icon
التغطية الحية

الأثاث المنزلي.. حلم من أحلام السوريين

2022.07.28 | 06:41 دمشق

مفروشات مستعملة
سوق المستعمل للمفروشات في دمشق
دمشق - جنى نجار
+A
حجم الخط
-A

تتفاقم الأزمة الاقتصادية في سوريا هذه الأيام لتطول كل شيء، فلم يعد من السهل الآن الحصول على أبسط مقومات العيش، حالة من الجنون في الأسعار تشهدها الأسواق السورية بشكل عام، ومن أبرزها أسعار الأثاث المنزلي، الذي يعتبر حاجة أساسية في كل منزل.

تتفاوت أسعار الأثاث بين عام وآخر فمنذ عام 2019، بدأت تشهد ارتفاعاً كبيراً عن الأعوام التي سبقته لتصل في هذا العام إلى مستويات من الصعب على الفرد في سوريا وضمن الدخل الذي يحصل عليه أن يحلم باقتنائها.

كيف يقتني السوريون أثاث منازلهم

تختلف المقدرة الشرائية في المجتمع السوري بحسب الطبقة التي ينتمي إليها الفرد، حيث نتجت عن الحرب طبقتان شديدتا التناقض إحداهما فاحشة الثراء بأموال ذات مصادر مشبوهة في حين اختفت الطبقة المتوسطة لتنضم إلى الطبقة الأقل مالاً والتي تعيش تحت خط الفقر الذي تجاوز الـ90٪، بحسب إحصائيات صدرت أخيراً عن منظمة الأمم المتحدة.

وبما أن الغالبية هم من الطبقة الأقل دخلاً وضعفاً في القدرة الشرائية، بات اقتناء الأثاث المنزلي مشكلة تعترض طريق الكثيرين في محاولتهم للاستقرار أو الزواج أو الحصول على أقل الخدمات في حياتهم.

يتحدث "سمير" وهو شاب في الثامنة والثلاثين عن ذلك قائلاً: "منذ سنتين أحاول ادخار مبلغ من المال لتأمين أثاث لمنزلي، إلا أن الأسعار في تصاعد مستمر، إذا أردت شراء جميع المستلزمات المنزلية جديدة فذلك سيكلفني عشرة ملايين ليرة سوريّة على أقل تقدير، وهذا مبلغ لا يمكن أن أجمعه من عملي".

طبعاً هذا إذا اعتبرنا أن المنزل موجود ولكن في أغلب الأوقات يستأجر الأشخاص المُقبلون على الزواج أو الذين يسعون إلى الاستقرار منازلهم بسعر ليس بقليل أيضاً مع انعدام القدرة على شراء المنازل بسبب غلاء العقارات الكبير.

وبحسب أصحاب صالات المفروشات يُكلّف عفش المنزل هذه الأيام ويشمل فقد غرفة النوم والمعيشة (الصالون) ما لا يقل عن خمسة ملايين ليرة، يطلعنا "أبو أحمد" وهو صاحب ورشة لصناعة المفروشات في ريف دمشق على الأسعار قائلاً: "تبدأ أسعار غرفة المعيشة من 700 ألف ليرة وهو النوع الأسوأ، وصولاً إلى 10 ملايين ليرة وذلك بحسب الجودة، وتعتبر الغرفة الأقل سعراً أقل عمراً فهي لا تُصنع بحرفية كبيرة والخشب الذي تُصنع منه غالباً ما يكون غير جيد أو مستعملاً، في حين ترتفع الجودة كلما ارتفع السعر، ولهذا السبب فإنني لا أعمل في تصنيع هذا النوع من الغرف باهظة الثمن ذات الجودة العالية إلا بحسب الطلب".

وفي جولة صغيرة على صالات المفروشات يتبيّن أن هذه الغرف والتي تكلّف مبلغاً كبيراً بالنسبة لدخل المواطن مصنوعة كيفما اتفق، فلا القياسات دقيقة ولا الخشب يحتمل الأوزان أو الحركة، وغالباً ما يلجأ المواطنون إلى اقتنائها نظراً لانخفاض سعرها أمام غيرها، بعضهم يشتري قطعة واحدة أو قطعتين، فقط لتعبئة المكان وتحقيق الخدمة من وجودها.

وتأتي الطاولات الصغيرة والمتوسطة الحجم أو الكبيرة مع "طقم الصالون" وتُحسب أسعارها بشكل منفصل من 150 ألف ليرة للطاولات الصغيرة وصولاً إلى مليون ونصف مليون ليرة بحسب القياس و الجودة، في حين تكلف غرفة النوم أيضاً مبلغاً طائلاً فالتخت المفرد الجيد يبلغ سعره 500 ألف ليرة، وتبلغ كلفة الخزانة والتواليت بأقل تقدير مليوناً ونصف المليون إلى مليوني ليرة.

