"الأسد المقامر" والأرملة السوداء

2021.12.10 | 04:39 دمشق

karykatyr.jpg
+A
حجم الخط
-A

شاهدنا جميعاً منذ ما يقرب من شهرين، تهافت دول عربية (خليجية) نحو إعادة جذب و"برمجة" نظام بشار الأسد، بما يتماهى مع السياسات الجديدة لمعظم دول المنطقة التي أخذت (سياساتها) منحىً براغماتياً، لكن هذه المرة، بحسب أهواء واشنطن ومتطلباتها، ومصالحها في الشرق الأوسط؛ على وجه التحديد عقب انسحابها من أفغانستان بعد وجود عسكري دام عشرين عاماً.

لذا، يبدو أن تراكض "دول" مثل البحرين، والأردن، والإمارات العربية المتحدة - والأخيرة لن تغلق باب التطبيع مع نظام الأسد خلفها، سيضغط على السعودية كي تنضم إلى الركب، في محاولة دعم موقف جاراتها، من باب توافق المصالح، لدرء الخطر الإيراني، الذي بات واضحاً، وقد يدخل من الخاصرة الخليجية السعودية، عن طريق الميليشيات الحوثية في اليمن، التي تعتبر ذراعاً صلبة لإيران.. حيث تتشارك الرياض مع صنعاء حدوداً برية بطول 1500 كيلومتر، لربما تستحيل إلى طوق نار، وتهديد مباشر لأمن الرياض وباقي دول الخليج.

كل هذه المعطيات والعوامل السياسية أو العسكرية، تفضي من جانب مهم إلى انتشال نظام الأسد من حضن إيران، وجلبه إلى الحظيرة العربية، ومن جانب آخر، قد يتساءل البعض: لماذا كل هذا الاهتمام بنظام فاقد للشرعية -دولياً، علاوة على انتهاكاته وإجرامه بحق السوريين، خلال عقد من الزمن؟ الإجابة تكمن في عقدة المنشار، ما تسمى "إسرائيل"، التي استطاعت الحصول على مكاسب عديدة، إبان ولاية رئيس الولايات المتحدة "دونالد ترامب"، آنذاك، سجّل الأخير لــ"تل أبيب" أهدافاً لم تكن باستطاعتها تسديدها بشكل دقيق، منها إعلان أن القدس عاصمة لإسرائيل في السادس من كانون الأول عام 2017، أي بعد انتهاء القمة العربية الثامنة والعشرين (مؤتمر البحر الميت) في الأردن بتاريخ الـ29 من آذار من العام نفسه، حيث كان الملف الفلسطيني في المقام الأول كما هو مزعوم في تلك القمة! وأيضاً، جاء هذا الاعتراف غير الشرعي والذي يعتبر مخالفاً للقوانين الدولية، أمام أعين رجالات "محور الممانعة والمقاومة"، لا سيما أن واشنطن هي وسيط محايد في مفاوضات السلام، وليس لها الحق باتخاذ قرارات تاريخية والتلاعب بمصائر الفلسطينيين. والهدف الثاني، كان في تاريخ الـ25 من آذار من عام 2019، عندما وقّع ترامب في واشنطن إعلان اعتراف الولايات المتحدة أن هضبة الجولان السورية جزء من إسرائيل، بعد ذلك، خلع بشار الأسد حذاء العدّاء المقاوم، واعتمر قبعة المهادنة والمفاوضات مع "دويلات" طبّعت مع إسرائيل! وعليه، تتالت الأهداف، لتمزّق الشبكة العربية، عبر "كرة صهيونية" وحكم أميركي يعطي ركلات جزاء محققة النجاح، أمام مرمى فارغ، بلا حارس، ولا حتى "قوائم" قد تتصدّى للركلات مصادفةً عوضاً عن الزعماء العرب، واعتراضهم على القرارات المجحفة بحق قضايا الشعوب العربية والإسلامية!

سوريا الآن، غارقة حتى ناصيتها في دوامة اقتصادية وحرب دموية متجددة، ولن تنجو حتماً في المستقبل القريب، وهذا ليس تشاؤماً، بل نتاج وحصيلة كارثة إنسانية شارك فيها المجتمع الدولي مع الطاغية بشار الأسد

أما عن "سوريا الأسد"، كما يسمّيها "فتى البلازما" وتاجر "الكبتاجون" حسن نصر الله، فما من داعٍ للإشارة إلى وضعها، بشقيه: الاقتصادي والسياسي، فضلاً عن الوضع العسكري، الذي بات أنقاضاً ومن الماضي مثل تاريخ "محور المقاومة".

سوريا الآن، غارقة حتى ناصيتها في دوامة اقتصادية وحرب دموية متجددة، ولن تنجو حتماً في المستقبل القريب، وهذا ليس تشاؤماً، بل نتاج وحصيلة كارثة إنسانية شارك فيها المجتمع الدولي مع الطاغية بشار الأسد!  ولم تأتِ هذه الكارثة بسبب "المؤامرة الكونية، أو "عقوبات قيصر" كما يدّعي نظام الأسد وإعلاميو حزب البعث، بل إن ما جرف سوريا إلى هذا المستنقع هو الصمت المطبق على المقتلة التاريخية، التي ارتكبها نظام شمولي واستبدادي، لا يفهم بلغة الحوار، أو احترام القوانين الدولية والإنسانية؛ إذ إن عشر سنين من القتل والتدمير، والتهجير، ورهن البلاد في قبضة دول استعمارية وطائفية شاركت بقتل السوريين، هي بالطبع كفيلة بجعل أي دولة متطورة ومزدهرة تتقهقر لتصل إلى الحضيض، على كل المستويات، وأهمّها المستوى الاقتصادي.

 لم يعد يجدي نفعاً أن يتأمل السوريون بإقصاء بشار الأسد من قبل الدول الكبرى، أو بقرار شجاع وتاريخي من قبل إدارة بايدن، لكن الحل الوحيد، هو انتظار "الأرملة السوداء" (أنثى العنكبوت السامة) المتمثلة إما في إيران، أو روسيا، لتفترس عنكبوتها الذي نسج بيتاً دقيقاً ودهاليز متشعبة ومغلقة، يتيه فيها كبار صائدي الفرائس والفرص من سياسيي ودبلوماسي العالم! نعم، ليس لأن العنكبوت الوريث (بشار الأسد) ماهراً في النسيج، إنما لاعتبارات جيوسياسية تخص سوريا، وموقعها الحسّاس، القريب من كلمة السرّ الخطيرة في المنطقة، ألا وهي "إسرائيل" التي يحاول قادة من الأمتين العربية والإسلامية في الوقت الراهن التقرّب من حاخاماتها، أو إن صح التعبير، تكون علاقاتهم فيها مثل الزواج الكاثوليكي: لا طلاق حتى الممات!