اكتشافات "فورد" المضحكة وكذبة الضمير الأميركي!

2019.10.03 | 17:12 دمشق

rwbrt_fwrd.jpg
+A
حجم الخط
-A

في العام الأول من الثورة السورية، وكلما خفت المظاهرات بفعل ضغط النظام وعنفه المفرط، كان يخرج مسؤول أمريكي كبير ليردد مقولة أن "النظام فقد شرعيته" أو أن "النظام باتت أيامه معدودة".

كان على رأس هؤلاء المسؤولين رئيس الولايات المتحدة السابق "باراك أوباما" نفسه، وكانت هذه التصريحات تشكل عامل تشجيع للمتظاهرين الذين تدفعهم كلمات مسؤولي الدولة التي تحكم العالم إلى تحدي قبضة النظام الأمنية والعسكرية، والنزول مجدداً إلى الشوارع وكلهم أمل في أن واشنطن ستنفذ ما تقول.

بلا شك لم يكن لأي قوة في هذا العالم أن تطفئ اللهيب الثوري حينها، فالشعب السوري كان قد حسم خياره، إلا أن تلك التصريحات كانت تمثل أملاً في أن نظام الأسد باتت أيامه معدودة بالفعل.

في ذلك العام أيضاً، ٢٠١١، تشكل المجلس الوطني، وكان السفير الأميركي في دمشق "روبرت فورد" بمقدمة من اجتمع بالمجلس وبسوريين آخرين كثر من خارج المجلس، وهؤلاء نقلوا عنه في غير مرة أنه كان يطلب منهم خفض سقف المطالب، والتخلي عن شرط رحيل الأسد وكبار مسؤولي النظام، والاكتفاء بتقاسم السلطة معهم.

رحل أوباما تاركاً جرحاً عميقاً في الذاكرة السورية، بعد أن سمح للنظام وحلفائه بارتكاب مجازر لا تحصى، مستخدمين كل أنواع الأسلحة، بما في ذلك السلاح الكيماوي الذي لطالما ردد سيد البيت الأبيض أن استخدامه (خط أحمر) !

أما فورد، ورغم أنه بات مجرد كاتب مقالات ومستشار أبحاث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط، فإنه ظل يردد باستحالة سقوط النظام، وخاصة بعد التدخل الروسي، متباهياً في أكثر من مقال نشره أنه كان صادقاً في نصحه للمعارضة بالتخلي عن شرط إسقاط النظام.

لكن فورد نفسه يخرج بالأمس ليقول كلاماً مختلفاً، وتحت عنوان "ثلاث حقائق تكشف عن وهم الإصلاح الدستوري السوري" يخلص إلى نتيجة أن هذا النظام لا يمكن إصلاحه !

الحقيقة الأولى والأهم، حسب مقال فورد الأخير في جريدة الشرق الأوسط المنشور يوم الثلاثاء الماضي، هي أنه لا سيادة للقانون في سوريا، فقوات الأمن تسيطر على البلاد لصالح الأسد فقط، والجميع هناك يتجاهل الدستور.

ما الذي أيقظ ضمير أميركا بهذا الشكل المفاجئ، وهي التي اكتفت بتوجيه ضربة هزيلة لمطار حمص العسكري الذي خرجت منه الطائرات مستهدفة مدينة خان شيخون بالسلاح الكيماوي العام الماضي ؟

أما الحقيقة الثانية، فهي أن الدولة الأمنية لن تتغير ولن تصلح من نفسها، والثالثة، هي عدم تمثيل قوى شرق الفرات في اللجنة الدستورية المعلن عنها في الثالث والعشرين من شهر أيلول المنصرم.

استنتاجات بديهية يعرفها أصغر سوري، وحقائق لم يكن أحد ينتظر السفير الأمريكي ليخبره بها، اللهم إلا إذا وضعت في سياق ردود الفعل الأميركية على تشكيل اللجنة الدستورية التي لم يكن لواشنطن أي دور فيها.

فعلى نحو مفاجئ، صعّدت الولايات المتحدة ضد النظام خلال الأسبوع الماضي، فرفضت منح وفد خارجيته إلى مؤتمر الجمعية العامة للأمم المتحدة صفة "ضيوف سياسيين"، وأجبرت وليد المعلم ومن معه بالوقوف ضمن طابور المسافرين العاديين، والخضوع للتفتيش الصارم في مطار نيويورك.

وبعد ذلك، شنت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة في كلمتها هجوماً غير مسبوق على النظام، وكان لافتاً بشكل واضح تركيزها على قضية المعتقلين، الذين طالبت بإطلاق سراحهم بعد سنوات من التراخي الأميركي اللافت !

ما الذي أيقظ ضمير أميركا بهذا الشكل المفاجئ، وهي التي اكتفت بتوجيه ضربة هزيلة لمطار حمص العسكري الذي خرجت منه الطائرات، مستهدفة مدينة خان شيخون بالسلاح الكيماوي العام الماضي؟

لا يمكن التصديق بأن ضمير أميركا استيقظ فجأة، ولا شك أن واشنطن تشعر بالحرج الشديد جراء نجاح روسيا وتركيا بالسيطرة على الجزء الأكبر من الملف السوري، إلى حد تحقيق اختراقة اللجنة الدستورية، وهو أمر أقر به روبرت فورد في مقاله المشار إليه، ويبدو واضحاً أن الولايات المتحدة تريد استغلال حالة الرفض في أوساط الثورة والمعارضة لهذه اللجنة وتأجيجها، فقط لكي تحقق نقاطاً لصالحها لا أكثر.

مشكلة الولايات المتحدة الأكبر في سوريا أنها تعتقد، وبعد أن رسمت لنفسها حدوداً وانكفأت داخلها، وهي حدود مناطق سيطرة قوات سوريا الدايمقراطية، مشكلتها أنها ما زالت تعتقد بإمكانية لعب دور خارج هذه الحدود، لكن من دون أن تفعل أي شيء..مجرد كلام وتصريحات تظن أنها ستكون كافية لأن تهتف قوى المعارضة الرافضة للجنة الدستورية باسمها مجدداً، بعد أن تركت أميركا هذه القوى طيلة هذه السنوات الماضية بمواجهة الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين دون القيام بأي خطوات جدية للمساعدة !

"تمخض الجبل فولد فأراً" بهذه الجملة وصف روبرت فورد الإعلان عن اللجنة الدستورية، والواقع، أنه إذا كان هذا المثل العربي الذي يعجب فورد، كما يقول في مقاله، ينطبق على اللجنة الدستورية، فإنه ينطبق أكثر على تحركات بلاده وتصريحات قادته الأخيرة فيما يتعلق بسوريا، إلا أنه أكثر ما يصح على حقائقه الثلاث التي تفتق عنها مقاله البائس الذي لم يقدم شيئاً مفيداً يُذكر.