الأسد حينما يغازل الجميع إلا السوريين

2022.06.13 | 06:45 دمشق

syria-5.jpg
+A
حجم الخط
-A

حملت المقابلة الإعلامية الأخيرة، لرأس النظام، سواء من حيث التوقيت والوسيلة الإعلامية أو من حيث المضمون، جملة رسائل للخارج، بصورة أساسية، تعبّر عن استراتيجية النظام المُعتمدة في السنوات الأربع الأخيرة، والتي تستند إلى الموازنة بين الحليفين الروسي والإيراني، ما أمكن، وعدم السماح بهيمنة أحدهما على الشأن السوري. إلى جانب جس نبض إمكانية فتح قنوات تحالف أخرى، بديلة، أو إضافية، والرهان على بقاء تلك القنوات "حيّة"، حتى لو لم تكن مثمرة، شراءً للوقت، على أمل الوصول إلى اللحظة المناسبة التي يمكن فيها استثمار تلك القنوات، بالفعل. دون أن ننسى، النقطة الأهم، وهي محاولة عدم الانجرار وراء الأجندات الخاصة لأحد الحليفين الرئيسيين، بصورة تهدد المصالح الخاصة للنظام.

بدايةً في التوقيت والوسيلة الإعلامية التي أطلّ من خلالها رأس النظام، بشار الأسد، فقد جاء أساساً لتفنيد النظرية التي راجت مؤخراً، والتي مفادها تراجع النفوذ الروسي في سوريا، لصالح نظيره الإيراني. تلك النظرية التي تحولت إلى ركيزة للجار الأردني كي يلوّح بتصعيد عسكري، تحت عنوان تهديد أمنه القومي من جانب الميليشيات الإيرانية التي باتت على حدوده مباشرةً.

الأسد أراد أن يقول عبر "روسيا اليوم"، للعرب تحديداً، إنه ما يزال على علاقته الوطيدة بموسكو، وما تزال للأخيرة مكانتها وتأثيرها في دمشق

إذ كان لافتاً أن الأسد أطلّ عبر قناة "روسيا اليوم"، قبل أيام من العيد الوطني لروسيا، وأرسل التهاني للشعب الروسي، عبرها، مؤكداً في بداية المقابلة، وفي ختامها، على متانة العلاقة مع الروس. ودون شك، لظهور الأسد على الخدمة العربية لـ "روسيا اليوم"، غاية. إذ تبدو الرسائل التي احتوتها المقابلة موجهة أساساً للمحيط الإقليمي العربي، وربما بصورة أساسية، نحو الأردن ودول الخليج، على أمل تهدئة المخاوف من تصاعد النفوذ الإيراني في البلاد. فالأسد أراد أن يقول عبر "روسيا اليوم"، للعرب تحديداً، إنه ما يزال على علاقته الوطيدة بموسكو، وما تزال للأخيرة مكانتها وتأثيرها في دمشق. فبعض العرب -وهو ما عبّر عنه العاهل الأردني صراحةً قبل أسابيع- كانوا يرون في روسيا، الضامن كي لا تتحول سوريا إلى مساحة صرفة للنشاط الإيراني، دون أي قيدٍ أو رادع. وأراد الأسد أن يوحي في مقابلته بأن دور هذا الضامن ما يزال قائماً.

لكن، ورغم ذلك، كان اتجاه الأسد نحو رفع سقف معيار النصر في الحرب الروسية – الأوكرانية، مؤشرا جلّيا على أنه لا يراهن على الروس بصورة أساسية. فإشارته إلى أنه في حال لم تنتهِ هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي، فإن شيئاً لن يتغير، أياً كانت نتائج الحرب الميدانية، تعني أن الأسد لا يتوقع تغيراً حقيقياً في موازين القوى الدولية، بين الغرب وروسيا. وانطلاقاً من هذه النقطة، جاءت مغازلته الصادمة للعرب، حينما تحدث عن أن الدول العربية، حتى تلك التي سحبت بعثاتها الدبلوماسية، كانت تقف مع سوريا معنوياً، خلال سنوات "الحرب". وذلك يتناقض تماماً مع البروباغندا التي سادت في خطاب النظام خلال السنوات الأولى بعد الثورة والتي حمّل فيها دولاً كـ قطر والسعودية، مسؤولية تمويل "الإرهاب" في سوريا. دون أن ننسى الإشارات السلبية التي كانت تصدر حتى تجاه الأردن والإمارات، في أوقات سابقة، من جانب مسؤولي النظام.

قد يفسّر بعضهم تلك المغازلة للعرب، بأنها استدراج لعروض إعادة الإعمار. لكن الأسد كان أكثر واقعية، حينما تحدث صراحةً عن أن شركات عربية هي التي أبدت رغبتها في المشاركة في إعادة الإعمار، لا دولاً عربية. وأن تلك الشركات ستبقى تخشى سيف العقوبات. مما يعني أن مشاركتها في إعمار البلاد لن تكون نوعية، على المدى القريب أو المتوسط. مما يؤشر إلى أن مغازلة الأسد للعرب تحمل غايات سياسية، أكثر منها اقتصادية. وربما يتوضح ذلك أكثر، في إشاراته إلى خضوع جميع الدول العربية، لضغوط قوى خارجية، بنسب مختلفة، حينما تحدث عن الجامعة العربية. وهو ما يظهر رهان الأسد على هامش الاستقلالية الجلّي الذي تبديه دول عربية، خليجية بالأساس، في سياساتها الخارجية، على غير المعتاد، بعيداً عن الهيمنة الغربية. وهو رهان يظهر تشاركاً في الاستراتيجية، التي تقوم على موازنة العلاقات بين مختلف الأطراف، والبحث عن سبل كي لا تقع دول صغيرة تحت هيمنة حليف محدد، فتصبح أسيرة لأجنداته.

الأسد يعلم، أن العاهل الأردني الذي كان عرّاب مسار التطبيع معه، في الصيف الفائت، انقلب مؤخراً ليروّج للحاجة الملحة للجم النفوذ الإيراني المتصاعد، في الجنوب السوري

وهو ما يحاول الأسد في هذا التوقيت، النجاة منه. فهو لا يريد الوقوع أسيراً لأجندات إيران، بحيث تصبح سوريا ساحة للصراع مع الجار الأردني، أو الطرف الإسرائيلي، بصورة تهدد استقرار وأمن النظام. فالأسد يعلم، أن العاهل الأردني الذي كان عرّاب مسار التطبيع معه، في الصيف الفائت، انقلب مؤخراً ليروّج للحاجة الملحة للجم النفوذ الإيراني المتصاعد، في الجنوب السوري، وصولاً إلى طَرقِ خيارات غير سلمية، في تنفيذ ذلك. هذا السيناريو، يخشى الأسد دون شك تطوره، لذلك سيعمل قدر استطاعته، لعدم خلق مبررات تجعل من تحقق ذلك، أمراً مُحتّماً.

وفي الوقت الذي كان فيه الأسد يغازل روسيا ويغازل العرب، ويرفض أي تدخل في علاقته الخاصة مع إيران، فيرسل لجميع الأطراف الخارجية، تقريباً، رسائل ودّية، فإنه كان يرسل إلى الداخل رسائل يجلّلها البرود وعدم تقدير مدى التدهور المعيشي الذي يعيشه السوريون. ليقول للسوريين بصريح العبارة: لا ترفعوا سقف تطلعاتكم، فلا إعمار، ولا كهرباء، ولا تسويات سياسية مقبلة.