اتّحاد طلّاب سوريا وطلبتها.. جوقةٌ في فرقة الغراب القائد

2022.03.15 | 06:07 دمشق

aleppo.jpg
+A
حجم الخط
-A

لطالما لعبت الحركات والتنظيمات الطلّابية عبر التاريخ أدوارًا مهمّة في التغيير؛ واستطاع الطلّاب من خلالها أن يكسبوا قضايا مهمّة وحيويّة بالنسبة إليهم ولأوطانهم أيضًا، تمدّنا قراءة تاريخ الحركات الطلّابية حول العالم بنماذج وتجارب نجح الطلبة فيها بتحريك الرأي العام الذي أجبر حكومات تلك البلدان على الإنصات إليهم والقبول بمطالبهم، وهذا إن دلّ على شيء فإنّه يدلّ على ما تملكه تلك الحركات والتنظيمات من تأثير وقدرة على إحداث التغييرات وجذب الانتباه إلى قضاياهم ومطالبهم التعليمية الخاصّة بهم أو بقضايا وطنهم؛ سواء كان ذلك بالطرق السلميّة أو في حال نحوا إلى المواجهة ومقابلة العنف الذي يُمارس عليها بالعنف أيضًا.

من أشهر الحركات الطلّابية تلك الحركة التي شهدتها فرنسا في أيّار 1968، والتي طالبت بعمليّة تحديثٍ للمجتمع يقودها جيل ما بعد الحرب الذي انتقد الرؤى المغلقة لمن عاشوا الحرب فيما يتعلّق بمجتمعهم والأخلاق والعالم حولهم، وقد بدأت تلك الأحداث إثر اعتقال الشرطة الفرنسية أحد طلّاب "معهد نانتير" ممّن خرجوا في تظاهراتٍ ندّدوا من خلالها بالحرب الأميركية على فيتنام، ثمّ اتّسعت الاحتجاجات وانضمّ إليها المعلّمون والعمّال والفلاحون، واستمرّ الإضراب الذي شمل عشرة ملايين عامل فرنسي حتى يوم 29 من أيار (أكبر إضراب في تاريخ فرنسا)، لتعلن حكومة (شارل ديغول) في نهاية أيّار عن انتخابات برلمانيّة جديدة، ولتتفاوض مع الأحزاب الكبرى واتّحادات العمال لإنهاء الإضراب، وأقرّ الرئيس (ديغول) زيادات في الأجور إلى جانب بعض الإصلاحات الإدارية في المصانع والجامعات.

في سوريا أيضًا لعب الحراك الطلّابي دورًا بارزًا وأسهم إلى حدٍّ كبير في تشكيل الوعي العام، وقد ظهر بشكلٍ واضحٍ ومؤثّر إبان الاحتلال الفرنسيّ لسوريا

في مصر كذلك كان للحركة الطلّابية دور كبير في تاريخ نضال الحركة الوطنيّة المصريّة، بل كثيرًا ما كان الطلّاب عاملًا أساسيًّا في تحريكِ عدة أحداث منها انتفاضة الطلّاب عاميّ 1936ـ 1946، بالإضافة إلى انتفاضة أخرى قام بها الطلّاب عقب خطاب ألقاه السادات، لتثير عبارة "العالم لا يتّسع لحربين كبيرتين" غضب الطلّاب وجموع المصريين، وليخرج الطلبة في مظاهراتٍ احتجّوا فيها على خطابه وطلبوا اللقاء به ليجيب عن تساؤلاتهم، وحين لم يلقوا منه أيّ استجابة تحرّك آلاف الطلّاب في تظاهراتٍ كبيرة واتّجهوا إلى ميدان التحرير وقرّروا الاعتصام فيه وتمّ اعتقال عددٍ كبيرٍ من الطلاب، لكن ذلك لم يمنعهم من استمرار نشاطهم الاحتجاجيّ على الأوضاع، وندّدوا باقتحام الشرطة لحرم الجامعة، وتعدّ تلك الانتفاضة من أهمّ الانتفاضات الطلّابية التي حرّكت المياه الراكدة في قضيّة الحرب على إسرائيل، كما أنّها أثارت الرأي العام في مصر وكسبت تأييد المجتمع.

