استعراضات القوة ووهمها العام الجديد في مشاهده الأولى...

2020.01.11 | 18:20 دمشق

gettyimages-1192347494_1.jpg
+A
حجم الخط
-A

أطل العام الجديد ثقيلاً منذ بدايته، ومنذ بدايته انشغل العالم باحتمالات الحروب والموت والكوارث. لكن، في كل ما حدث كانت حقيقة بالغة الأهمية، تعلن عن نفسها بكل وضوح:

هذا العالم محكوم بالجنون.

سبعة مشاهد في الأسبوع الأول من هذا العام الجديد.

.......

المشهد الثاني:

جندية أمريكية تجلس خلف شاشة، يظهر على الشاشة منطقة سكنية وشوارع في مدينة ما، مدينة تبعد آلاف الكيلومترات عن هذه الجندية الأمريكية الجالسة خلف شاشتها في دعة وثقة ودفء... يمكننا أن نرى إشارة التحديد المتصالبة على الشاشة وهي تتعقب سيارة، في لحظة ما تأخذ الجندية قرارها؛ فتضغط على زر أحمر في القبضة التي تمسك بها؛ فينطلق صاروخ من طائرة كانت تحلق فوق السيارة، تنفجر السيارة بمن فيها.

هكذا، بكل البساطة التي يمكن تخيلها، إن ضغطة خفيفة على زر أحمر في قبضة صغيرة تكفي لكي تقذف الجحيم على بقعة ما في هذا العالم، ضغطة خفيفة بأصبع صغير في قبضة صغيرة تكفي لكي تفتت أجساد ما يقارب عشرة أشخاص في بلد ما، في مدينة ما تبعد آلاف الكيلومترات عن هذه الجندية الناعمة.

المشهد الثالث:

مدينة بغداد، قصر مشرعي العراق وقادته وسياسييه، يقرر سادة البرلمان العراقي الاجتماع؛ ليحتج البرلمان على الصاروخ الذي أطلقته تلك الجندية الأمريكية، عندما ضغطت على الزر الأحمر الذي تسبب بمقتل عدة أشخاص، ولكيلا يمتد النقاش في البرلمان ويطول إلى آخر الأزمان؛ تقوم ميليشيات عراقية بإبلاغ أعضاء البرلمان بما يجب عليهم فهمه وإقراره تحت طائلة إعدامهم إذا لم يستوعبوا، ويصدروا القرار المطلوب.

المشهد الرابع:

الرجل الذي لم يتبق منه سوى خاتم فيه أصبع في كف في جزء من ذراع؛ بعد أن أصيبت سيارته

تهتاج الجموع، وتتدافع؛ تريد الوصول إلى النعش؛ فيسقط بعضها تحت الأقدام، وهكذا تتصادم الأمواج البشرية المتدافعة؛ لتسحق العشرات تحت الأقدام

بالصاروخ الذي أطلقته الجندية الأمريكية؛ عندما ضغطت على زر أحمر في قبضة كانت تحركها بقبضتها من بعد آلاف الكيلومترات، كانت الحشود تشيع ما تبقى منه، في تابوت كان يتهادى فوق أكف الحشود كما لو أنه فوق أمواج بحر متلاطم ... تهتاج الجموع، وتتدافع؛ تريد الوصول إلى النعش؛ فيسقط بعضها تحت الأقدام، وهكذا تتصادم الأمواج البشرية المتدافعة؛ لتسحق العشرات تحت الأقدام... وعلى مقربة من المجزرة التي دشنتها وأنجزتها أقدام المشيعين الساحقة، يقف رجل يبيع تراباً مقدساً من قبر قد حفر؛ ليدفن فيه ما تبقى من رجل قد تكاملت قداسته بعد أن انقصف.

المشهد الخامس:

العالم يحبس أنفاسه، ووسائل الإعلام تتناقل صور صواريخ تتوهج، وهي تندفع من قواعدها المعلومة إلى جهات غير مرئية، والجميع على نار التوقع والقلق وهم يحبسون أنفاسهم؛ فالعالم على وشك أن ينهار، وأناشيد النصر تصدح في جهات أخرى من هذا العالم المسكين، كان كل شيء يبدو عبثياً، بدءاً بالشاشات التي تعرض كتل نار متوهجة، تسبح في سماء معتمة، مروراً بمحللين من كل الأصناف، وانتهاء باقتصاد يتهاوى وبأسعار تتراجع وتتصاعد في ارتعاش بندولي لا يهدأ...

