الأسد في دوامة العلاقات الدولية.. عجز مديد

2022.03.24 | 05:28 دمشق

2022-03-18t205620z_1710699617_rc235t9nvual_rtrmadp_3_syria-emirates-president.jpg
+A
حجم الخط
-A

تدور دورة العلاقات الدولية على وقع تطورات عالمية كبرى. المخاض سيقود إلى ولادة نظام عالمي جديد وفي تقديرات مراكز دراسات وأبحاث ومفكرين استراتيجيين. تسعى الولايات المتحدة الأميركية إلى احتواء الجميع. ففيما كانت قد عملت طوال السنوات الماضية على احتواء روسيا، وسعت لاحتواء إيران من خلال اتفاق نووي، بهدف تطويق الصين ومشروعها للدخول إليه كشريك مضارب. ها هي واشنطن تسعى إلى استقطاب الصين والتعاون معها في سبيل تطويق روسيا التي تخوض حرباً في أوكرانيا قابلة في أي لحظة لأن تتحول إلى حرب عالمية.

تعتمد واشنطن سياسة استراتيجية كانت قد اعتمدتها في سنوات الحرب الباردة أو خلال الحرب العالمية الثانية. وهي ترتكز على نظريتين، الأولى لزبيغنيو بريجسنكي الذي يركز على ضرورة التعاون الأميركي الروسي، والثانية لهنري كيسنجر الذي يركز على إنتاج نظام عالمي تشاركي بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والصين انطلاقاً من أدوار متكاملة.

في هذه التحولات تشهد العلاقات الدولية جانباً من التغيير الجذري، تبحث القوى الإقليمية عن أوراق قوة تستخدمها أو عن تعزيز أوراقها. في حين تريد واشنطن إنجاز الاتفاق النووي للتفرغ للملف الروسي الأوكراني وخلق بديل يسد ثغرات نقص النفط الروسي لأوروبا. كل التوقعات تشير إلى أن الاتفاق النووي أصبح منجزاً يبقى بحاجة إلى إعلانه في الأيام المقبلة، وهو سيكون مؤشراً إلى الانفراج الاقتصادي الذي ستستفيد منه طهران، ولكن حتماً سيكون هناك ثمن لا بد من دفعه في المقابل، وهو السعي لإنضاج تسويات في الملفات الإقليمية، وهنا تتضارب المعطيات والتقديرات من داخل واشنطن، فبعضهم يستنتج أن إيران قد تتسلم المنطقة كما حصل في العام 2015، أما وجهة النظر الثانية فتشير إلى أنه لا يمكن لأميركا كدولة عظمى أن تسلم إيران المنطقة، فحاجة واشنطن للاتفاق تتعلق بسدّ الثغرات النفطية والغازية الناتجة عن الحرب الروسية على أوكرانيا بفعل فرض العقوبات، ولكن لا يمكن لواشنطن أن توافق على تقديم تنازلات لصالح طهران خصوصاً أن إدارة بايدن لن تكون قادرة على تقديم مزيد من التنازلات خوفاً من خسارة الانتخابات النصفية.

 في المقابل، فإن دول الخليج تظهر تعاطفاً مع روسيا وتقارباً مع الصين في ظل التوتر بالعلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية. في هذا السياق برزت زيارة بشار الأسد إلى دولة الإمارات العربية المتحدة وهي رحلة نتيجة ضعف وليست نتيجة قوة

في المقابل، فإن دول الخليج تظهر تعاطفاً مع روسيا وتقارباً مع الصين في ظل التوتر بالعلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية. في هذا السياق برزت زيارة بشار الأسد إلى دولة الإمارات العربية المتحدة وهي رحلة نتيجة ضعف وليست نتيجة قوة، بالنسبة إلى موقف الإمارات في اليمن والمتقدمة عسكرياً هناك، كما أنها الدولة الرائدة في مسار السلام والتطبيع مع إسرائيل. وهذه حتماً مواقف لها دلالاتها وأبعادها في المرحلة المقبلة. فالضعف سياسي بسبب الارتهان لإيران ومالي بسبب عدم قدرة الإيرانيين والروس على تغطيته مالياً وتوفير أدنى مقومات العيش. وفيما تسعى إيران إلى إبرام اتفاق نووي مع واشنطن لا يمكن للأسد أن يبقى في هذه الوضعية لأنه سينتهي أي تأثير له، بخلاف ما كان يراهن عليه سابقاً وهو الموازنة في الموقف بين الإيراني والروسي. حالياً روسيا في حالة حرب وعزلة دولية ولا يمكن له أن يستمر أسيراً لإيران بهذا الشكل، وإلا سيتحول إلى مجرد صورة.

 في المقابل، يمكن للإمارات تحقيق جملة أهداف من وراء هذا الاستقبال في إعادة صوغ علاقات دولية جديدة في المنطقة، بنتيجة إبقاء العلاقة مع الأميركيين والبحث عن علاقات استراتيجية أخرى، وكان هذا الخيار قد بدأ من التوتر مع الولايات المتحدة الأميركية، وقف صفقة f35، الصفقات الكبرى مع الصين من خلال شركة هواوي، والاعتماد على اللقاح الصيني في مواجهة فيروس كورونا.

 كان تصريح وزارة الخارجية الأميركية لافتاً للنظر في التعبير عن عدم الموافقة والرفض لاستقبال الأسد، وهي تكرر الموقف التقليدي والثابت في هذا السياق، بينما تعمل السعودية والإمارات وفق استراتيجية كسب الوقت انطلاقاً من عدم الموافقة على الاتفاق النووي، وعلى التخلي الأميركي عن الالتزامات بأمن الحلفاء، وهنا لا بد من الإشارة إلى التقاء المصالح بين دول الخليج وإسرائيل في معارضة المسار الأميركي، وهذا سيؤشر إلى إمكانية تصعيد إسرائيلي مستمر ضد إيران وحلفائها، بينما ينتظر الخليجيون والإسرائيليون موعد الانتخابات النصفية لخسارة الديمقراطيين وفوز الجمهوريين. كل ذلك لا يعني تعزيز موقع الأسد في المعادلة، إنما حمايته من قوى متناقضة سعياً منها وراء حماية مصالحها ودورها وتأثيرها في المنطقة، لكن هذا لن يكون قادراً على إنتاج حلّ سوري قبل الوصول إلى حلّ روسي أميركي يتجلى في الشرق الأوسط، وهنا سيبقى النظام السوري في عجزه المديد.