في سوريا أيضًا لعب الحراك الطلّابي دورًا بارزًا وأسهم إلى حدٍّ كبير في تشكيل الوعي العام، وقد ظهر بشكلٍ واضحٍ ومؤثّر إبان الاحتلال الفرنسيّ لسوريا، وكان بمنزلة المؤشّر على الوعي المجتمعيّ، إذ نظمت الحركات الطلّابية فعاليات وأنشطة عديدة أسهمت في رفع الوعي السياسيّ للطلبة وحشد جهودهم ضد الاحتلال من خلال الحركات الاحتجاجية وتنظيم الإضرابات والمظاهرات، وتوزيع المنشورات والعمل بشكلٍ سريّ ضدّ الفرنسيين والمتعاونين معهم، واستطاع الحراك الطلّابي أن يمتلك القدرة على قيادة المشهد السوريّ وتوجيهه.

لم تتوقّف الحركات والتنظيمات الطلّابية في فترة الاستقلال، وقد أسهمت في إسقاط حكومات موالية للفرنسيين، كما أسهم اعتصام طلاب جامعة دمشق أمام مكتب وزير الاقتصاد (رزق الله الأنطاكي) احتجاجًا على تصدير القمح السوري إلى فرنسا التي كانت تحتل الجزائر وتأييدًا للشعب الجزائريّ في نضاله المشروع ضد المحتل؛ في إلغاء الصفقة في ذلك الوقت الذي لم يكن الخوف فيه قد أحكم حلقاته على السوريين.

ظلّ الحراك الطلّابي السوريّ مستمرًا حتّى وصول حزب البعث إلى الحكم، ليمنع كلّ النشاطات السياسيّة للطلبة، باستثناء تلك الأنشطة التي ينظّمها المنتسبون إلى صفوفه والتي تتلخّص في تمجيد النظام الحاكم وتنظيم المناسبات والمحاضرات التي تتعلّق بأنشطته وإنجازاته، ولم يتوان عن حظر كلّ الأنشطة التي تخالف توجّهاته تلك وقد وصل الأمر به إلى اقتحام الحرم الجامعيّ واعتقال كلّ من تُثار حوله الشبهات بممارسة نشاط مخالف دون أن يلقي بالًا إلى مكانة المثقّفين في المجتمع.

عادت الروح مجدّدًا والنشاط إلى الحراك الطلابي السوري مع الربيع العربي، وجميعنا نتذكّر أنّ شرارة الثورة السورية الأولى بدأت على أيدي أطفال المدارس في درعا من خلال تلك الشعارات التي خطّوها على جدران مدارسهم متأثّرين بثورات الربيع العربي التي اشتعلت في بلدان عربية عديدة، لينضمّ الطلّاب الجامعيون السوريون إلى الحراك الثوريّ السلميّ، ولتشهد جامعة حلب مظاهرات عديدة تجمّع الطلّاب فيها منادين بالحريّة وإسقاط النظام، فما كان من إدارة الجامعة إلّا أن استدعت قوّات الأمن، وأجبر القمع الرهيب الذي مارسته قوى الأمن الطلبة على التفرّق وترك التظاهرات السلميّة والالتحاق بالركب العسكريّ للثورة.