ثم سيتكشّف بعد قليل، أن هذا الاستعراض كله، لم يكن إلا استعراضاً فقيراً وسخيفاً؛ يراد منه حفظ ماء الوجه لا غيره. لكن هذا الاستعراض قد تسبب بكارثة، هي: إصابة طائرة ركاب أوكرانية، كان على متنها مئة وثمانون إنساناً انتهت حياتهم بلحظة جنون واحدة، سقطت الطائرة؛ فسقطوا. والعالم كعادته سينسى أسماءهم، وسينسى أنهم ماتوا من أجل أن يحفظ ساسة تافهون ماء وجههم في استعراض هزيل وغبي.

المشهد السادس:

في استعراض سخيف تتناقله مئات وسائل الإعلام في العالم، يقف رجال بلباس عسكري باستعداد، ويقف آخرون نفس الوقفة بلباس رسمي مدني بلا أي حركة إلى جانب الطاولة التي سيقف خلفها أهم شخص في هذا العالم؛ ليلقي بيانه ... فجأة، ينفتح باب على مصراعيه، ثم يتقدم الرجل الأهم، بخطواته الواثقة الأهم، باتجاه الطاولة ويطلق تهديده الأول قبل أن يحيي أحداً، ثم يفضح مسرحية الصواريخ التي توهجت في السماء المعتمة في وقت ما من الليلة السابقة، فهي لم تكن إلا مسرحية بلا معنى بحسبه، ويواصل إطلاق تهديداته على العالم مذكراً الجميع أنه الأقوى، ومذكراً الأمريكيين أن يصوتوا له في انتخاباتهم القادمة.

المشهد السابع:

من قلب العتمة يظهر بوتين في دمشق فجأة، ثم بإذلال متعمد بليغ، وباستهتار صفيق بكل البروتوكولات والأعراف يستدعى بشار الأسد للقائه، يتم اللقاء في موقع روسي، بإدارة عسكرية روسية، وبرموز روسية بكل ما فيه، لكنه ببساطة على الأرض السورية، وتحديداً في العاصمة السورية؛ يريد بوتين أن يقول للعالم: هذه العاصمة التي يتباهى بها أبناؤها بأنها أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ، هي الآن تحت قبضة يدي، وبغطرسة وقحة يمارس بوتين إذلاله لبشار الأسد ولوزير دفاعه، ثم يغادر إلى إسطنبول، وهناك يتصرف بكل الدقة التي يتطلبها البروتوكول المتعارف عليه.

 

 

المشهد الأول:

المكان غابة على شاطئ تركي، الزمان ليلة 31 /12/2019.

العتمة شديدة، وتحت الشجر يتجمع خمسة عشر شخصاً، معظمهم من سوريا، تسأل "براءة"- الفتاة القادمة من سوريا- الشخص الذي بجانبها مشيرة إلى أضواء تتلامع في البعيد:

تلك الأضواء، أهي في اليونان؟

يهمس الشاب بأنه لا يعرف، يعودان إلى صمتهما.

المدينة التركية التي غادروها بصحبة المهرب قبل ساعات لا تزال قريبة، جاء بهم المهرب على دفعات إلى هذه المنطقة، كانت تعليماته شديدة الوضوح، سيجتمعون في هذه المنطقة دون أي صوت أو أي إشارة تدل عليهم، وفي الليل سيصعدون إلى القارب الذي سينقلهم إلى الضفة الأخرى:

- هناك اليونان، عندما تصلون إليها تنتهي المرحلة الأولى من هجرتكم؛ لتبدأ المرحلة الثانية.

أضواء المدينة التركية تتوهج؛ إنها ليلة رأس السنة. في العتمة يتجمعون

دقائق فقط، ويصطدم القارب بصخرة؛ فينفرط، وتتعالى صرخاتهم، وتبتلعهم المياه المعتمة التي اجتاحت ما تبقى من قارب قديم متآكل...

حول بعضهم بعضاً: خمسة عشر شاباً وفتاة يتهامسون، بعد قليل سيصل المهرب الذي سينقلهم إلى مكان آخر من هذا العالم، مكان سيمنحهم ما حلموا به، سيمنحهم بعض الأمان، وربما بعض الحرية والحلم.

المهرب الذي يهددهم بمسدسه يحشرهم داخل قارب متهالك، بعد أن يأخذ منهم كل ما يحملونه... ينطلق القارب بهم في العتمة، ويختفي المهرب في العتمة، ووحدهم يتكورون على أنفسهم في العتمة في بطن قارب متهالك.

دقائق فقط، ويصطدم القارب بصخرة؛ فينفرط، وتتعالى صرخاتهم، وتبتلعهم المياه المعتمة التي اجتاحت ما تبقى من قارب قديم متآكل...

تطفو أحلامهم وجثثهم وصرخاتهم فوق موج أسود... يصرخون، ويصرخون، ثم يصمتون واحداً بعد آخر...