استنتاجات إسرائيلية من الحرب الروسية الأوكرانية

2022.06.16 | 06:07 دمشق

31ipj-2.jpg
+A
حجم الخط
-A

بينما تدخل الحرب الروسية الأوكرانية شهرها الرابع، تتواصل التقييمات الإسرائيلية ليومياتها، وسط العثور على تهديدات كبيرة، وفرص فريدة، واستنتاجات لافتة، دفعت جيش الاحتلال لوضع يده على جملة من الدروس التي يجب عليه استيعابها من هذه الحرب التي اندلعت أواخر فبراير/ شباط، وعُرِّفت بأنها أوسع عمل حربي تقليدي منذ الحرب العالمية الثانية، حيث تمكنت القوات الروسية من السيطرة على مناطق واسعة من أوكرانيا، وفرضت حصارًا على عاصمتها كييف.

رصد الاستراتيجيون في الأسابيع الأخيرة جملة من الدروس والاستخلاصات العسكرية والسياسية، فضلا عن التعرف على أهم التداعيات والاستنتاجات على الأرض، في ضوء بعض القراءات الإسرائيلية التي زعمت أن الحرب في أوروبا تحمل تحديات كبيرة، بل وتهديدات لإسرائيل، بجانب ما يسمونها "فرصا فريدة"..

الفريق الإسرائيلي الثاني يدعو تل أبيب لأن تدافع عن مصالحها أولاً، على اعتبار أن روسيا تبقى قوة أساسية ولاعبًا مهمًا على الساحة العالمية، مع وجود إقليمي لا يمكن تجاهله، خاصة على الحدود الشمالية

السطور التالية تحاول وضع يدها على أهم الاستنتاجات التي باتت تتبناها إسرائيل في الأسابيع الأخيرة، لعل أولها مستقبل العلاقات مع روسيا، وهنا ينقسم الإسرائيليون إلى فريقين، أحدهما يزعم الالتزام الأخلاقي بالوقوف بجانب الأوكرانيين المعرضين للهجوم الروسي، مع أن الفلسطينيين في ذات الوقت يتعرضون لهجوم إسرائيلي أكثر بشاعة.

الفريق الإسرائيلي الثاني يدعو تل أبيب لأن تدافع عن مصالحها أولاً، على اعتبار أن روسيا تبقى قوة أساسية ولاعبًا مهمًا على الساحة العالمية، مع وجود إقليمي لا يمكن تجاهله، خاصة على الحدود الشمالية، وهو ما يتم التعبير عنه بالتنسيق مع روسيا بشأن حرية عمل الجيش الإسرائيلي في سوريا باستهداف الوجود الإيراني فيها، والحيلولة دون حصول حزب الله على الأسلحة المتطورة مثل أنظمة الدفاع الجوي، أو القنابل المتقدمة، والصواريخ بعيدة المدى.

ثاني الاستنتاجات الإسرائيلية من الحرب الأوكرانية يتعلق بقيمة الضمانات الدولية، لأن الحرب أظهرت أن مذكرة بودابست الموقعة عام 1994 بين الولايات المتحدة وروسيا والمملكة المتحدة، وتعهدت باستقلال أوكرانيا، والامتناع عن استخدام القوة العسكرية ضدها، لم يتم الوفاء بضماناتهم، وهكذا وجدت أوكرانيا نفسها تتوسل لتدخل عسكري أمني دولي كبير، وهو أمر لم يحن بعد.

بدلاً من ذلك، تلفت المحافل الإسرائيلية الانتباه إلى أن المنظومة الغربية فضلت اختيار طريق العقوبات الاقتصادية ضد روسيا، جنبًا إلى جنب مع المساعدة الاستخباراتية لأوكرانيا، وتوفير أسلحة معينة، وهذا يعني أنه لا يمكن لدولة لا تستطيع ضمان أمنها أن توجد، وهنا يتركز الحديث عن الحالة الإسرائيلية بصفة خاصة، مما قد يزيد الاستعدادات لتنفيذ حملة محتملة ضد إيران، قد تتضمن خيارًا عسكريًا، على افتراض عدم تدخل دول أخرى.

استنتاج إسرائيلي ثالث من الحرب الأوكرانية الروسية يتمثل بما تسميه إسرائيل "الزاوية الإيرانية"، حيث يمكن لإيران أن تستخلص استنتاجين رئيسيين من الحالة الأوكرانية، أولاهما فيما يتعلق بالطاقة النووية، فمن الواضح أن دولًا مثل أوكرانيا وليبيا، اللتين تخلتا عن البرامج والأسلحة النووية، فقدت ضمانًا أمنيًا كبيرًا، بل وحتى مفتاحًا لتأمين المصالح الوطنية، وهذا يزيد من حدة حاجة إيران لتسريع برنامجها النووي، وثانيهما انخفاض الرد الدولي، وهو "ضوء أخضر" لزيادة توسعها في المنطقة في ظل عدم وجود ثمن تدفعه، على اعتبار أن المجتمع الدولي اكتفى تجاه روسيا بالإدانة والعقوبات.

