سلطت صحيفة إيرانية معروفة بتوجهاتها الإصلاحية، الضوء على الصراع والتنافس الداخلي المتصاعد بين التيارات الاقتصادية الحاكمة في سوريا والمرتبطة بالنظام في دمشق.
صحيفة "آرمان امروز" التي انطلقت عام 2005 بدعم من هاشمي رفسنجاني -الرئيس الإيراني السابق- ولاقت مطبات عديدة تمثّلت بتوقيفها عدة مرات خلال مسيرتها، أشارت في تقريرٍ إلى تحولات جوهرية في توازن القوى بين الفصائل المختلفة، لا سيما بين الفصيل المقرب من إيران (عائلة مخلوف) والفصيل المقرب من الإمارات (عائلة الأخرس).
وبيّنت الصحيفة أن هذه التحولات كان لها انعكاسات أمنية خطيرة واقتصادية كبيرة، حيث شهدت سوريا انتقالاً من هيمنة الشركات المرتبطة بإيران إلى سيطرة الشركات المرتبطة بالإمارات، مما يوحي بأن هذه التطورات تشير إلى تراجع نفوذ إيران على حساب تعزيز نفوذ الإمارات في سوريا بوتيرة حذرة ومتأنية.
وبحسب الصحيفة، فإنّ التغيرات الاقتصادية جاءت أيضاً مصحوبة باختراقات أمنية، حيث أقيل عدد من المسؤولين السوريين على خلفية اغتيال قياديين في "محور المقاومة"، مما يشير إلى وجود اختراقات أمنية خطيرة.
وفي مقدمة تقريرها، الذي ترجمه تحريرياً موقع تلفزيون سوريا، أفادت صحيفة "آرمان امروز"، بأنّ حكومة النظام السوري لديها مسؤوليات في البنية والهياكل السياسية لدمشق، وتواجه حالياً الكثير من المصاعب والعقبات والتحديات.
وأشارت الصحيفة إلى أنّ "حزب البعث يتولّى السلطة في دمشق منذ عقود، لكن يبدو أنهم يسعون في الدرجة الأولى إلى ترسيخ السلطة السياسية، حتى يتمكنوا بعد ذلك من استعادة سيادة البلاد، موضحة أن تحقيق هذه القضية لن يكون سهلاً".
وأكّدت الصحيفة أنّ "الدول الأجنبية ستكون اليوم بمثابة عوائق كما في السنوات السابقة، وفي النهاية ستواجه الحكومة المركزية في سوريا أزمات وتحديات جديدة".
تنافس بين عائلتي الأسد (الأم والزوجة)
وأوضحت "آرمان امروز" أنّ أوّل علامة على تحوّل السلطة في دمشق كانت قبل عامين، عندما حدثت منافسة جديدة بعد اغتيال قاسم سليماني بين عائلتين مؤثرتين اقتصادياً في سوريا، تنافس عائلة "مخلوف" المقربة من والدة بشار (أنيسة مخلوف) وإيران، مع عائلة "الأخرس" المقربة من زوجة بشار والإمارات.
وأضافت الصحيفة، أنّه في ذلك الوقت صادرت حكومة النظام ممتلكات ابن عم بشار (رامي مخلوف)، مالك شركة سيرياتل، وبدلاً من ذلك هيّأت الأساس والأرضية للإمبراطورية الاقتصادية لشقيق زوجة بشار الأسد (فراس الأخرس) وشريكه (ناجي عطري)، العملاء المقرّبين من حكومة الإمارات العربية المتحدة.
وتطرّقت الصحيفة للإشارة إلى أنّ "هذه التغييرات وصلت إلى قمة الجيش السوري وجهاز المخابرات السوري، إلى درجة أنه كانت هناك تقارير في العام الفائت عن اجتماع سري جرى بين بعض المسؤولين السوريين والإسرائيليين".
وفي ذات الإطار، اعتبرت الصحيفة زيارة بشار الأسد إلى الإمارات، وهي أوّل رحلة له إلى دولة عربية بعد انطلاق الثورة السورية، بعد افتتاح السفارة الإسرائيلية في أبو ظبي، أنها تأتي على ذات المسار الذي يهدف إلى تقوية وعودة الفصيل الرجعي العربي إلى السلطة في سوريا.
