icon
التغطية الحية

ارتفاع أسعار إيجار المنازل يثقل كاهل سكان حلب |صور

2021.03.15 | 19:29 دمشق

mlyat_hdm_abnyt_mrmmt.jpg
حلب - خالد الخطيب
+A
حجم الخط
-A

تشهد مدينة حلب ارتفاعاً غير مسبوق في أسعار إيجارات المنازل والشقق السكنية ما يشكل عبئاً إضافياً على كاهل شريحة واسعة من الأهالي الذين يعانون أصلاً من تدني الأجور في كلا القطاعين، العام والخاص، وعدم كفايتها لسد الاحتياجات المعيشية الأساسية في ظل الانهيار المتواصل في قيمة الليرة السورية أمام الدولار وباقي العملات الأجنبية.

للوهلة الأولى لا يبدو الارتفاع في أسعار إيجارات المنازل مستغرباً باعتباره جزءاً من الغلاء العام الذي اجتاح الأسواق والخدمات الأساسية، لكن الأمر هنا مختلف، فأزمة السكن وارتفاع أسعار الإيجارات لا يرجع إلى انهيار الليرة وحده، بل إلى مجموعة من العوامل التي بدأت تظهر بوضوح منذ بداية العام 2021.

الهدم المتواصل

من أهم العوامل المسببة لأزمة السكن وارتفاع أسعار الإيجارات في حلب، عمليات الهدم المتواصلة التي ينفذها مجلس مدينة حلب التابع للنظام في الأحياء الشرقية وتطول المنازل والشقق السكنية حديثة البناء وهدم المساكن "المرممة" المتضررة بالقصف السابق لقوات النظام، سياسة الهدم المتواصلة خلقت حالة استثنائية في سوق الإيجارات السكنية، بحيث أصبح الطلب أكبر بأضعاف ما هو معروض فعلاً، وأفسحت المجال أمام المتحكمين من أصحاب المكاتب العقارية لرفع الأسعار لعشرة أضعاف أحياناً، وصل سعر إيجار منزل في حي صلاح الدين على سبيل المثال إلى 150 ألف ليرة سورية شهرياً.

شهدت حلب خلال الشهرين الماضيين أعنف حملة هدم وإزالة شملت أكثر من 40 حياً في حلب، معظمها يقع في المنطقة التي كانت تسيطر عليها المعارضة السورية في الفترة بين عامي 2012 و2016، والمبررات التي يقدمها مجلس المدينة، تتلخص في أن الهدم يتم استناداً إلى المرسوم 40 للعام 2012، بالإضافة إلى عدم حصول أصحاب العقارات على رخص بناء وترميم والتي فرضها المجلس قبل أشهر، وبكلفة مرتفعة جداً.

بدأ مجلس مدينة حلب في شهر كانون الثاني 2021 حملة واسعة لهدم وإزالة المنازل والشقق السكنية بالتعاون مع الفروع الأمنية، في 6 من كانون الثاني قامت دوريات البلدية معززة بقوات من الأمن العسكري بهدم 4 أبنية سكنية، موزعة على حي الفردوس خلف جامع الكيلاني وحي الصالحين الشارع الرئيسي وبالقرب من الدوار، وفي 13 من كانون الثاني نفذ المجلس حملة هدم مركزية في منطقة مساكن الفردوس، وفي 14 من كانون الثاني استهدفت الحملة المنطقة السكنية في قطاع الأنصاري، وأزالت عدداً من الأبنية السكنية حديثة البناء في منطقة العامرية ساحة دعبول، وكذلك أزالت عدداً آخرَ من الأبنية في حي سيف الدولة جانب البريد، وفي 16 من كانون الثاني نفذ المجلس حملة هدم استهدفت حي مساكن الفردوس وحي الصالحين المجاور.

ناشط مدني في حلب (فضّل عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية) قال لـ موقع تلفزيون سوريا: "في شهري شباط وآذار، نفذ المجلس أكثر من 20 حملة هدم استهدفت الفردوس ومساكن الفردوس والميسر وصلاح الدين وأرض الصباغ وأرض الناصر والمشهد والأشرفية وتل الزرازير وحي النيرب وجبرين وسيف الدولة، جرى خلالها هدم وإزالة أكثر من 200 بناء سكني. والعدد الأكبر من الأبنية التي تم هدمها منها بني في الفترة التي تلت سيطرة المعارضة على المنطقة منتصف العام 2012، والقسم الآخر من الأبنية التي تم هدمها بني في الفترة التي تلت سيطرة النظام على الأحياء الشرقية، أي منذ بداية العام 2017 وما بعده".

