تعيش محافظة حماة على وقع اضطرابات أمنية متفاقمة تتجلى في سلسلة اغتيالات غامضة داخل المدينة، وانتهاكات متصاعدة في الريف، خصوصاً في مناطق متعددة الطوائف.
وجهاء من حماة أكّدوا لـ موقع تلفزيون سوريا، أنّ حالة الانفلات بلغت مستويات غير مسبوقة، في ظل غياب تام للمحاسبة القانونية وضعف أداء الأجهزة الأمنية.
"اغتيالات والفاعل مجهول"
شهدت مدينة حماة، خلال الأسابيع الأخيرة، عمليات قتل متكرّرة استهدفت مدنيين وإعلاميين وعسكريين سابقين يُعتقد أن بعضهم كان على ارتباط بنظام المخلوع بشار الأسد، وشارك في انتهاكات ضد السوريين.
وبحسب مصادر محلية، فإنّ جميع الحوادث نفّذها مجهولون، ولم تصدر السلطات أي بيانات أو توضيحات بشأن هوية الفاعلين أو دوافعهم، ما زاد من حالة القلق والترقب في الشارع.
أحد سكان حي الأربعين يقول للموقع: إنّ الأهالي باتوا يتجنبون التنقل بعد غروب الشمس خوفاً من حوادث الخطف أو إطلاق النار العشوائي، مردفاً: "الوضع مخيف، الناس عايشة على أعصابها، وكل واحد خايف يصير الدور عليه".
ووجهاء من المدينة أفادوا بأنّ الأجهزة الأمنية في حماة، اكتفت بنصب حواجز مؤقتة وتشغيل دوريات ليلية محدودة، من دون أن تتمكن من ضبط الأمن أو كشف أي من منفّذي الجرائم حتى الآن.
"عمليات انتقام في ريف حماة"
في ريف حماة، خصوصاً في المناطق ذات التركيبة الطائفية المتنوعة، تشهد القرى انتهاكات فردية وعمليات انتقام ضد أشخاص يُتهمون بأنهم ارتكبوا تجاوزات خلال فترة نظام المخلوع.
وقال مصدر محلي من الريف الغربي، إنّ مجموعات مسلّحة مجهولة تنفّذ عمليات استيلاء على ممتلكات خاصة وابتزاز مالي بحق مدنيين، مشيراً إلى أنّ بعض أفراد تلك المجموعات يرتدون زياً عسكرياً ويُعتقد أنهم مرتبطون بعناصر من الأجهزة الأمنية، لكنهم يتحرّكون بشكل شخصي وخارج الإطار الرسمي.
في المقابل، أفادت نساء من قرى الريف الشرقي بـ"وقوع حالات تحرش واعتداءات من قبل مسلّحين مجهولين، وسط غياب تام لأي إجراءات ردع أو مساءلة من قبل الجهات المختصة".
"ضعف أمني وفوضى السلاح"
تجمع مصادر محلية على أنّ الأداء الأمني في محافظة حماة، يعاني من ضعف واضح على مستوى الانتشار الميداني وسرعة الاستجابة للحوادث.
وتقول المصادر إنّ الإجراءات المتبعة "تشبه ردود فعل مؤقتة أكثر من كونها خطة أمنية منظمة"، مشيرة إلى أن الدوريات والحواجز المؤقتة "لا تردع ولا تمنع".
ويزيد من خطورة الوضع انتشار السلاح خارج سلطة الدولة، إذ يمتلكه مدنيون وبعض عناصر الأمن الذين يستخدمونه لأغراض شخصية أو لابتزاز السكان، حيث يرى وجهاء من المنطقة، أنّ "الأمن لم يعد في يد الدولة وحدها، بل بات موزّعاً بين أفراد ومجموعات صغيرة تتحكم بالناس بقوة السلاح".
وبحسب تقديرات وجهاء ومتابعين محليين، فإنّ حالة الانفلات الأمني في محافظة حماة، تعود إلى ثلاثة عوامل رئيسية:
- غياب العدالة الانتقالية وعدم وجود آلية قانونية واضحة لمحاسبة المتورطين مع نظام المخلوع، ما أدى إلى تصاعد عمليات الانتقام الفردي.
- فوضى السلاح وغياب الرقابة على حيازته واستخدامه من قبل مدنيين وعسكريين على حد سواء.
- الضعف المؤسسي للأجهزة الأمنية التي تكتفي بردود أفعال محدودة بدلاً من تبني إجراءات وقائية فعالة.
وقال أحد وجهاء الريف الغربي لـ موقع تلفزيون سوريا: "الناس فقدت الثقة بالدولة والقانون، كل طائفة اليوم تدافع عن نفسها بطريقتها، وهذا ما يجعل الأمور تنزلق نحو صراع أهلي إن لم يُتدارك الموقف".
الوضع الأمني في محافظة حماة يوصف بأنّه "غير مستقر وخطر"، مع ترجيح استمرار التدهور في المدى القريب، حيث تتصدّر الاغتيالات المجهولة وحوادث الانتقام الفردي المشهد في المدينة، بينما يعاني الريف من تصاعد التوترات الطائفية والانتهاكات الاجتماعية.
ويرى وجهاء وناشطون، أنّ استعادة الأمن في حماة -وعموم المناطق السوريّة- تتطلب خطوات عاجلة تشمل ضبط السلاح، وتفعيل القضاء، وتعزيز حضور الدولة الأمني بشكل متوازن وعادل، وإلا فإنّ المنطقة تتجه نحو مرحلة أكثر تعقيداً من الفوضى والانتقام.