وأضافت أنّه من الواضح أن الإمارات تلعب بثلاث أوراق: "عقود إعادة إعمار الدمار الذي خلفته الحرب، وضبط المسلحين، وعودة سوريا إلى الجامعة العربية"، مقابل أن يضغط بشار الأسد على إيران لمغادرة سوريا.
وفي ذات الوقت، بيّنت الصحيفة الإيرانية أنّ إمدادات الوقود إلى سوريا من إيران وبعض القضايا الخاصة والحساسة مثل ضغط تركيا والأكراد على الحكومة المركزية، جعل هذه القضية تمضي مع المزيد من الخوف والحذر.
تغيرات اقتصادية مصحوبة باختراقات أمنية
وعبّرت الصحيفة الإيرانية في تقريرها عن استغرابها من عمليات الاغتيال المتكررة لقادة "محور المقاومة" في سوريا، والتي وصفتها بأنها تأتي متداخلة مع تكهنات شبه مؤكدة حول تأثير المحادثات والاتصالات المتشابكة والسرية، متسائلةً: كيف يمكن أن يكون مستوى التغطية والسرية والتنسيق بين القوات الحليفة في سوريا متدنياً إلى هذا الحد؟
وفي هذا الصدد، أكّدت الصحيفة أن إحدى النقاط المثيرة للاهتمام التي يجب ملاحظتها هنا هي التنافس بين عائلتي أم وزوجة بشار الأسد.
وأوضحت أنه قبل وصول الفصيل المقرّب من الإمارات إلى السلطة، كانت شركة سيريتل التي يديرها رامي مخلوف، الحليف الموثوق لـ"محور المقاومة"، بمثابة فرع لشركة MTN كمشغّل الهاتف المحمول الرئيسي في سوريا، لكن مع آلية تقاسم السلطة الجديدة، أطاح بشار الأسد برامي مخلوف، وفقدت "المقاومة" عملياً "السيطرة على أمن خطوط الاتصالات" في سوريا، بحسب وصفها.
وتابعت: "في النهاية قد تكون الضغوط الاقتصادية وخسارة قيمة العملة السورية هي السبب وراء تراجع وأفول عائلة مخلوف المقربة من إيران، في مقابل تعزيز حظوظ شركات مثل (تكامل) و(الإمبراطورية المالية لأفراد عائلة أسماء الأسد)".
وشدّدت الصحيفة على أنه لا يمكن تجاهل الارتباطات الأمنية هنا، لأنه، خلال اغتيال (العميد رضي موسوي) واحتجاج إيران القوي على الاختراق الإسرائيلي إلى مستويات السلطة العليا للحكومة السورية، تم التعرف إلى عدد من المسؤولين رفيعي المستوى في دمشق وكشفهم وإقالتهم.
وعزت الصحيفة، الحضور السريع والمذعور لوزير الخارجية السوري إلى السفارة الإيرانية في دمشق بعد الهجوم الإسرائيلي، إلى خوف السوريين من "انتقام إيران وتدخلها المستقل في التعامل مع المتسللين والعملاء في سوريا نفسها".
وبيّنت أن بدلاء عائلة مخلوف في النظام الاقتصادي السوري حالياً هم فراس الأخرس -شقيق زوجة بشار- صاحب شركة الخليج الهندسية للنفط في دبي، ومهند الدباغ -ابن خالة أسماء- وصاحب شركة "تكامل"، وشريكهم الآخر ناجي عطري -رئيس الوزراء السابق- الذين يعتبرون مقربين من دبي ومعارضين لإيران.
في ختام حديثها، أفادت صحيفة "آرمان امروز" أنّ الأحداث والتغييرات التي تجري في سوريا تكررت مع إيران في العراق أيضاً، مبيّنة أن ما حققته إيران في المجال العسكري يضيع بسبب ضعف الدبلوماسية الاقتصادية والمواجهات السياسية.