وأضاف "بطبيعة الحال لا تستهدف حملات الهدم والإزالة التي ينفذها مجلس المدينة تجار العقارات ومتعهدي البناء المحسوبين على المليشيات (الإيرانية والعشائرية) والمقربين من الفروع الأمنية والمسؤولين التنفيذيين في مجلس المدينة" وأشار الناشط إلى أن "هؤلاء التجار المحسوبين على الميليشيات استفادوا كثيراً من الحملة من ناحية زيادة العرض على بيع المنازل والشقق المهدمة بأسعار رخيصة بسبب استحالة الاستفادة منها وترميمها أو البناء مكانها، وتتم عمليات البيع عادة عن طريق وسطاء لصالح تجار بناء محسوبين على مجموعة القاطرجي الدولية وشركات التطوير والاستثمار العقاري الناشئة حديثاً في حلب".

زيادة الطلب

زيادة الطلب على المنازل أيضاَ حصل بعد إخلاء آلاف المنازل والشقق السكنية وبالقوة من قبل لجنة السلامة العامة التابعة لمجلس مدينة حلب خلال عام 2020 وبداية العام 2021، ومبررات اللجنة التي قدمتها للعائلات التي أجبرت على الإخلاء، هي أن منازلهم معرضة للسقوط في أي لحظة بسبب تضررها بالقصف، لكن اللجنة لم تقدم أي بديل سكني لهذه العائلات على الرغم من أن معظمها يعيش تحت خط الفقرة وليس في إمكانهم دفع إيجار منزل، ومع ارتفاع أسعار إيجارات المنازل الجنوني لجأت الكثير من هذه العائلات للسكن في الأبنية المدمرة في الأحياء الشرقية وأطرافها في الضواحي.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن عمليات الإخلاء التي حصلت في الأشهر القليلة الماضية لم تكن فقط بسبب المخاوف من انهيار المباني، أخليت مئات المنازل في أحياء تل الزرازير والحيدرية والأرض الحمرا وبعيدين بعد أن أقر مجلس المدينة مشروع التطوير العقاري والذي يستهدف الأحياء المذكورة، وعلى هذا الأساس بدأت المراحل الأولى من المشروع والتي تلخصت في الهدم والإزالة الكاملة للبقعة العمرانية المستهدفة، في حين بقيت العائلات التي أجبرت على الإخلاء تبحث عن منازل بديلة ومعها وعود قدمها المجلس بالتعويض.

تحكم الميليشيات والفروع الأمنية

يبرز العامل الثالث في هيمنة الميليشيات الإيرانية والعشائرية والتجار المحسوبين عليها على سوق الإيجارات بشكل كبير من خلال سيطرتهم على عدد كبير من القطاعات السكنية في الأحياء الشرقية وتحكمهم بتأجير واستثمار آلاف المنازل والشقق التي تعود ملكيتها للمهجرين والمعارضين من أبناء تلك الأحياء، ورفعت مكاتب التأجير المحسوبة على الميليشيات والفروع الأمنية أسعار الإيجارات بشكل كبير منذ بداية العام 2021.

التضييق على حركة العمران من قبل النظام (هدم وإزالة وفرض تراخيص ومنع الترميم) وإفساح المجال أمام ما سموهم أهالٍ من حلب، "أمراء الحرب" للاستثمار في قطاع السكن تسبب في حركة بيع غير مسبوق للمنازل في عدد من الأحياء الشرقية، وتولت ميليشيات النظام الإيرانية والتي تتقاسم السيطرة على الأحياء إتمام الصفقات والتي تتم في غالبها لصالح شركات التطوير والاستثمار العقاري الناشئة، وتستحوذ شركة القاطرجي للتطوير والاستثمار العقاري على الحصة الأكبر من المنازل والعقارات المشتراة من المهجرين، وكذلك النازحين داخل أحياء المدينة.

