اخرسوا وإلا فجّرتكم

2019.01.24 | 00:01 دمشق

+A
حجم الخط
-A

مَن يعرف نظام الأسد -ولو لِماماً- لا يشك للحظة بأن أجهزته الأمنية هي التي هندست ونفذت التفجيرات في دمشق واللاذقية منذ يومين، ولا يشك أيضاً بأن أجهزته الإعلامية ستستثمر الحدث لإعادة إنتاج المقولة التي يستند إليها هذا النظام في وجوده: لا صوت يعلو فوق صوت المعركة!.

قرقعة جرار الغاز في الشوارع مؤخراً، وصل صداها إلى القصر الجمهوري، متجاوزاً السقف الأعلى المسموح به والحدّ المرسوم لنهاية الصوت، أقصد (الحكومة ومجلس الشعب والمحافظين ومن هم أدنى...)، فكان لابد من تفجير الموالين الشكّائين المتأفّفين من البرد والعتمة والجوع.. لنعود إلى المعادلة القديمة المتجددة التي لا ينوي النظام تغييرها أو تحديثها حتى: العيش كما أشاء أو الموت كما أشاء!.

القبضة الأمنية وشعارات المقاومة والمعاقبة بالموت هي الحل

المعادلة ذاتها هي المفروضة في الدول التي تقود ركاب "الأسد" وتشدّ لجامه، فإيران التي سلمها السفاح نصف سوريا وأحلّها محل سوريين هجّرهم من بلداتهم وقراهم، تتبع الأسلوب نفسه في سياسة مواطنيها الجائعين المُنهكين، القبضة الأمنية وشعارات المقاومة والمعاقبة بالموت هي الحل، وهي السيناريو الوحيد الذي أوجده النظام الإيراني لمواجهة العقوبات الأميركية القاسية، فكلما جاعت فئة جديدة من الشعب ونكب الفقر والعوز أخرى، أطلق أزلام الولي الفقيه تصريحاً نارياً عن قرب محو "إسرائيل"، وأطلقت وكالة الفضاء صاروخاً إلى السماء للمتاجرة به على الأرض، رغم فشله وسقوطه على بعد أمتار قليلة!. 

قلت في غير مقال منذ العام 2016: إن الموالين هم من سيسقطون "أسدهم" أخيراً، وهم يمتلكون من الأسباب والضرورات ما يجعلهم يسيرون في هذا السيناريو كطريق إجباري إن أرادوا البقاء. 

المواطن المطلوب في "دولة الأسد" هو العبد الذي يشكر سيده على كل شيء

فعقلية نظام الأسد الأمنية لا يمكن أن تتقبّل أو تتفهّم وجود مواطن كامل، مواطن يطلب ويطالب، حتى وإن كان موالياً.. فالمواطن المطلوب في "دولة الأسد" هو العبد الذي يشكر سيده على كل شيء، على الجوع والبرد والخوف... وهو الذي يفدي سيده بالروح والدم من دون مقابل، ومن دون أن يعرف لماذا أيضاً. 

الأزمات المعيشية ستتفاقم، ولن يكون من الممكن احتواؤها لا في المدى القريب ولا المتوسط، والنظام لن يرد إلا بمزيد من التفجيرات وإشاعة الموت في صفوف مؤيديه، ليحرف المسار ويعيد ترتيب الأولويات جاعلاً مجرد البقاء أولوية لا يُقاس بها ولا عليها. 

إلا أن فئات متضررة من المؤيدين لن تقبل بعد الآن، فهم أصبحوا يحسدون اللاجئين على معيشتهم!، وهم يدركون أنه بعد الآن لا حلول للفساد ولا نية لمكافحته، حتى بعدما دفعوا أكبر فاتورة يمكن أن يدفعها عبد في التاريخ: أرواحهم وأعضاءهم وأبناءهم، كلّ ذلك "فدا صرماية الأسد"!. 

كما أن عناصر الميليشيات والشبيحة الذين أطلق النظام أيديهم في طول البلاد وعرضها وفي رقاب الناس وأموالهم، لن يقبلوا لا هم ولا أهلهم بالفتات بعدما اعتادوا عيش "السلاطين" من جراء إغاراتهم على أموال الناس وأرزاقهم. 

فالراتب الذي سيحصل عليه عناصر الميليشيات بعد ضمهم إلى قوات الأسد لا يعادل جنى ساعة واحدة على حاجز!.. ولا يكفي لشراء "عدة" سهرة واحدة من سهراتهم المتوحشة، لذا بدأت ظاهرة الخطف مقابل فدية تنتشر وتتمدد في مناطق الموالين، مستهدفة أبناءهم، فالمصادر الأخرى صارت بمنأى، والنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله. 

وفي المحصلة؛ لن يجد نظام الأسد المتهالك اقتصادياً وسياسياً سبيلاً لتوفير الحد الأدنى من احتياجات من ضحّوا من أجله بالروح والدم، وهم من جهتهم سيطلبون المقابل إن لم يكونوا قد بدؤوا فعلاً بطلبه وإن في الحد الأدنى، في معادلة مرشحة للتصعيد من الطرفين، فالنظام سيُعْمِلُ فيهم القتل والتنكيل ناسباً ذلك لـ"الإرهاب"، وهم ستتطور لهجتهم وتعلو نبرتهم وصولاً إلى التمرد، ولكن ليس من أجل الحرية، للأسف، بل من أجل شروط عبودية أفضل!.