الأسد في طهران

2019.03.05 | 23:03 دمشق

+A
حجم الخط
-A

حمّل الأسد إلى طهران من قبل قاسم سليماني قائد الحرس الثوري الإيراني، طبعا لم يستقبل كرئيس دولة أو حتى كمسؤول أجنبي، في العادة يتم الاحتفاء بحسن نصر الله أكثر من الأسد ذاته، الأسد بحد ذاته مشكلة داخلية لإيران، الكل في طهران يعرف جرائمه وما فعل بالشعب السوري من قتل وتهجير وتشريد ولذلك تدعمه طهران سياسيا لكنها تتعفف منه أخلاقيا لاسيما أنها تدعي زورا النطق باسم الإسلام والحكم بشريعته.

الأسد يعاني من مشكلة اقتصادية لا خروج منها لا في المستقبل القريب أو البعيد، كما أن روسيا لا تجد نفسها بحاجة لمساعدته على فشله فالتكلفة بالنسبة لها كبيرة من دون عوائد في المستقبل، أما طهران فإنها تقع تحت العقوبات الاقتصادية مجددا دون القدرة على ترميم اقتصادها الهش فكيف بمساعدة هذا الجار العالة عليها الآن.

يحصد الأسد نتيجة إجراءاته التي نفذها ضد الشعب السوري، كما أن كثيراً من هذه الإجراءات العقابية والسياسية هي غير قابلة للعودة أو الإصلاح خاصة الاستخدام المكثف للبراميل المتفجرة أو الحصار القاسي الذي فرض على المدن والقرى السورية التي انضمت للمعارضة.

كما أن المجتمع الدولي غير مستعد على تقديم المساعدة للأسد وبالتالي مكافأته على جرائمه، وهو ما يعنيه أن لا عودة لملايين اللاجئين إلى بلدهم الأم، وهو هدف المجتمع الدولي الأول، لابد من الربط الدائم أن مساعدة الشعب السوري وإخراجه من محنته الاقتصادية اليوم لا تكون سوى بتمكينه من اتخاذه قراره بنفسه.

لا يمكن مكافأة الأسد أو النظام السوري على جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها عبر إعطائه مكافآت إعادة الإعمار

ولذلك فإذا كانت الولايات المتحدة اليوم أو المجتمع الدولي جادين في عودة الملايين من السوريين اللاجئين في دول الجوار وفي كل دول العالم تقريبا وخاصة أوروبا في ألمانيا والسويد فلابد من وضع إستراتيجية سياسية لا تقوم على إعادة الإعمار فحسب، وإنما تتضمن الاستقرار السياسي بعيد المدى والمحاسبة والعدالة على الجرائم التي ارتكبت خلال السنوات الثماني الماضية، فلا يمكن مكافأة الأسد أو النظام السوري على جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها عبر إعطائه مكافآت إعادة الإعمار، لابد من تحقيق الشروط الثلاثة للإستراتيجية المتمثلة في ضمان الانتقال السياسي من أجل تحقيق الاستقرار المستدام، ومن ثم ضمان إعادة الإعمار وفق الشروط الدولية وأخيرا ضمان المحاسبة والعدالة للضحايا الذين يطلب منهم العودة إلى قاتلهم دون إنصافهم.

من دون تحقيق ذلك ستبقى الدياسبورا السورية هي الأكبر وسيبقى اليأس مستحكماً في نفوس السوريين الذين ما زالوا يعيشون داخل سوريا ضمن ظروف اقتصادية يمكن وصفها بالمستحيلة مع انعدام أبسط مقومات الحياة المدنية الحديثة فيها مع انقطاع الكهرباء بشكل دائم وشح كبير في الغاز المنزلي وارتفاع الأسعار الجنوني مع ارتفاع التضخم إلى نسب كبيرة ويرافق ذلك انهيار سعر صرف العملة المحلية (الليرة) مقارنة بالدولار وبالتالي ستبقى سوريا دولة فاشلة على مدى العقود القادمة وليونتها تجاه صعود الحركات الإرهابية أو المتطرفة ستبقى كبيرة للغاية.

من دون ضمان تحقيق شروط هذه الإستراتيجية لا شيء يمنع أن تتكرر الأزمة الإنسانية أو تتضاعف في سوريا مع استمرار النظام السوري فرض قبضته الحديدية على المجتمع والعودة بالسوريين إلى نظام الحكم الدكتاتوري الذي ثاروا من أجل تغييره قبل ثماني سنوات تماماً. وهو ما على الأسد ومؤيديه أن يدركوه؛ أن لا خروج من الأزمة الاقتصادية الخانقة اليوم من دون انتقال سياسي، وأن الاعتماد على طهران أو موسكو لن يجدي نفعا في إخراج ملايين السوريين اليوم من الجوع والعوز والحاجة الماسة للمساعدات الإنسانية.

ربما يكون الاقتصاد وحاجة الشعب السوري آخر ما يفكر فيه الأسد اليوم، لكن عليه أن يدرك أن الشعب السوري قام بثورته في أحد أهم أسبابها للقضاء على الفساد وتحسين مستوى معيشته الاقتصادية لكن الأسد عاد به قرونا إلى الوراء، واليوم نعود للبديهية الأولى وهي أنه لا اقتصاد من دون سياسية وعماد هذه السياسة هي مصالح الشعب الذي يقرر من يختاره ويمثله بوصفه الأقدر على التعبير عن مصالحه وهو طريق الشرعية التي لا يمكن لها أن تأتي سوى بالانتخابات، التي لا يمكن لها اليوم سوى بالانتقال السياسي عبر إشراف الأمم المتحدة وهو ما يبدو اليوم حلما بعيد المنال بالنظر إلى فشل الأمم المتحدة في الضغط على الأسد خلال أشد الضغوط عليه فما هي الأوراق التي تملكها الأمم المتحدة اليوم للضغط بها على الأسد؟.

في الحقيقة بالرغم من أن المساعدات الإنسانية تعد من أقوى الضغوط لكن الأمم المتحدة لا ترغب في استخدام هذه الورقة كي لا يتم تسييس هذه المساعدات لكنها في اللب والجوهر يستفيد منها النظام أكثر من استفادة الشعب السوري له.

بالنهاية لابد من القول أن الأمم المتحدة يجب أن تكثف ضغوطها السياسية من أجل الربط بين الانتقال السياسي وبين شروط المساعدات الإنسانية لأنها بذلك تضاعف من فرص أن يخضع الأسد في النهاية ولو أن فرص ذلك تبدو معدومة بالنظر إلى تاريخ الأسد حيث لا تجدي معه سوى القوة العسكرية.