وتركزت عمليات بيع المنازل في الأحياء القريبة من منطقة المطارين المدني والعسكري شرقي المدينة، في أحياء كرم الميسر وكرم الطراب وكرم الجزماتي وجبل بدرو والأرض الحمرا وكرم الطحان ومساكن الشباب وكرم القاطرجي، ونسبة العائدين إلى الأحياء الثمانية قليلة جداً مقارنة بباقي الأحياء في القسم الشرقي وذلك ليس بسبب الدمار في البنى الفوقية والتحتية وحسب إنما بسبب إهمالها المتعمد من قبل مؤسسات النظام الخدمية، حيث لا كهرباء ولا مياه، ولا خدمات بلدية، ولا وسائل نقل. وتبدو الأحياء الثمانية كثكنة عسكرية كبيرة تتقاسمها ميليشيات "لواء الباقر" و"حزب الله اللبناني" و"فيلق المدافعين عن حلب" و"الدفاع الوطني" و"الفرقة الرابعة" و"ميليشيا عشائرية محلية"، لذا يبدو العيش فيها مستحيلاً، ولا يمكن لأصحاب المنال فيها إجراء عمليات الترميم أو البناء مجدداً، لذا فهم مضطرون للبحث عن منازل مستأجرة، وكثير منهم يفكر ببيع منزله ليتمكن من استئجار منزل في أحياء أخرى.

البحث عن بيت للإيجار

يختلف سعر إيجار المنزل أو الشقة السكنية في حلب بين حي وآخر، وذلك تبعاً لمعايير محددة، ومدى توفر مجموعة الخدمات العامة من (كهرباء ومياه وصرف صحي) بالإضافة إلى مستوى الأمان وحجم وشكل هيمنة وانتشار الميليشيات بين حي وآخر.

في الأحياء الغربية ووسط المدينة (الشهباء والفرقان والجميلية) وغيرها، تتراوح أسعار الإيجارات بين مليون ليرة سورية ومليونين  شهرياً، في حين ينخفض إلى 400 ألف ليرة في أحياء الموكامبو وشارع النيل والعزيزية، بينما يصل إلى 100 ألف ليرة سورية في أحياء الميدان وبستان الباشا، ويصل إلى 75/40 ألف ليرة سورية في الزبدية والمعادي والصالحين وبستان القصر والفردوس وهذه الأحياء تفتقر للخدمات العامة، ولا تصل الكهرباء إلا إلى قسم قليل منها.

"أحمد" وهو موظف في القطاع العام بمدينة حلب، ويقيم في حي الفردوس قال لـ موقع تلفزيون سوريا: "نصف راتبي يذهب لدفع إيجار منزل، الراتب 75 ألف ليرة سورية يذهب منه 40 ألف ليرة سورية أجرة المنزل والباقي منه بالكاد يكفي كمصروف لشراء الخبز والحاجيات البسيطة"، وأشار أحمد إلى أنه كان يدفع سابقاً 10 آلاف ليرة سورية كأجار شهري لمنزله إلاَّ أن صاحب المنزل رفع الأجرة منذ شهر بسبب الغلاء وفقدان الليرة السورية لقيمتها"

عدد من العائلات المنحدرة من حلب تواصل معهم موقع تلفزيون سوريا أكدوا "بأنهم تخلوا عن حلم شراء منزل منذ بداية العام الحالي وبات تركيزهم على تأمين أجار المنزل الذي يقيمون فيه، لأن أسعار المنازل أيضاَ حلقت بشكل غير مسبوق، والمبالغ التي لديهم يتم استنزافها لتغطية مصاريف المعيشة المتزايدة"

وزير الاقتصاد والمالية في "الحكومة السورية المؤقتة"، الدكتور عبد الحكيم المصري، قال لـ موقع تلفزيون سوريا إن "أزمة السكن في حلب وعموم المناطق السورية التي أحكم النظام قبضته فيها هي انعكاس لواقع التدمير الذي عاشته هذه المناطق، وبالتالي خسرت هذه المناطق كماً هائلاً من بناها العمرانية الأمر الذي شكل حالة من الطلب المتزايد على المنازل والتي ارتفعت أسعارها عشرات الأضعاف" وأضاف الدكتور المصري "المواطن عاجز ويضاف إلى عجزه ضغط نظام الأسد وشبيحته وأمراء الحرب التابعون له واستغلالهم لحاجة الناس للسكن، لا نستغرب أن نرى خلال الفترة القادمة عائلات تنام في العراء والمباني المدمرة بسبب عجزها عن دفع إيجار منزل".