في فترات الحراك السلميّ الأولى تمّ إنشاء (اتّحاد طلبة سوريا الأحرار) وقد أسهم هذا التشكيل في تنظيم المظاهرات، ونتيجة الاعتقال والتعذيب الممنهج الذي تعرّض له أولئك الطلبة والقصف العشوائيّ للمدارس والجامعات وعسكرة الثورة غادر كثيرٌ منهم إلى البلدان المجاورة لإتمام دراستهم، أو من أجل العمل، لكن فرار معظمهم كان بسبب التجنيد الإجباريّ في صفوف النظام الذي زجّ فيه الشباب السوريّ بمختلف أطيافهم في حرب الغاية الوحيدة منها الحفاظ على وجوده في السلطة.

اليوم وبينما تنشغل التجمعّات الطلّابية واتّحادات الطلبة السوريين في الشّمال وفي الجامعات التركية بالتجهيز لذكرى الثورة السورية الحادية عشرة؛ لا نكاد نجد أيّ أثرٍ لحراكٍ حقيقيّ للطلبة السوريين في مناطق سيطرة النظام، وكلّما اندلع احتجاجٌ أو تظاهرة في مناطق النظام تتوجّه إليها الأنظار وتنعقد الآمال عليها بأن تكون القشّة التي ستقصم ظهر البعير أخيرًا، فلا يخفى على أحد التفتّت الذي لحق بالنظام السوريّ، وربّما لن يكلّف الأمر أكثر من التمرّد غير المؤذي وغير العنيف، كما حصل أثناء التمرّد الذي قام به الطلبة الفرنسيون والذي كشف عن هشاشة النظام السياسي بأسره، حدث أن تفتّت ذلك النظام بسرعة أمام الأعين المندهشة للمتمرّدين الشباب، فهم لم يرغبوا في أكثر من تحدّي النظام الجامعيّ المهترئ، فكانت النتيجة أن تهاوى نظام سلطة الحكومة بأسره وجنبًا إلى جنب مع تهاوي البيروقراطيات الحزبيّة الضخمة.

لم يجدوا حرجًا في الخروج في مسيراتٍ مؤيدة لروسيا في حربها على أوكرانيا في جامعات حلب وحمص التي ألحق قائدهم بهما وببقيّة المدن السوريّة نكبات لا تقلّ وحشيّة وفظاعة عن تلك النكبات التي حفظها التاريخ لنا

من الواضح تمامًا أنّ طلبة سوريّا واتّحادها اليوم في وادٍ آخر أبعد ما يكون عمّا يحدث في وطنهم سوريا، وأكثر انشغالًا اليوم بالحرب الروسيّة الأوكرانية من أهلها، فهم على خطا قائدهم الفذّ يرون ما يراه، ويغرّدون على هواه، فحين ينعب قائدهم بأنّ "ما يحصل اليوم هو تصحيح للتاريخ وإعادةٌ للتوازن إلى العالم الذي فقده بعد تفكّك الاتّحاد السوفياتيّ" فلا بدّ أن تهرع جوقة المكتب التنفيذيّ للاتحاد الوطنيّ لطلبة سوريا إلى تنظيم لقاء حواريّ مع فيصل المقداد للبحث في تلك المقولة التاريخيّة للقائد الذي لا يجود عليهم إلّا بالدرر التي تنتظم كعقد ناصعٍ يتزيّن به جيد التاريخ كما يرون؛ التاريخ الذي لا يعلمون أنّه لن يرحم الجبناء والمتخاذلين منهم، وأنّهم لن يكونوا فيه سوى وصمة تلطخ تاريخ السوريين العريق، خصوصًا أنّهم لم يجدوا حرجًا في الخروج في مسيراتٍ مؤيدة لروسيا في حربها على أوكرانيا في جامعات حلب وحمص التي ألحق قائدهم بهما وببقيّة المدن السوريّة نكبات لا تقلّ وحشيّة وفظاعة عن تلك النكبات التي حفظها التاريخ لنا، مدنٌ خرجت من جامعاتها يومًا أعظم المظاهرات المطالبة بالحرية من أجلهم، لكن العبيد يصرّون على سدّ نوافذهم في وجه الحريّة حتّى الرّمق الأخير فيهم.