الأسد بين إيران وروسيا.. إما الرحيل وإمّا القتل

2019.03.06 | 23:03 دمشق

+A
حجم الخط
-A

لم يكن مشهد ارتماء رئيس النظام السوري بشار الأسد في الحضن الإيراني، مشهداً بسيطاً أو تفصيلياً. بالتزامن مع احتضانه من قبل خامنئي، كان هناك لقاء يحصل بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. بعض التفاصيل المقبلة ستكون كفيلة بإيضاح الصورة أكثر. إيران تستثمر بشخص الأسد فقط، وروسيا تستثمر بالنظام ومؤسساته، أما واشنطن التي تضغط على الطرفين، على ما يبدو أن موقفها من الأسد لم يتغيّر، بل أصبح ثابتاً أنه وضع على الطاولة بانتظار ثمنه. 

مشهد الأسد في طهران، سيمثّل استثماراً من قبل روسيا، خاصة أنه كان وحيداً، ما يعني أن طهران تحتفظ بشخص الأسد بينما موسكو تحتفظ بكامل "الدولة" السورية. وإذا ما ارتبط هذا المشهد، بجملة أحداث وتطورات حصلت، فيعني أن الأمور تتجه نحو فتح البازار على رأس الأسد، قد لا يفتح البازار سريعاً، ولا منطلق من حسابات عسكرية، بل سياسية بفعل تأثير الضغوط الاقتصادية الأميركية والأوروبية على كل من روسيا وإيران، للوصول إلى حلّ سوري يلائم مختلف القوى، أي حلّ من هذا النوع لا يمكن له أن يسمح للأسد بالبقاء.

الشروط التي كانت مفروضة على الأسد لإعادة فتح أبواب الجامعة العربية أمامه كانت تتلخص بخروجه من العباءة الإيرانية، أما وقد لجأ إلى الاختباء في ظل هذه العباءة، فهذا يعني قرارا حاسما لدى الدولة المناهضة لطهران بأن الأسد غير صالح للتأهيل أو للاستعادة. وهذا لا ينفصل عن التحرك الإسرائيلي الذي سيحصل خلال الفترة المقبلة في سوريا، أولاً لجهة توسيع رقعة العمليات والغارات، والتي ستزداد وتيرتها كلما اقتربت الانتخابات الإسرائيلية وقد تتطور أكثر في مرحلة ما بعد الانتخابات، وهذا يتحدد بناء على الجهة التي ستفوز بهذه الانتخابات. 

المواقف الخليجية جاءت واضحة لرفض التطبيع مع الأسد وإقفال أبواب إعادته إلى الجامعة العربية

وما هو ليس تفصيلاً أيضاً، هي الجولة التي أجراها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى دول الخليج، بعد لقاء نتنياهو بوتين، والمواقف الخليجية جاءت واضحة لرفض التطبيع مع الأسد وإقفال أبواب إعادته إلى الجامعة العربية. وهذا كلّه يرتبط بجملة تحركات أميركية ستحصل، وهي في إطار التحضير للمرحلة المقبلة. وقد بدأت بطي صفحة الانسحاب الأميركي الكامل من شرق سوريا، مع تعزيز هذا الوجود بإجراءات قاسية لن تحمل أي تغيير دراماتيكي الطابع. بل طويلة الأمد. وربما تحضيراً للانتخابات الرئاسية التي ستحصل سنة 2021.

كلام لافروف من السعودية حيث قال إنه جرى التوصل بين موسكو والرياض إلى تفاهم بشأن جميع الموضوعات الرئيسية في الأزمة السورية. يعدّ دليلاً بارزاً على مدى التوافق الروسي الأميركي حيال الوضع السوري، خاصة أن روسيا وإيران دخلتا في مجال المنافسة بينهما حول من يتمكن من السيطرة أكثر على مفاصل القرار السوري، وبما أن موسكو لا تريد الدخول في مواجهة مباشرة مع طهران في سوريا، فلا بد لها من منح الغطاء للضربات الإسرائيلية، والتي تتوازى مع حراك أميركي أصبح واضحاً.

ستستمر أميركا بالضغط أكثر فأكثر على النظام السوري، وذلك لضربه أمام حاضنته الشعبية، وهذا لا ينفصل عن أزمات الكهرباء، الغاز، والماوزت التي تعاني منها بيئة النظام الاجتماعية، هذا المسار الطويل الأمد، سيكون مرتبطاً بملف إعادة اللاجئين، والذين تراهن عليهم أميركا إلى حدّ بعيد في تغيير أي معادلة انتخابية في المستقبل بعد الاتفاق على الحلّ السياسي، وبالتالي سيكونون الحصان الرابح في إسقاط رئاسة بشار الأسد، خاصة أن أي انتخابات ستحصل ستكون خاضعة لمراقبة دولية شديدة، وسيخوضها مرشحون معارضون حقيقيون وجديون لمواجهة الأسد، الذي سيجبر على فتح باب الترشح وتأمين حرية الدعاية الانتخابية وصولاً إلى حرّية الاقتراع، هذا وفق النظرة الأميركية للأحداث. بناء على توافق أميركي روسي، يجنّب روسيا الحرج من التخلي عن الأسد، وإحالة إزاحته إلى الانتخابات.

كل المعطيات تؤشر إلى أن القضية السورية ستكون ممتدة إلى سنوات متواصلة، إذ ليس هناك ما يوحي بخطوات سريعة، لكن الأساس هو أن الأميركيين سيبقون في سوريا وخاصة على الحدود السورية العراقية، ربطاً بمنع النظام من الدخول إلى الشرق السوري وتحديداً مناطق وحدات حماية الشعب الكردي، وهذا يرتبط بإجراءات أميركية جديدة ستحصل، من خلال مطالبة مصر بمنع مرور السفن الإيرانية من العبور في قناة السويس، خلال توجهها إلى سوريا، وهذا يؤشر إلى التصعيد الأميركي الكبير حول الملف السوري، لا سيما أن الضغط الأميركي ازداد في الفترة الأخيرة على مصر لسحب مسألة إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية من التداول.

عند توفر البديل أو بروز الاتفاق الذي يسعى الإسرائيليون إلى تحقيقه من خلال الأميركيين والروس، فإن الأسد سيكون قد بدأ بشدّ أحزمته للرحيل

تحوّل بشار الأسد إلى عبء على كل الدول، الحليفة والمخاصمة له، فهو عبء على روسيا بسبب علاقاته بالإيرانيين، وعبء على الأميركيين على الرغم من أن أسباب بقائه ترتبط بتوفير أمن إسرائيل وتأكيد الإسرائيليين بأنه لن يكون بالإمكان المجيء بأفضل من آل الأسد لتوفير حماية الحدود، لكن عند توفر البديل أو بروز الاتفاق الذي يسعى الإسرائيليون إلى تحقيقه من خلال الأميركيين والروس، فإن الأسد سيكون قد بدأ بشدّ أحزمته للرحيل.

التبارز الإيراني الروسي حول الأسد سيبقى مستمراً، وهو سيجد نفسه أمام خيار من اثنين، إما الاستمرار بالعلاقة مع الإيراني وهذه ستكلّفه سياسياً، أو أن يبدأ الخروج من العباءة الإيرانية تباعاً لإرضاء روسيا وبحثاً عن مكسب، لكن ذلك سيكلّفه حياته، التي ستنهى برصاصة إيرانية.