احتمالات الحرب بين أميركا وإيران

2020.12.05 | 23:00 دمشق

_110411016_iranusa.png
+A
حجم الخط
-A

تحدثت بعض مصادر الأخبار أن إيران تشهد حالة تأهب قصوى، منذ أن اغتيل مهندس برنامجها النووي، محسن فخري زاده، ثم تضيف هذه المصادر أخباراً عن تحشيد عسكري أميركي في منطقة الخليج العربي، يشبه إلى حد كبير التحشيد العسكري الذي سبق الحرب الأميركية على العراق.

لم يعد لدى الرئيس الأميركي" ترامب" ما يخسره، فموعد إسدال الستار على المسرحية "الترامبية"، والتي عاش العالم على وقع فصولها العبثية طوال أربع سنوات قد أعلن، ويبدو أنه عرض وحيد لن يتمكن ترامب من تكراره مرة أخرى. لكن ترامب لا يريد أن ينهِ مسرحيته نهاية عادية،

ثمة حليف قوي لترامب أيضاً، هو مثله في ورطة، إنه رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، الذي يجاهد هو الآخر للقيام بفعل تاريخي يخفف من ورطته

فهو حتى في لحظاته الأخيرة يفكر في نهاية مثيرة لرئاسته تجعله مختلفا عن الرؤساء الآخرين، الذين يأتون إلى البيت الأبيض ويغادرونه، بطقوس مملة خالية من الإثارة.

ثمة حليف قوي لترامب أيضاً، هو مثله في ورطة، إنه رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، الذي يجاهد هو الآخر للقيام بفعل تاريخي يخفف من ورطته، ويجدد احتمالات البقاء في موقع رئاسة الوزراء، وليس هناك خيار أفضل لهما من الملف النووي الإيراني، وإنهاء التمدد الإيراني على كامل مساحة المشرق العربي، فهل يذهب الحليفان في الفترة المتبقية من عهد ترامب إلى فعل ضدها، يجعل منهما أبطالا في اللحظات الأخيرة؟

منذ أكثر من أربعة عقود، أي منذ أن حطت طائرة "الخميني" العائد من منفاه في مطار طهران مطلع عام 1979م، والاحتكاكات الأميركية الإيرانية تقترب من لحظة الحرب، وتصبح كل مسبباتها حاضرة، وتنضج شروطها ويستعد العالم لها، لكنها تؤجل مرة بعد أخرى.

أقامت أميركا العالم عندما غزا صدام حسين الكويت، وحشدت عشرات الدول لإخراجه منها، ولم تكتف بإخراجه منها بل حاصرت العراق لأكثر من عقد، ثم اخترعت كذبة أسلحة الدمار الشامل، وغزت العراق، ولم تنتظر حتى الحصول على قرار من مجلس الأمن بذلك، وها هي إيران تحتل دولاً عديدة، ومساحتها عشرات أضعاف مساحة الكويت، وتعلن جهاراً أن لديها مشروعها النووي، فلماذا إذاً تتريث أميركا؟

بعيداً عن الكويت، وكذبة أسلحة الدمار الشامل العراقية، ألم تحتجز إيران 52 موظفاً أميركياً في السفارة الأميركية في طهران من تشرين الثاني 1979 وحتى كانون الثاني 1981، ثم أليست إيران هي من فجرت مقر المارينز في بيروت 1983 عبر ربيبها حزب الله؟ أليست هي من تعرضت لناقلات نفط بريطانية في الخليج، وفجرت أربع ناقلات قرب ميناء الفجيرة في الإمارات العربية المتحدة؟ أليست من قصفت منشآت النفط السعودية، وتحرشت مرات عديدة بمواقع عسكرية أميركية داخل العراق؟ ..الخ.

 بالمقابل ألم تسقط أميركا طائرة ركاب مدنية إيرانية 1988، ولم تقبل حتى الاعتذار عن فعلتها؟ وفرضت حصاراً اقتصادياً شديداً على إيران، واغتالت قاسم سليماني رئيس حرسها الثوري والشخص الثاني في موقع الهرمية الإيرانية، وها هي تغتال منذ عدة أيام مهندس برنامجها النووي محسن فخري زاده، ومنذ سنوات تواصل إسرائيل قصف مواقع عسكرية ونووية داخل إيران وداخل سوريا؟

تذهب بعض التحليلات لاستبعاد نشوب حرب بين الدولتين، فأميركا تدرك أن أي حرب بينها وبين إيران ستشعل منطقة الشرق الأوسط كلها، ورغم التفوق العسكري الأميركي، إلا أنها لن تستطيع حسمها خلال زمن قصير، وبالتالي فإن تداعيات هذه الحرب قد تكون كارثية على كل الأطراف، من جهة أخرى هل تقبل أميركا أن ينهزم البعبع الإيراني ويفقد قوته، وبالتالي تفقد شركات الأسلحة سوقا رئيسية لها وهي دول الخليج العربي، والتي تحتل الصدارة عالمياً في شراء السلاح، والتي تكدسه منذ عقود طويلة، بحجة قوة إيران العسكرية؟

بينما تذهب تحليلات أخرى إلى أن العقود الأربعة الماضية، شهدت ظروفاً كانت دوماً تؤجل نشوب هذه الحرب، بدءاً بالحرب العراقية الإيرانية، ثم اجتياح الكويت وحصار العراق وغزوه، وصولاً إلى أحداث أيلول 2011 وأفغانستان، وتذهب هذه التحليلات للقول: إن الأولوية الآن أصبحت بعد سلسلة المعارك السابقة، هي للمعركة مع إيران.

إنّ حاجة أميركا لإيران تفوق حاجتها لكل دول المنطقة الأخرى -إذا استثنينا إسرائيل-

بين إيران ركيزة "محور الشرّ" كما تصفها أميركا، والأمين العام للشرّ كله "الشيطان الأكبر" كما تصف إيران أميركا، ثمة تقاطع بالغ الأهمية، وربما هو من يمنع نشوب هذه الحرب، إنه الشرّ، الجوهر العميق لاستراتيجية دولتين تجدان نفسيهما في مواجهة على نهب منطقة مستباحة، فإذا اقتنع الشر الإيراني بتفوق الشر الأميركي، واحترم مصالحه فإن الحرب لن تكون، وهو الاحتمال الأرجح.

إنّ حاجة أميركا لإيران تفوق حاجتها لكل دول المنطقة الأخرى -إذا استثنينا إسرائيل- فإيران وحدها من استطاعت في زمن قياسي أن تدمر أربع دول عربية تدميراً شاملاً، وهي المؤهلة لتدمير ما تبقَ، وبالمقابل فإن لإيران تفضيلات أخرى كثيرة غير الذهاب لحرب خاسرة، وهي ما تزال تنتظر استلام "بايدن" لمهامه، وبالتالي فإن احتمالات الحرب هي أضعف من لحظات كثيرة، شهدتها العلاقات الأميركية الإيرانية. 

لم يبقَ لدى الحالمين بهذه المعركة إلا احتمال وحيد، هو كيف سيقرر جنون العظمة لدى ترامب إنهاء مسرحيته التاريخية، وهل سيقبل أن يعيد خليفته "بايدن" التفاوض على الملف النووي الإيراني كما فعل "أوباما"، أم أنه سيغلق الباب تماماً على هذه المفاوضات، عبر قصف شامل لمواقع هذا البرنامج النووي؟