icon
التغطية الحية

الأزمات الاقتصادية والاجتماعية "مشنقة" تجذب السوريين إليها

2021.12.16 | 05:57 دمشق

unnamed.jpg
إسطنبول ـ يامن مغربي
+A
حجم الخط
-A

"الإنسان لا يفكر بالانتحار لوقت طويل، الفكرة وليدة لحظة ضمن ضغوط اقتصادية واجتماعية".

بدأت رشا (اسم مستعار- 27 عاماً) إجاباتها على أسئلة موقع تلفزيون سوريا بهذه العبارة لتروي تجربتها عندما حاولت الانتحار في العاصمة السورية دمشق العام الماضي 2020.

تجربة رشا التي جاءت كما تقول نتيجة ضغوط اقتصادية واجتماعية، تشكل حالة من عشرات الحالات في سوريا وتحديداً في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، والتي تتعرض بدورها لظروف اقتصادية صعبة للغاية، عقب انهيار قيمة الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي، وارتفاع أسعار المواد الغذائية وقلة فرص العمل، عدا عن التغييرات والضغوط الاجتماعية خلال سنوات طويلة من الحرب في سوريا.

أوضاع اقتصادية واجتماعية سيئة

وأضافت رشا أن الحالة المادية السيئة والعمل والدراسة، كانت كافية للتفكير بالانتحار، خاصة مع  وجود إحباطات من أكثر من جهة، ورغم كل الألم  لم تراجع طبيبا نفسيا بسبب الكلفة المالية إذ يحتاج الأمر لعدد كبير من الجلسات.

ولا تعد رشا وحدها ضحية الأوضاع الاقتصادية السيئة والأوضاع الاجتماعية المعقدة في سوريا، إذ هناك قصة أخرى لشاب سوري حاول الانتحار خلال العام الحالي 2021.

وقال أحمد 28 عاماً لموقع تلفزيون سوريا، إنه كان محطماً على كل الصعد اقتصادياً واجتماعياً بحسب وصفه، فلا فرص عمل حقيقية ولا أمل بالمستقبل، عدا العلاقة السيئة مع أهله.

وتابع "حاولت الانتحار عدة مرات، لأسباب اجتماعية ومرضية، لم تأت الخطوة بين ليلة وضحاها، دائماً ما أفكر بالموت".

وأضاف أحمد أن التجربة كانت قاسية للغاية ولا يتمنى لأي أحد أن يقدم على هذا الأمر، لكنه يشير إلى أن التجربة  أدت إلى زيادة اهتمام والده به، كذلك محيطه القريب، ومع ذلك فهو مقتنع تماماً أنها ليست الطريقة الأمثل للفت الانتباه.

وتشير الاستشارية النفسية والإكلينيكية، تحرير صافي، إلى أن عدداً من الحالات التي تحاول الانتحار، وخاصةً بين صفوف المراهقين يكون الهدف منها هو جذب الانتباه من عائلته ومحيطه.

وأضافت عوض أنه في أي مكان، بما في ذلك سوريا، إن لم يتوفر للشخص الشعور بالأمان المعنوي والمادي أصبح تفكير الإنسان "خارج الفطرة البشرية"، عبر الأمان المادي (توفر مقومات الحياة من هواء وماء وطعام ونوم مريح وسكن والأشياء الفيزيولوجية الأخرى).

والأمان المعنوي هو أن يشعر الفرد بأنه "ينتمي إلى بيئة صحية وشخص لديه تقدير لذاته من داخله ومن خلال الآخرين وتحقيق أحلامه وذاته كإنسان حرّ، دون هذا الهرم وإن لم تتوفر هذه الاحتياجات الأساسية في سوريا أو غيرها يدخل الشخص في دوامة الاضطرابات التي تكون نتيجتها  مشاعر سلبية وأفكار مشوهة وبالتالي غياب التوازن الداخلي والتفكير الصحي وبالتالي التفكير بآليات دفاع معينة للتخلص من التعب" وفق عوض.

وكشف المدير العام للهيئة العامة للطب الشرعي التابع لحكومة الأسد زاهر حجو، عن تسجيل 80 حالة انتحار في مناطق سيطرة النظام خلال العام الحالي، أكثر من نصفها كانت بشنق المنتحر نفسه، وذلك في حديث مع صحيفة "الوطن" المقربة من النظام السوري، في حزيران الماضي.

هذه الإحصائية تظهر بشكل مباشر تزايد اليأس والاكتئاب في صفوف السوريين، وهما مشكلتان تتصلان بالإقدام على الانتحار بشكل مباشر.

من جهته قال استشاري الطب النفسي العام والعلاج النفسي للأطفال والمراهقين ورئيس الجمعية السورية للصحة النفسية (سمح)، ملهم الحراكي لموقع تلفزيون سوريا إن الظروف الحالية في سوريا "تلعب دوراً محرضاً على الانتحار وخاصة في انعدام ظروف العمل وانتشار الفقر والظروف السياسية وغياب العدالة والمساواة، كل هذه الأمور تدفع الشخص للعجز والاكتئاب الشديد" بحسب رأيه.

