استهداف أهل السنة ... مقاربة جيوسياسية

2019.01.26 | 23:01 دمشق

+A
حجم الخط
-A

"إن أهل السنة، وعلى رأسهم السعودية لم يتبيّنوا من قبل أن الغرب، وعلى رأسه أميركا يعمل على إضعاف السنة خدمة لإسرائيل، ولنفسه على الأقل، وخدمة لإيران ربما بشكل غير مباشر. ومأزق السعودية ودول الخليج أنها في العمق لا تثق بأميركا، ولكنها لا تجد قوة بديلة قادرة على حماية الخليج خارج أميركا.. وهذا هو مأزقها الحقيقي".

كان هذا مقتطف من كتاب "استهداف أهل السنة" للباحث والأكاديمي اللبناني نبيل خليفة، والصادر عن دار بيبلوس عام 2014، ويحاول الكتاب الذي هو دراسة جيوسياسية توضيح كيف أن الغرب يعمل على إضعاف أهل السنة، وتقليل عددهم كأكثرية في الشرق الأوسط، مقابل تقوية إيران، وإحلالها مكان السنة، وما ذلك سوى لجعل الشرق الأوسط منطقة أقليات تكون لإسرائيل فيها الكلمة الفصل، "إقامة شرق أدنوي أقلّوي محكوم بالنفوذ الشيعي الإيراني برضا إسرائيلي، ودعم غربي-روسي".

يحاول الكتاب الذي هو دراسة جيوسياسية توضيح كيف أن الغرب يعمل على إضعاف أهل السنة، وتقليل عددهم كأكثرية في الشرق الأوسط، مقابل تقوية إيران

القضية الفلسطينية كشماعة

إيران الدولة الدينية الثيوقراطية يرى الغرب في وجودها ضرورة لاستنزاف الخليج العربي الغني، وهذا ما عبر عنه الرئيس الأميركي دونالد ترمب في أكثر من مناسبة "لا حماية بدون دفع"، وإيران بدورها تدرك هذا الموضوع جيداً، وهي حسب الكاتب تقوم باستغلال الحج عبر أحداث شغب مفتعلة، وتستغل القضية الفلسطينية القضية الإسلامية بامتياز كرافعة تاريخية للإسلام الشيعي بواسطة ميليشيا حزب الله، ورفع شعار القدس مقابل مكة، كما تعمد إلى اختراق الدول السنية عبر التشييع.  ويشير الكاتب إلى أن أيران تكثر من التهجم اللفظي على إسرائيل والغرب، ولكنه يبقى في مجال اللفظ، ولم يتحول ولو لمرة واحدة لفعل على مدى عشرات السنوات.

الثأر الأقلوي

الكاتب يقول إننا نشهد اليوم "الثأر الأقلوي" من جانب الشيعة، وهو ما يشجعه الغرب لإضعاف المسلمين بشقيهم السنة والشيعة، ويقدم الكاتب مفهوماً جديداً مغايراً لمفهوم المقاومة والممانعة، فيقول "الشيعة هم خصوم إسرائيل ولكنهم أقلويّون مثل الإسرائيليين، أما السنة فهم أعداء إسرائيل لأنهم أكثريّون، ولذا بنت الدولة العبرية الحائط حولها كي لا تبتلعها الديمغرافيا العربية السنية"، في ظل السلام الهش مع مصر والأردن.

غياب المشروع

بينما تواصل الأقليات العمل لمشاريعها يغيب المشروع الذي يحمله أهل السنة" لا وطنياً ولا إقليمياً ولا دولياً"، وهم يعانون من أمرين:

الأول: الافتقار إلى الإستراتيجية الفاعلة والمناسبة للمرحلة التي يمر بها العالم الإسلامي والشعوب الإسلامية.

الثاني: الافتقار إلى فكر سياسي حداثي ومعاصر، إذ يقوم الطرح السنّي على واحد من ثلاث أطروحات مستهلكة، وهي الجهاد، والإسلام هو الحل، وولاية المتغلب.

