استشراق ماكرون في حرب المضائق والمرافئ

2020.09.03 | 00:04 دمشق

3232323.png
+A
حجم الخط
-A

دفعت شعبوية الألفية بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى التطبع بأطباع اللبنانيين.

إنه عصر الاستعراض. تتحول القوة فيه إلى من يتفنن مستعرضاً أكثر من الآخر. وجد ماكرون ضالّته في لبنان كمستشرق يقدّم رؤاه إلى منطقة الشرق الأوسط واستعادة تاريخ غابر. رئيس استعراضي يزور شعباً يهوى الاستعراض والاستعراضيين.

ارتكز ماكرون على موروثات لبنانية ساذجة، "فنجان قهوة" للقاء فيروز، غرس شجرة أرز. وإجلاس المسؤولين اللبنانيين في حضرته وفق الانبهار اللبناني بمعادلة "كل شي فرنجي برنجي". هو حتماً لن يكون قادراً على النزول إلى شارع واحد من شوارع فرنسا، يأتي إلى لبنان فاتحاً، وباحثاً عن تحقيق إنجاز ولو استعراضي، يحقق له انتصاراً معنوياً شخصياً، وشعبياً، إلى جانب استعراض القوة في البحر الأبيض المتوسط.

يعتزم ماكرون على ما يقول مواجهة المشروع التركي في المنطقة وتحديداً في البحر المتوسط. يريد إعادة إحياء تحالفات كانت قائمة قبل مئة سنة، وأوصلت إلى رسم المنطقة بشكلها الحديث ما بعد اتفاقية سايكس بيكو. اليوم يريد إعادة رسم المنطقة من جديد، لإبقاء مفاعيل ما رسم قبل 100 سنة قائمة، وإن أدخل إليها تعديلات متعددة. إنها لعبة الفرنسيين التاريخية حول تحالف الأقليات، لضرب الحاضرة العربية التي كانت تتجسد بالتماهي بين "السنّة" والدولة. لا يمانع ماكرون التحالف مع إسرائيل وإيران في آن واحد، في مقابل الاحتفاظ بمنطقة نفوذه أو دوره وتأثيره، ومواجهة تركيا. تركيا التي ما تزال تمثّل بالنسبة إليهم صورة تاريخية بأنها التي وصلت إلى عمق أوروبا، فلا بد من إبقائها محاصرة ومشرذمة.

وهو لا يمانع أيضاً التحالف مع إيران وإسرائيل في مواجهة العرب، وابتزازهم بادعائه مواجهة تركيا فيحاول استدراجهم إلى حيث يريد ويتعارض مع مصالحهم الاستراتيجية، التي لطالما كانت فرنسا تاريخياً في تعارض معها، منذ سايكس بيكو إلى اليوم. قبل أيام أعلن ماكرون أنه يريد مواجهة محاولات تتريك المنطقة. فيما لم يخرج على لسانه أي موقف يتعلق بمواجهة "تفريس" المنطقة أو "فرسنتها" ولا "تهويدها" أو "أسرلتها". فتتضح معالم مشروعه السياسي، الذي ما يزال مرتكزاً على مبدأ تحالف الأقليات. ويتجلى ذلك في موقفه من الأزمة اللبنانية، من خلال طرح معادلة السلاح مقابل تعزيز الدور السياسي وفي بنية النظام الدستوري لحامله والذي خاض المعارك في كل أصقاع العالم. فتصبح هذه العمليات مقدمّة لمكافأة أي تنظيم مسلح. كل ذلك في سبيل مشروع واحد، الاتفاق مع إيران على حساب كل العرب وكل أبناء المنطقة العربية والشرق الأوسط.

كل آليات الصراع وخلفياته ما تزال على حالها منذ الحرب العالمية الأولى، منطقة الشرق الأوسط جذابة للصراعات والمواجهات والانقسامات الاقتصادية والعرقية والدينية والمذهبية والسياسية. إنها حرب المضائق والممرات المستمرة. تلك المنطقة مطوقة بثلاثة مضائق، مضيق جبل طارق، مضيق باب المندب، ومضيق هرمز، بالإضافة إلى قناة السويس. ما يمثّل تقاطعاً لكل خطوط العبور والممرات. حيث يتمركز الصراع ويتوسع، ويتجدد حالياً ويراد له حالياً أن يرسم معالم 100 سنة مقبلة.

معالم هذا الصراع بدأت تتضح، وبعد تفجير مرفأ بيروت ستتضح معالمها أكثر، بالنظر إلى مشروع التطوير الإسرائيلي الهائل في مرفأ حيفا

معالم هذا الصراع بدأت تتضح، وبعد تفجير مرفأ بيروت ستتضح معالمها أكثر، بالنظر إلى مشروع التطوير الإسرائيلي الهائل في مرفأ حيفا، والذي تريد له إسرائيل أن يكون المرفأ الأكبر والأكثر حيوية وتطوراً خلال السنوات العشر المقبلة، مدعّماً بخطوط لسكة حديد، عشر سنوات يفترض أن تلتقي مع رؤية عشرين ثلاثين   السعودية ومشروع نيوم، فيكون هناك خطّ جديد لتحالف جديد. وإلى جانبه، خطّ آخر بدأ العمل على بلورة معالمه بالاجتماع الأردني المصري العراقي، ومشروع ثالث، بين تركيا وقطر وليبيا. وهذه المشاريع الثلاثة التي ترتكز على البحر الأبيض المتوسط جميعها ترتبط بمصالح سياسية واقتصادية واستراتيجية بالولايات المتحدة الأميركية، والتي ترتبط بتفاهمات مع موسكو. وتلتقي على مواجهة المشروع الصيني، أو مبادرة حزام وطريق الصينية، لتطويعها بالحدّ الأدنى والدخول إلى عمق الشراكة فيها.

الجانب الغائب عن هذه الخطوط الثلاثة هو الطرف الإيراني وحلفاؤه، وذلك في ظل التصعيد الأميركي ضد إيران. فتقبع إيران تحت عقوبات وحصار سياسي، وكذلك دول هلالها، العراق والذي بدأ يخرج من تلك الشرنقة عبر رئيس وزرائه مصطفى الكاظمي، فيما تبقى سوريا ولبنان في حالة حصار وانهيار. هنا تحاول باريس أن تلعب دورها بالارتكاز على العلاقة مع إيران، ولعب دور الوسيط بينها وبين الولايات المتحدة، للوصول إلى تفاهم أو اتفاق يأتي بطهران وما تسيطر عليه من مناطق نفوذ إلى الحاضرة الأميركية، على حساب تركيا من جهة، والعرب من الجهة الأخرى.

كلمات مفتاحية