ظريف إلى دمشق، فيما زار الرئيس الإيراني حسن روحاني العراق، لتدلل إلى الأبعاد السياسية التي تحاول إيران أن تلعب عليها لمواجهة الحصار، وبوادر التفاهم الدولي وخصوصاً الأميركي الروسي على تحجيم نفوذها في المنطقة.

الروليت الروسية التي يستخدمها الأسد، بعد الهجمة الأميركية عليه، من خلال وقف واشنطن للتطبيع العربي مع نظامه، هي نفسها لعبة الروليت التي يلجأ الإيراني إلى استخدامها، لكن الفارق بين "الرولتين" هو أن المسدس الإيراني فارغ من الرصاص، بخلاف مسدس الأسد. زيارة الأسد إلى إيران، جاءت بعد وقف الدول العربية وتحديداً الخليجية للتطبيع معه، وبالتالي أراد الردّ عليهم بالذهاب إلى إيران، والقول لهم إنه ما يزال على خياراته، وكلما أمعنوا في تهميشيه كلما تقرّب أكثر من إيران. لكن هذه اللعبة التي يلعبها قد يدفع ثمنها مع الروس الذين هم أكثر الأطراف المنزعجة من ذهابه إلى طهران، وصولاً إلى الاتفاقيات التي جرى توقيعها وأهمها تشغيل الإيرانيين لميناء اللاذقية القريب من قاعدة حميميم، وميناء طرطوس.

غاية الإيرانيين من تشغيل هذا الميناء، تتعلق بهدفين إستراتيجيين الأول استمرار تأمين خط الإمداد لحزب الله في لبنان عبر حمص والقصير، والثاني الاحتفاظ بقاعدة عسكرية على البحر الأبيض المتوسط، لما لها من أهمية استراتيجية مستقبلاً فيما يتعلق بالنفط الإيراني. لكن هذه الاتفاقيات التي يبرمها الأسد، لن تمر مرور الكرام لدى الروس ولا حتى الدول الأخرى.

أم اللعبة التي لجأت إليها إيران من خلال استعراض قوتها السورية والعراقية، فهي عبارة عن استخدام كل الأوراق. ولكن بمسدس فارغ، فيما اللعبة الإيرانية الأساسية من خلال هذه الخطوات، هي لعبة الشطرنج التي يهواها دوماً. لم يخل التحرك الإيراني تجاه سوريا والعراق من البعد الاستعراضي، لأن المشروع الذي تسعى إيران إلى تحقيقه، تحول دونه

لن يسمح الروسي ببلورة هذه الصيغة، خصوصاً في سوريا لأنه لن يكون طرفاً أساسياً فيها بحال تطور هذا المسار

عوائق عديدة. من بينها العائق الروسي، لأن موسكو لن ترضى بأن يتعمّد التحالف الذي تسعى إيران إلى تقديمه بينها وبين العراق وسوريا. وفي حال نجاح هذه الخطوة الإيراني، فهي ستكون ورقة قوية بيد إيران التي تكون ممسكة بزمام هذه المعادلة، وهذا ما لن يسمح الروسي ببلورة هذه الصيغة، خصوصاً في سوريا لأنه لن يكون طرفاً أساسياً فيها بحال تطور هذا المسار.

أما العائق الآخر هو العائق الدولي وتحديداً الأميركي، الذي لن يترك الساحة العراقية لإيران وكذلك بالنسبة إلى الساحة السورية. مهما ظهر العراق بأنه طيّع في اليد الإيرانية، فهو لن يكون قادراً على الخروج بعيداً عن الأميركيين، وبالتالي لن يكون في محور مواجهة مع الأميركي. خاصة أن هذا النوع من التحالف سيمس المصالح الأميركية والأمن القومي الإسرائيلي، كما أن الحلقة العراقية في هذه السلسلة، لن تكون قادرة على الصمود في محور مواجه للأميركي، بخلاف السوري الذي لم يعد لديه أي خيار غير الاستناد إلى الحائط الإيراني.

