استيقاظ سوري للتنين الصيني

2021.07.21 | 06:44 دمشق

zyart-wzyr-alkhrjyt-alsbnb-aly-swrya-1.jpg
+A
حجم الخط
-A

منذ بدء الثورة السورية وقبل تحوّلها إلى مقتلة، حاولت الدبلوماسية الصينية بحذر أن تلعب دوراً شبه وسطي بين أطراف المعارضة الداخلية وممثلي السلطة في دمشق، وذلك على الرغم من أن موقفها الرسمي استمر في إظهار المساندة الكاملة للنظام السوري في الخيار العنفي الذي واجه به انتفاضة سلمية. وقد أوضحت الصين موقفها الحقيقي من خلال لجوئها إلى استخدام حق النقض عدة مرات في مجلس الأمن الدولي أو الامتناع عن التصويت لإفشال أية محاولة أممية سعت إما إلى وقف إطلاق النار أو تمرير المساعدات الإنسانية أو إنزال العقاب بمرتكبي الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب أو الدعوة إلى انتقال تدريجي للسلطة.

وكما هو معروف عن المدرسة الصينية في العلاقات الخارجية، فهي تعتمد نظرياً على عدم التدخل في شؤون الدول سعياً من طرفها للحفاظ على مساحتها الداخلية الحافلة بالانتهاكات ضد الشعب الصيني بمعزلٍ أيضاً عن أية تدخلات خارجية. وفي الملف السوري، ابتعدت الصين الرسمية، ومنذ سنة 2010، سياسياً واقتصادياً عن ممثلي السلطة. واكتفت بدعم الموقف الروسي في الأمم المتحدة. كما أن المبادلات التجارية والمشاريع المشتركة اقتصرت على أرقام محدودة للغاية تشرح نسبياً الحذر الصيني الكبير في الاستثمار في مناطق النزاعات. ومارست الدولة الصينية سياسة المساعدات الإنسانية الموجهة إلى أجهزة الدولة السورية بالقطارة وكانت آخرها مواد طبية لا يتجاوز حجمها عدة صناديق أثارت تندر المتابعين من داخل البلاد وخارجها.

اعتبر المحللون السياسيون لدى النظام السوري أن هذه الزيارة تمثّل "خطوة كبيرة على طريق كسر طوق العزل الدبلوماسي الذي يسعى الغرب لإحكامه حول الدولة والحكومة السورية"

وقد وجه النظام، رسالة قاسية إلى الإدارة الصينية سنة 2012، وذلك عبر اختطاف الدكتور عبد العزيز الخير، رئيس مكتب العلاقات الخارجية في هيئة التنسيق بعد وصوله بدقائق من زيارة "رسمية" دُعي إليها من بكين لمناقشة موقف الهيئة من التحولات التي كان يؤمل قيامها سلمياً في سوريا. وقد كانت هذه العملية، والتي لم تتوضح ملابساتها حتى اليوم، إهانة واضحة للمسعى الصيني واعتبر المراقبون حينئذ أن صمت بكين عن المطالبة بإطلاق سراح ضيفها هو قبول بهذه الإهانة على مضض أو أن هذا الصمت شريكٌ يُخفي ربما اتفاقا ضمنيا بين النظامين ستتوضح تفاصيله حتما في المستقبل.

اعتبر المحللون السياسيون لدى النظام السوري أن هذه الزيارة تمثّل "خطوة كبيرة على طريق كسر طوق العزل الدبلوماسي الذي يسعى الغرب لإحكامه حول الدولة والحكومة السورية". ويُمثّلُ هذا الاستنتاج جهلاً متعمّداً لسياسة الدولة الصينية الخارجية حيث لم تنفك عن التواصل شبه اليومي مع كل الدول "المارقة" في العالم وعلى رأسها كوريا الشمالية، مملكة الجوع والخوف وعبادة الشخصية. فالاعتقاد بأن فك العزلة التي يعيشها النظام السوري، نظرياً على الأقل، يمر عبر الدولة الصينية، وهي التي لم تخجل يوماً من الانفتاح على جميع الأنظمة الشمولية في العالم، يُشير إلى عجز في العثور على مخرج حقيقي من هذه العزلة التي يتحمل مسؤوليتها من مارس العنف والقتل والتدمير. وانتظار الصين كل هذه السنوات للانفتاح على دمشق يُعدّ هو أيضاً مؤشرا على تردد بنيوي مهما كانت الحجج التي يمكن للجانب الصيني أن يُقدمها، كما يُشير هذا التردد إلى شك القيادة الصينية في صدقية الطرف الآخر سياسياً كما في التعاملات الاقتصادية.

فالصين، وعلى الرغم من تحالفها الدبلوماسي الجزئي مع روسيا، فهي تُدير اقتصادها بأسلوب أقل فساداً وإفساداً من موسكو. وبمعزل عن كل الملاحظات السلبية المشروعة حول السياسات الصينية وانعدام الديمقراطية واستغلال عمالة الأطفال وتلويث البيئة بالصناعة الكثيفة وانتهاك حقوق المسلمين فيها، فدولة الصين تحرص على عائدية استثماراتها سياسياً ومالياً. وما الظن بدورٍ صينيٍ منقذ في تمويل وتنفيذ عملية "إعادة" إعمار سوريا إلا وهمٌ إن لم تتمكن الصين من استشراف مآلات الملف السوري ومعرفة مردودية ما تستثمر على مختلف الأصعدة. كما أن الشركات الصينية التي لديها استثمارات هائلة في الأسواق العالمية وخصوصاً في الغرب، لن تضع نفسها، من أجل حفنة قليلة من الربح غير المؤكد، نتيجة لغياب المساءلة والفساد المنهجي في سوريا، موضع المساءلة والملاحقة وبالتالي الخسارة نتيجة العقوبات المفروضة على سوريا وعلى من يتعامل معها من شركات ودول. ومن المؤكد أن توسّع الوصول إلى المتوسط يهم بكين الموجودة فعلياً في عديد من موانئه. كما أن تنفيذ مشروع استعادة "طريق الحرير" يبقى حلماً استراتيجياً لتعزيز الاقتحام الصيني للأسواق العالمية. كل ما سبق سيدفع ببكين إلى دراسة أية فرصة في سوريا بشكل دقيق وبعيداً عن السردية الخشبية للتعاون الاستراتيجي غير المشروط المسموعة في دمشق.

الحفاوة السياسية والإعلامية التي قابل بها النظام هذه الزيارة مبالغ بها إلى درجة يمكن أن تشير أيضاً إلى العجز المستدام لدى صانعي القرار السوري في الخروج من عنق الزجاجة

زيارة وزير الخارجية الصيني إلى دمشق ليست خبراً عابراً، وهي تحمل بالتأكيد دلالة مهمة على تطور في المعالجة الدولية لملف دمشق. وبالمقابل، فالحفاوة السياسية والإعلامية التي قابل بها النظام هذه الزيارة مبالغ بها إلى درجة يمكن أن تشير أيضاً إلى العجز المستدام لدى صانعي القرار السوري في الخروج من عنق الزجاجة. ويبقى أخيراً أن تتمكن الصين، عبر قوة اقتصادها الذي تعجز روسيا عن مجاراته، في تغيير معطيات المعادلة الدولية الحاكمة للعلاقات مع دمشق وبالتالي تدفع الجهات المفتاحية، كالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، إلى إعادة النظر في المقاطعة المستمرة لنظام دمشق التي كان التخلي عنها مشروطاً بإجراء عملية الانتقال السياسي.