استخدام قيادات الثورة.. لاغتيالها

2018.08.06 | 00:08 دمشق

+A
حجم الخط
-A

من أكثر الأحداث التي أثرت في الثورة السورية خلال السنوات الماضية، بشكل سلبي، كان مصدرها من داخل بنية الثورة، وليس من خارجها، فالدول نخرت عظام الكثير من المسؤولين العسكريين والسياسيين في الحراك السوري، بطرق عدة، جعلتهم حملاً ثقيلاً على الثورة، لا حاملاً لها وراع.

القيادات التي نصبت نفسها بنفسها على سدة حكم الثورة السورية، تتحمل الجزء الأكبر من النتائج المخيبة للآمال التي حصدها السوريون خلال الأعوام الأخيرة، والتي كان أقساها، إجبار حاضنة الثورة على قبول بالأسد وجملة المحتلين معه، والعودة القسرية تحت أجنحة الظلم والاستبداد، بعد الفاتورة الباهظة التي تم تسديدها من دماء الضحايا والأرواح المأسورة في أقبية الدكتور الديكتاتور.

كما لا يمكننا تجاهل التآمر الذي حاكته الدول الكبيرة والصغيرة منها على الثورة في سوريا، من تجاهل متعمد لجرائم الأسد، والتغاضي عن الحرب العابرة للحدود التي فرضتها روسيا وإيران لتثبيت حكم الأسد، بحجج يدرك أصحابها بأنها مجرد فقاعات ظاهرية لما تخفيه مشاريعهم الخاصة.

التواطؤ الدولي على ثورة السوريين، لا يبرر بأي حال من الأحوال انقلاب القيادات العسكرية والسياسية على ثورتهم، وإيصالها للحالة المزرية التي وصلت إليها، وكان بإمكان أي مسؤول مهما ارتفع شأنه أو قل، الاستقالة عن اتخاذ قرارات مصيرية من شأنها أن تضر وطناً بأكمله، وتلحق الأذى بملايين السوريين، عوضاً عن السير بتلك الجموع نحو هاوية تقتل الآمال بعد تلك الآلام الكبيرة.

وما فعله قادة العسكر والساسة في شق الثورة السورية، سيأثر سلباً على حاضر ومستقبل ملايين السوريين

الحاضر، كالتاريخ، ليس مجرد صفحات للقراءة أو المطالعة، بل أحداث قد تغير مجرى حياة أجيال متتابعة، وما فعله قادة العسكر والساسة في شق الثورة السورية، سيأثر سلباً على حاضر ومستقبل ملايين السوريين، إذا ما استمرت حالة التدهور ذاته فيما تبقى من بقايا الحلم السوري المكتوب بالدم.

لعل، الحرب البينية التي مست ملايين السوريين لعقود طويلة، إبان حكم الأسد الأب، وامتدت لفترة حكم وريث سلطته كان لها الأثر الأكبر في فشل ولادة أي قيادة ناجحة للثورة سياسياً أو عسكرياً، ولا يخفى على أحدكم، الإرهاب والترهيب الذين اتبعهما النظام الأمني للأسدين، ضد السوريين، بهدف اغتيال أي نشاط سياسي معارض، فلم تكن هنالك أي سياسة في البلاد، ما عدا سياسة التصفيق لـ "القائد" الذي كان يشبع السوريين بأخبار "استقبل وودع".

التأرجح بمواقف القيادات العسكرية والسياسية وصولاً للدينية منها، وانقلاب نسبة غير قليلة من الزعامات على المبادئ التي تبنتها مطلع الثورة السورية، تستحق التوقف عندها بشكل جلي، وقراءة ما بين سطورها، بعد الهزيمة التي تلقتها الثورة في أعمدتها التي من المفترض بأنها ريادية ومتماسكة، ولكن الصفقات الأخيرة، أظهرت عكس ذلك، وبينت حقائق، صدمت ملايين السوريين، من تبعية تلك الفئات للدول الخارجية بشكل مفرط، والمساومة على قرارات مصيرية، انتهت غالبيتها ببيع الموقف بشكل كامل، وترك المدنيين بحالة يرثى لها، يصارعون حاضرهم ويخشون مستقبلهم.

انقلاب نسبة غير قليلة من الزعامات على المبادئ التي تبنتها مطلع الثورة السورية، تستحق التوقف عندها بشكل جلي

عملية تسليم السوريين الثائرين من قبل متزعمي التشكيلات العسكرية ومشرعيهم السياسيين، للنظام الذي هدر دماءهم وأموالهم وأعراضهم، ليست حدثاً عابراً، بل حدثاً يضاهي مشروع تسليم السلاح، والأرض، بأضعاف مضاعفة، وإن كل مشارك بتلك العمليات مسؤول عن النتائج المدمرة التي بدأ المدنيون يحصدون نتائجها، من تجنيد قسري ضمن قوات الأسد، وتصفيات ميدانية، واعتقالات بالجملة، ومصادرة أملاك، وهنا يجب طرح ألف سؤال، عن هوية القيادات التي تدير رحى الثورة السورية، ناهيكم عن هذا السياسي أو ذلك، الذي يرحب بعودة سلطة الأسد، تحت مسميات يعلم بأنها غير موجودة أصلاً.