أما العراقي فسيكون في مواجهة عقوبات قاسية لن يكون قادراً على تحمّلها، بالإضافة إلى أن الجو الداخلي العراقي لم يعد جواً إيرانياً كما كان في السابق، على الرغم من قدرة إيران على فرض شروطها. كل هذه الاعتبارات لن تسمح لهذا المشروع الإيراني أن يتحقق، لا سيما في المسعى الذي يهدف الإيرانيين إلى تحقيقه في شرق الفرات.

لذلك لا يمكن الجزم بأن المسعى الإيراني سينجح، إنما تستخدم إيران المسدس الفراغ، أو نقل بيادق الشطرنج على رقعة الشرق الأوسط، لاستدراج عروض تخفف عنها ضغط العقوبات، وذلك عبر توجيه رسائل متعددة الاتجاهات، رسالة لروسيا، بأنها لم تنعدم خياراتها حتى ولو توافق الروس والأميركيون ضدها، ورسالة للردّ على كلام نتنياهو في روسيا. ورسالة إلى تركيا، بأنه لا بد لها من الوقوف إلى جانب هذا الحلف، ويأتي ذلك في ظل

ردّ الروس سريعاً على التحرك الإيراني من خلال الجولة التي قام بها وزير الخارجية الروسي على دول الخليج، وهي عبارة عن تسجيل نقاط على الطرف الإيراني الذي يريد الاستفراد بالأسد

كلام تركي عن تنسيق مع الإيرانيين لمواجهة الأكراد، لكن الأكيد أن تركيا لن تتخلى عن شرق الفرات لصالح الإيرانيين، والروس لا يريدون أي معركة في شرق الفرات، لأنهم لا يريدون للإيرانيين الدخول إلى تلك المنطقة والتحكم بمفاصلها، خاصة أن أي معركة ستسمح للقوات الإيرانية أو الموالية لها بالدخول إلى تلك المنطقة، وهذا يضرب المصالح الإستراتيجية لموسكو.

ردّ الروس سريعاً على التحرك الإيراني من خلال الجولة التي قام بها وزير الخارجية الروسي على دول الخليج، وهي عبارة عن تسجيل نقاط على الطرف الإيراني الذي يريد الاستفراد بالأسد والاستئثار به، لكن لا يمكن لكل هذه التصرفات أن تهدد النفوذ الروسي، خاصة أن هذا النفوذ لا يمكن أن يسمح الروسي بتهديده ليس بالاستناد إلى معارك وحروب، بل من خلال الإمساك ببعض الملفات والمناطق الجغرافية، وهذا سيؤدي إلى تدخل روسيا بقوة لمواجهة هذا التمدد الإيراني. وهذا لا بد له أن يتعزز بعودة الضربات الجوية الإسرائيلية على مواقع الإيرانيين في روسيا، ومن خلال تحركات تركية جديدة في الشمال السوري.

ويأتي الإعلان الإيراني العراقي حول فتح المعابر بين سوريا والعراق من دون الاقتراب من معبر التنف، في سياق استدراج العروض الإيرانية عبر إيصال رسائل تهدئة للأميركيين. بلا شك أن المسار سيكون طويلاً، والمرحلة لم تبلغ لحظة الحسم، ما يريده الإيراني من خلال كل تحركاته هو التخلص من كل أعباء العقوبات، ولذلك يأتي خلق هذه الأجواء الانتصارية للتخفيف من حدة العقوبات، لكن التخلص الواقعي من هذه العقوبات سيكون بعيد المنال، والتأثير سيبقى قاسياً على المدى البعيد، بينما الأميركيون لن يسمحوا بأن يكون العراق ساحة التنفس الإيرانية عبر الوصل بين الأراضي الإيرانية والأراضي السورية. أما التلويح الإيراني بفتح الحدود، ما يسمح لتهديد إستراتيجي للإسرائيليين، بلا شك أنه سيستدعي ردوداً إسرائيلية برعاية روسية.