وكانت منظمة الأغذية والزراعة (fao) التابعة للأمم المتحدة، قد ذكرت في شهر آذار الماضي أن سوريا تواجه مخاطر "انعدام الأمن الغذائي"، فيما قدّر مارتن غريفيث مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، في 28 من تشرين الأول الماضي، أعداد السكّان في سوريا الذين يعيشون تحت خط الفقر بأكثر من 90 في المئة.

دوامة الاكتئاب

خاض حسام تجربة الانتحار بعد علاقة حب رفضها الأهل، وهو ما أدى إلى دخوله في دوامة من الاكتئاب أقدم على الانتحار على أثرها، وذلك بابتلاعه لعدد من حبوب الأدوية التي لم تكن كافية ليموت، مشيراً إلى خوف أهله  كثيراً ومعاناته  من الإقياء، نقل إلى المستشفى وهناك تدبر أهله الأمر مع الأطباء لعدم الإبلاغ عن الحالة.

ووفق دراسة نشرها "مركز الحوار السوري" في شهر نيسان الماضي، فإن  “مجتمعات ما بعد الصراع” تظهر فيها أسباب إضافية أكثر وضوحاً، حيث يقترن السلوك الانتحاري كثيراً بالنزاعات والكوارث والعنف وسوء المعاملة، أو الفقدان والشعور بالعزلة، كما أن معدلات الانتحار تتزايد بين الفئات المستضعفة التي تعاني من التمييز مثل اللاجئين والمهاجرين، لاسيما وأن مثل تلك الظروف تتسبب في زيادة الضغط النفسي نتيجة التعرض للصدمات أو الإصابات أو الظروف القاسية" بحسب ما ورد في التقرير.

ماذا يقول الطب النفسي؟

وفقاً للاستشارية النفسية والإكلينيكية، تحرير صافي، فإنه عندما نتحدث عن الانتحار، فهناك أسباب وحياة مليئة بالضغط أو العنف أو الشعور بالوحدة وعدم الاهتمام من قبل الآخرين والاغتراب، وعدم فهم الآخرين له، وهذه أول المراحل التي يبدأ فيها الإنسان بالتفكير بالانتحار.

وتضيف عوض أن  فكرة الانتحار تأتي على مراحل، في البداية تكون المرحلة مليئة بالاضطرابات النفسية وفكرية، وتكون النظرة للذات والمجتمع والماضي مليئة "بالمأساة" فيما تكون النظرة إلى المستقبل سوداوية، يحاول المريض النجاة من الضغوط الموجودة في داخله أو الخارجية، وتختلف المحاولات من شخص لآخر بحسب خبرته وأفكاره ومعتقداته، العمر يلعب دوراً أيضاً، لأن فترة الطفولة تختلف عن المراهقة وعن مرحلة النضج، أفكاره عن الحياة والموت تتعلق بالبنية المعرفية والرواسخ لدى الفرد والتي تختلف من شخص لآخر.

لكن يصل حتماً للمحاولات في البداية لجذب الانتباه في البداية ليجد من يعتني به أو ليتخلص من العنف مثلاً، لكن اتخاذ القرار يعني وصوله لمرحلة يائسة تماماً والتي تمثل له الخلاص من الأوضاع التي يعيشها، وفق عوض.

من جهته قال استشاري الطب النفسي العام، ملهم الحراكي، لموقع تلفزيون سوريا إن خطوة الإقدام على الانتحار تترافق مع شعور باليأس والحزن والعجز الشديد، خاصةً أنه في بعض الأحيان يمر الفرد بمرحلة من الاكتئاب الشديد لمرحلة يصعب على الشخص السيطرة عليها، وفق الحراكي.

الوقاية خير من العلاج.. ما هي الخطوات؟

يلعب محيط الفرد دوراً كبيراً في حمايته من الوصول إلى مرحلة الإقدام على الانتحار، خاصةً مع ملاحظة أعراض الاكتئاب، ويشير الحراكي في هذه النقطة إلى الدور الكبير للأهل والأصدقاء في الوقاية من إقدام الفرد على الانتحار، وذلك عبر الحديث معه وعرض المساعدة والتعاطف معه دون منحه نصائح مطولة أو اللوم والعتب.

من جهتها قالت "تحرير صافي" لموقع تلفزيون سوريا إن وصول الإنسان إلى الدرجة التي يقدم فيها على الانتحار يعني أنه في الأساس يعيش في بيئة غير صحية، والبيئة الصحية هي ما يتوفر فيها الوقاية، لذا فأفضل ما يمكن فعله في الحالات التي أقدمت على الانتحار ونجت من الموت هو التوجه لمختص نفسي للحصول على هذه البيئة الصحية، لتعديل البيئة المعرفية وطريقة التفكير المنطقية والبعد عن التفكير العاطفي، إذ يكون الشخص في هذه الحالة قد حبس نفسه في قوقعة من المشاعر السلبية التي تعطي نظرة سوداوية للمحيط والحياة، وتعليمه كيفية حل مشكلات الحياة ومواجهتها بطريقة صحية بحسب الظروف القائمة واكتساب الصلابة النفسية.

على مستوى  الأطفال يجب حمايتهم من العنف، لا يمكن القول إنني أريد حمايته من الانتحار وبالوقت نفسه يعيش الطفل تحت العنف سواء في المجتمع أو المدرسة أو العائلة أو الدولة.