عندما نحمل القيادات المسؤولية، فهذا ليس تهجماً على أحد، ولكنهم كما تفرقوا إلى شعباً وفرق، فإنهم يتحملون المسؤولية في ذات السياق، وعلى كل من يتذرع بالضعف وضيق الخيارات، أن يتذكر حناجر السوريين، التي بُحت وهي تنادي لوحدتهم، للملمة أجزاء وطن بعثره الأسد بين الروس والإيرانيين، وغيرهم، ممن لم يتركوا وسيلة ولا أداة إلا واستخدموها لتركيع الشعب الذي لم يركع لهم، ولكن بفضل المسؤولين الفاشلين، حصل ذلك الحلف على ما كان يريد، وربما أكثر.

ناهيكم عن ذلك السيناريو المنتشر بشكل غير محدود، بين التشكيلات، وهو أن كل قيادي نجح بتحصيل دعم ما، وتجميع بعض العناصر من حوله، جعل من نفسه قائداً ملهماً، بعد اختيار لقب له.

تبعية الفصائل العسكرية لغرف الدعم ذات الأهداف غير المفيدة لسوريا والسوريين، وتحزب السياسيين وتمزق قرارهم ما بين هذه الدولة أو تلك، كلها عوامل مكنت الأسد، شاء من فعل ذلك أو لم يشأ، لكنها هذه هي الحقائق، التي لربما ستكون محور حديث الأجيال القادمة، إذا ما دامت حالة السوء هذه، وفق ذات المسير.

فالثورة السورية، كانت بحاجة بعد الضرورات التي فرضتها الوقائع لجيش وطني يحمي حاضرها ومستقبلها، كانت بحاجة لكيان سياسي متماسك، يناضل لأجل اكتساب أوراق القوة من المجتمع الدولي الذي لم تكن له رغبة في نجاح الثورة السورية، ولكن الذي حصل، أن الجيش الذي كانت تُرتسم حوله الأمنيات، وتحفه الآمال مع الصيحات، لم يولد، بجسد واحد، بل كيانات ممزقة متناحرة، تخندقت بمسميات لا تسمن ولا تغني من جوع، وتجندت بين أجنحة دول جعلت التوحد من المستحيلات، وتحقيق المأمول من الأحلام، كل ذلك بأن هذه التشكيلات- أي العسكرية والسياسية، كانت رغبتها الأولى، هي المحافظة على تواجدها وكيانها الخاص، مهما كان الثمن، ولم تكن المشاريع بمستوى تلك الثورة التي لم تبخل بتقديم مئات آلاف الشهداء، ومثلهم من المعتقلين.

فالثورة السورية، كانت بحاجة بعد الضرورات التي فرضتها الوقائع لجيش وطني يحمي حاضرها ومستقبلها، كانت بحاجة لكيان سياسي متماسك، يناضل لأجل اكتساب أوراق القوة من المجتمع الدولي الذي لم تكن له رغبة في نجاح الثورة السورية

جسد الثورة الذي مزقته الفصائلية، والهرولة السياسية الغير مجدية، مع الرغبة الدولية بالقضاء على مشروع سوريا الوطنية، استغله الأسد وحلفه لتحقيق مآربهم، وكذلك سهلت من عمليات القضم الجزئية للمناطق واحدة تلو الأخرى، وكافة الأطراف تدرك، بأن وجود جيش وطني واحد يحمل أهدافاً عامة لا خاصة، وكيان سياسي يشرع الطريق أمامه دولياً، كان سيجعل من تأهيل الأسد مجدداً من سابع المستحيلات، ولكنهم فعلياً- أي المجتمع الدولي، استخدم نفوذه وقوته لإغراق الفصائل المال والسلاح، فجند القيادات، ووأد مشروعها عبر الأجسام السياسية التي لم تقدم إنجازاً سياسياً عالي المستوى لشعب الثورة الذي قدم لهم كل ما يملك من ثوار ومدن.

استخدام الدول، للقيادات التي لا تعرف القيادة، كأسلحة ضد الثورة، لا لصالحها، انعكس على العديد من الملفات الساخنة بنتائج صادمة، كتلك التي المشاهد التي حصلت في حلب سابقاً، وفي الغوطة الشرقية وجنوب البلاد، في الأشهر الأخيرة، وإذا ما لاحظنا، فنجد أن الثورة في تلك المناطق تم اغتيالها عبر استخدام الفصائل والساسة الذين كانوا "افتراضياً" بأنهم حماة هذه الثورة وأهلها، ولكن الذي جرى، هو استخدامهم لوأد الثورة والتضحية بمئات آلاف المدنيين.