الأدوات الكهربائية وأسعارها

تبدأ أسعار البرادات من 800 ألف وتستمر في الارتفاع بحسب العلامة التجارية والتصميم حيث يصل سعر البراد ذي بابين إلى خمسة وستة ملايين، وكذلك الأمر ينطبق على الغسالات فالماركات الجيدة تبدأ من مليوني ليرة إلى ثلاثة في حين تُباع الغسالة ذات الحوضين بسعر أقل ما بين الـ500 ألف والمليون، وتتراوح أسعار أفران الغاز بين 500 ألف ليرة والمليونين وثلاثة ملايين.

غالباً ما تستغني معظم العائلات عن بعض الأثاث فالغاز الأرضي الصغير يحل محل الفرن، والغسالات ذات الحوضين عوضاً عن الأوتوماتيك، في حين تلجأ بعض العائلات إلى الاستغناء عن هذه الأدوات جميعها، فيغسلون ثيابهم يدوياً، ويستخدمون غازاً صغيراً للطبخ وغيره "كالببور" الذي يعمل على الكاز والذي أصبح أداة ضرورية موجودة في كل منزل تقريباً ويستخدمون الفرشات الإسفنجية للنوم والجلوس.

اقرأ أيضاً: مع استمرار تقنين الكهرباء.. كم كلفة صيانة الأدوات المنزلية المُعطلة

تتحدث "سمر" والتي تزوجت في أوائل العام الحالي عن كلفة أثاث منزلها مع زوجها: "لم نستطع شراء جميع المستلزمات، اكتفينا بتخت وخزانة من القماش، بالإضافة إلى غسالة وبراد صغير من سوق المستعمل، وغرفة معيشة مؤلفة من ثلاث قطع صغيرة، كانت كلفتها مجتمعة مليونين ونصف المليون".

سوق المستعمل

في الوقت الذي يشهد فيه سوق الأثاث المنزلي الجديد ركوداً، ينشط سوق المستعمل بشكل أكبر نظراً لإمكانية الشراء منه بسبب انخفاض أسعاره، هناك محال تجارية كثيرة بدأت في السنوات الأخيرة تعمل على بيع قطع وأدوات المستعملة، ولكن حتى هذا السوق لا تعتبر أسعاره ملائمة للغالبية، فهي لا تشكل توازناً مع دخل الأفراد ومقدرتهم الشرائية.

تبدأ الأسعار في هذا السوق من 150 ألفاً للتخت و400 ألف للخزانة، بالنسبة لغرف النوم أيضاً تلعب الجودة والنوعية دوراً في تحديد السعر، أما غرفة المعيشة فأقلها يبلغ سعرها 600 ألف، في حين تباع الغسالات المستعملة بـ450 ألفاً وما فوق بحسب نوعها، والبرادات كذلك الأمر، الأفران تبدأ من 250 ألفاً وترتفع لتصل إلى الثمانمئة ألف والمليون بحسب نوعها.

"فيصل" شاب يعمل في أحد محال بيع المستعمل تحدث لـ موقع تلفزيون سوريا عن ذلك قائلاً: "معظم العائلات تتجه إلى سوق المستعمل عند شرائها، والأسعار حتى هنا مرتفعة لا تناسب الكثيرين، أصحاب المحال في سعي دائم للمضاربة على بعضهم في الأسعار، والغالبية تقوم بإعادة صيانة الأدوات والقطع قبل بيعها من جديد ورفع سعرها لتقارب السوق العادي".

من ناحية أُخرى تنتشر عملية صناعة الأثاث يدوياً في السنوات الأخيرة، حيث يتم شراء الخشب "طبليات" وصناعته يدوياً لغرفة المعيشة ويتم تركيبه بالطريقة التي تناسب صاحبه، وهنا لدى الشخص المقدرة على تحديد الحجم والكمية التي يريدها، ومن ثم يشتري الإسفنج ويضع عليه قماشاً بحسب المقدرة المالية وبهذا يكون قد صنع شبه غرفة بأدوات رخيصة مقارنة بالسوق.

وتلقى هذه الطريقة قبولاً كبيراً، كما أنه من الممكن إضفاء لمسات فنية خاصة عليها وابتكار أشكال جديدة وغير تقليدية للأثاث بهذه الطريقة.

في الوقت الذي يسعى فيه بعضهم إلى تجميع أموالهم بغية الحصول على أثاث منازلهم أو الحصول على قرض من أجل ذلك، يعيش آخرون في بيوت إمّا على العظم (غير مفروش) لا يحلمون حتى بامتلاك أثاث لمنازلهم أو دفع أجرة منزل على الأقل، وإن لم تكن البيوت على العظم فهي غالباً خالية من الأثاث اللازم لعيش حياة مريحة وطبيعية.