يتحدث الإسرائيليون أن العواقب الدولية تجاه روسيا تبدو هامشية، ولا تكاد تُذكر، واتضح أن "الخطوط الغربية الحمراء" شاحبة وباهتة، سواء عند حالة هجوم النظام السوري بالأسلحة الكيماوية عام 2013، وفي حالة الهجوم الروسي على أوكرانيا.

عند الحديث عن الاستنتاج الإسرائيلي الرابع تظهر مسألة تعزيز التحالفات الإقليمية في الشرق الأوسط، لاسيما مع الدول العربية "المعتدلة" أو "المطبعة"، التي ربما ترى أن علاقتها بإسرائيل قد تكون أكثر ضمانًا واستقرارًا مما هو قائم مع الولايات المتحدة وروسيا، ولعله إثارة هذا الاستنتاج بالذات يتزامن مع ما أعلنته تل أبيب عن تحضير مسودة تحالف دفاعي عسكري يجمع تل أبيب مع 9 دول عربية، برعاية وإشراف واشنطن.

يمكن الحديث في استنتاج خامس للحرب الروسية الأوكرانية الروسية أن إسرائيل تسعى لتعزيز مكانتها العالمية، خاصة باتجاه الاعتماد الأوروبي والأميركي الجزئي على الغاز الروسي، مما قد يقدم لإسرائيل فرصة لمرة واحدة لتعزيز صادرات الغاز إلى أوروبا والعالم من احتياطيات الغاز في البحر المتوسط، وهو الغاز الفلسطيني المسروق من قبل الاحتلال الإسرائيلي.

في الوقت نفسه، ربما وضعت هذه الحرب إسرائيل باعتبارها مصدرا مهماً للأمن التكنولوجي والموارد الاقتصادية الإقليمية، لأنه في ظل الأحداث الجارية، فإنها تسعى لأن تكون رافعة سياسية تجاه أوروبا، يمكن استخدامها لعمل معادلات سياسية مقابل مساعدة نشطة وأمنية، وهنا يستحضر الإسرائيليون فرضية ما حصلت عليه إبان هجرة اليهود من الاتحاد السوفييتي في التسعينيات.

الحرب الروسية الأوكرانية كشفت بما لا يدع مجالا للشك أمام الإسرائيليين أن الجيوش الصغيرة مثل أوكرانيا، لكنها عالية التقدم التكنولوجي، قد تستطيع مواجهة جيوش مدججة

بدا لافتا حضور استنتاج إسرائيلي سادس يتعلق بحجم "المقاومة" الأوكرانية للغزو الروسي، خاصة بعدما أوضحت الأشهر الثلاثة الأولى من الحرب ضراوة هذه المقاومة، لاسيما بعد أن اعتمد الجيش الأوكراني على ما تسمى "التعبئة المدنية"، وهو يقاتل دولة أكبر منه بعشرات الأضعاف، رغم أنه لم تقف أي دولة في أوروبا بجانب أوكرانيا بمساعدة حربية حقيقية، وهنا يستحضر الإسرائيليون مقولة "جيش الشعب"، اللازم للتعامل مع مثل هذه التحديات.

مع العلم أن الحرب الروسية الأوكرانية كشفت بما لا يدع مجالا للشك أمام الإسرائيليين أن الجيوش الصغيرة مثل أوكرانيا، لكنها عالية التقدم التكنولوجي، قد تستطيع مواجهة جيوش مدججة، وذات كتلة كمية كبيرة مثل الجيش الروسي، جنبًا إلى جنب مع مجموعة أرضية تقليدية متطورة، ومدفعية، ونيران صاروخية كبيرة؛ والتركيز على عمليات محدودة، رغم أننا أمام جيش روسي أنفق كثيرا في بناء قدرات عسكرية متقدمة، مثل صواريخ تفوق سرعة الصوت، والحرب الإلكترونية وحروب العقول، إضافة للقوة التقليدية.

يتزامن الحديث الإسرائيلي عن صراع الجيشين الروسي والأوكراني مع صدور أصوات إسرائيلية لا تزال تسمع من اتجاهات مختلفة، تدعو إلى مزيد من التقليل في ترتيب قوات الجيش الإسرائيلي، وصولا لتغيير طريقة التجنيد، رغم أن التهديد الروسي على الحدود الأوكرانية يشكل نقطة مرجعية جديدة لدعم الأطروحة القائلة بأنه حتى في العصر الجديد، المشبع بالابتكارات التكنولوجية، فإن الحاجة لقوة عسكرية تتمتع في ساحة المعركة بوجود بري للآليات والمركبات، وكتلة كمية متنوعة وفعالة وواسعة النطاق، أمر لا ينبغي التنازل عنه.

من جديد، تكشف هذه الاستنتاجات الإسرائيلية، الداخلية والخارجية، أن الحرب الروسية الأوكرانية ليست شأنا داخليا فقط، بل هي خارجي، وخارجي بامتياز، ومن المتوقع أن تستمر ارتداداتها على الوضع الإسرائيلي إلى إشعار آخر، طالما أن الحرب لم تضع أوزارها بين موسكو وكييف.