 رغم أن أهل السنة "مستهدفون سياسياً وعسكرياً وأيديولوجياً وعسكريا وسوسيولوجياً وثقافياً ... والعنوان العريض واحد (أبلسة أهل السنة)"، تحت ستار الإرهاب.

مصير بشار مرتبط بإسرائيل

ويوضح الكاتب أن مصير بشار الأسد مرتبط بمصير إسرائيل، "بمعنى مدى قدرة الأنظمة الأقلوية على المقاومة والاستمرار في مواجهة القدرات الجيوستراتيجية السنية"، وكذلك فإن الموقف الأميركي من بشار الأسد "أيام الأسد باتت معدودة" قد تم لحسه نتيجة ضغط إسرائيلي، وموقفها من بشار ليس جديداً، إذا ينقل الكتاب عن المعلق الإسرائيلي المعروف شيف زئيف صاحب الكلمة المسموعة لدى المؤسستين العسكرية والسياسية في إسرائيل قوله "علينا أن نفكر بهدوء، بأنه رغم كل شيء، من الأفضل أن يسيطر بشار الأسد في دمشق على أن يسيطر فيها الإخوان المسلمون".

"علينا أن نفكر بهدوء، بأنه رغم كل شيء، من الأفضل أن يسيطر بشار الأسد في دمشق على أن يسيطر فيها الإخوان المسلمون"

الأكاديمي المسيحي يقول إن الحل لا يكون إلا مع الأكثرية العربية السنية لسبب سوسيولوجي جوهري وحاسم وهو كونها الأكثرية العربية الإسلامية التي تمثل في المنطقة 70 بالمئة من المسلمين، فلديها المشكلة والحل في آن معاً.

شيطنة السنة

يوضح الكاتب أن وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كسنجر الذي عمل على صياغة تضمن مصالح الغرب وحماية إسرائيل معاً، فكان نظام "الخطوط الحمراء"، في سوريا ولبنان، "سبق ذلك ورافقه منذ ما يزيد على عقدين تكتيك واضح وهو استهداف أهل السنة (شعوباً وأنظمة) إلى فخاخ ومطبات لفرملة اندفاعهم كونياً، ومن ثم لتقسيمهم واتهامهم وأبلستهم وخلق هوة بينهم وبين الغرب، وضربهم وإضعافهم، خاصة ضمن حيز المشرق".

الحواضر السنية عريقة أضحت اليوم في أيدي الفرس أو أزلامهم من بغداد إلى دمشق وبيروت، وليس انتهاءً بصنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون.

ويخلص الكاتب إلى أن الانضمام إلى المشروع المشرقي الأقلوي يبدو محسوماً لدى الشيعة واليهود لأسباب موضوعية، وما تزال المعركة قائمة على إقناع وإغراء وجر المسيحيين والأكراد إليه مع ما لديهم من اعتبارات خاصة.

الحواضر السنية عريقة أضحت اليوم في أيدي الفرس أو أزلامهم من بغداد إلى دمشق وبيروت، وليس انتهاءً بصنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون.

لبنان في قلب هذه المعمعة

الكاتب اللبناني يرى أن هذا السعار الأقلوي يتجلى في لبنان أيّما تجل، حيث إن كل خسارة يُمنى بها النظام الأقلوي في سوريا يحاول حزب الله تعويضها في لبنان، وذلك من خلال قتل كل شخصية لها مشروع مضاد للمشروع الإيراني، كقتل الحريري، وغيره، ويقدم عدة اقتراحات لدحر المشروع الإيراني في المنطقة، كوضع عائق أمام النفوذ الإيراني في المنطقة كالفصل بين سوريا وإيران، وإضعاف دور إيران وحزب الله في التأثير على الشارع السني، والعمل على وقف عملية التشييع الجارية بفعل التقديمات المالية.

ويخلص الكاتب إلى أن أسوأ خيار هو خيار حلف الأقليات في مواجهة الأكثرية العربية السنية، إنه مشروع مجازر للمستقبل، وإن أفضل خيار هو التفاهم لصالح الجانبين، ونبذ الفتنة التي تريد تشويه صورة المسلمين على يد حركات أصولية ذات ممارسات بربرية.