اتساع الخريطة

2021.07.24 | 06:21 دمشق

e-53.jpg
+A
حجم الخط
-A

لا يكاد يمر يوم من دون أن نسمع خبراً عن حادثة عنف موجهة ضد النساء، لم يعد الأمر يقتصر على حكاية جرائم الشرف الذي أصبح الحديث فيها مكررًا ويبدو من دون جدوى، بل إن خريطة العنف قد بدأت تتسع وتأخذ أشكالاً جديدة ومختلفة.

فمن ممارسة العنف الأسري إلى التحكم في حياة النساء وممارسة العنف ضدهم جسدياً ونفسياً، مثل الاغتصاب أو الإجبار على الإجهاض أو التحرش، إلى حالات تصل إلى إزهاق الروح في أحيان كثيرة.

تثبت الإحصائيات أن الشرق الأوسط يمتلك أكبر أرقام متعلقة بهذا الخصوص وأن الحالات التي تسجل تعد أقل بكثير من الحالات التي لا تشملها الإحصائيات لأسباب كثيرة ومتنوعة، ذلك أن معظم المجتمعات والشرائح تعمل على التكتم على مثل هذه الحالات مدفوعة بالعادات والتقاليد أو متذرعة بفتاوى الاجتهادات الدينية، وأن ما يصل إلى وسائل الإعلام أو ما يضغط الرأي العام بخصوصه يبقى مقتصراً على حالات قليلة جداً لا تبين مدى فداحة الأمر أو مدى تأثر الثقافة المجتمعية العامة به.

لقد بدأ الأمر يأخذ ضجة إعلامية كبيرة بعد أكثر من حادثة أخذت انتشاراً في الإعلام أو في مواقع التواصل الاجتماعي، وبدأت الجمعيات النسوية ومنظمات حقوق الإنسان ترفع صوتها بهدف تشريع قوانين خاصة بحماية النساء على أن تتمتع بجزاءات رادعة، أو تسعى إلى المطالبة بإنفاذ قوانين مشرعة أصلاً لكنها لم تضع موضع التنفيذ بفعل الضغط الاجتماعي أو بفعل عوامل الفساد المترسخة في السلطة.

يبدو مما سبق أن العالم العربي يعد المكان المثالي لانتشار مثل هذه الظواهر العنفية بسبب سيطرة منظومة من الفساد الاجتماعي والحكومي والسياسي في بنيته، غير أن هذا إذا كان صحيحاً في كثير من الأحيان إلا أنه ليس مطلقاً، لأن حالات العنف موجودة في كثير من الدول غير العربية إلا أنها تقع هي الأخرى في فخ انتقاص حقوق النساء.

في لبنان مثلاً بالرغم من اعتماد قانون جديد متعلق بالعنف الأسري في سنة 2014، لم يتم تجريم الاغتصاب الزوجي بعد، كما أن امرأة واحدة على الأقل تُقتل على يد زوجها كلّ شهر، أما في الأردن فلم يتم تجريم العنف الأسري بعد بسبب غياب تعريفٍ صريح للعنف في قانون العنف الأسري.

في الأراضي المحتلة يُعتبر "صون شرف العائلة" ظرفًا مخفِّفًا في القانون الجنائي عندما يتعلق الأمر بقتل النساء.

يتيح القانون الجنائي الليبي للمغتصِب الإفلات من المقاضاة إذا تزوّج المرأة التي اغتصبها، ويتبع مثل هذا القانون في سوريا أيضاً

أما في مصر حيث تعد نسبة تعالي أصوات النساء للمطالبة بحقوقهن أفضل من قريناتهن في بقية الدول فقد تعرضت نسبة 99% من النساء لأحد أشكال التحرش أو العنف الجنسي كذلك خضعت 91% من النساء بين 51 و94 سنة لعملية تشويه أعضائها التناسلية بالرغم من حظر هذه العملية منذ 2008.

كذلك يتيح القانون الجنائي الليبي للمغتصِب الإفلات من المقاضاة إذا تزوّج المرأة التي اغتصبها، ويتبع مثل هذا القانون في سوريا أيضاً.

في السياق نفسه تفيد الإحصاءات في الجزائر بأن 100 إلى 200 امرأة تموت كلّ سنة بسبب العنف الأسري وينتقد الدارسون أن القانون المتعلق بالعنف ضد المرأة الذي اعتمد في مارس 2015 يتضمن بندًا إشكاليًّا ينص على أن ّ مقترف الجريمة يمكن أن يفلت من المقاضاة إذا عفت عنه ضحيته.

تقابل مطالبات النساء بحمايتهن في أوقات كثيرة برفض من المجتمع برجاله ونسائه ما يجعل كثيرا من النساء اللاتي تعرضن للعنف يحجمن عن الدفاع عن حقوقهن

في الاتحاد الأوروبي تعرضت نصف النساء الأوروبيات إلى شكل من أشكال التحرّش الجنسي، كما أن ثلث النساء البالغات 51 سنة أو يزيد عمرهن عن 15 سنة تعرّضن للعنف الجسدي و/أو الجنسي.

تقابل مطالبات النساء بحمايتهن في أوقات كثيرة برفض من المجتمع برجاله ونسائه ما يجعل كثيرا من النساء اللاتي تعرضن للعنف يحجمن عن الدفاع عن حقوقهن، الأمر الذي يستدعي النظر بمسألة وضع قانون يحد من هذه الظاهرة بشكل حالي وعاجل.

بخصوص هذه المداولات فقد وقعت كثير من الدول على اتفاقية إسطنبول التي تهدف إلى منع العنف، وحماية الضحايا، و"وضع حد لإفلات مرتكبي الجرائم من العقاب ففي حُزيران/ يونيو 2017، وقعت 45 دولة، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، على الاتفاقية. وفي 12 آذار/ مارس 2012، أصبحت تركيا أول دولة تُصدق على الاتفاقية، وتبعتها 27 دولة من عام 2013 حتى عام 2017، هي (ألبانيا، وأندورا، والنمسا، وبلجيكا، والبوسنة والهرسك، وقبرص، والدنمارك، وفنلندا، واستوينا، وفرنسا، وجورجيا، وألمانيا، وإيطاليا، ومالطا، وموناكو، والجبل الأسود، وهولندا، النرويج، وبولندا، ورومانيا، والبرتغال، وسلوفاكيا، وإسبانيا، والسويد، وسويسرا) وقد دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في 1 من آب/ أغسطس 2014.

في حين أثار حفيظة منظمات نسائية انسحاب بعض الدول منها فيما بعد، مثل تركيا أو بلغاريا وبولندا لأسباب عدة الأمر الذي قد يؤدي إلى:

    • إبقاء النساء مواطنات من الدرجة الثانية.
    •  غض البصر أو السماح بتعرضهن للعنف.
    • انحسار هامش الحريات التي تطالب بها النساء.
    • الإبقاء على حالة عدم المساواة بين الجنسين في معظم دول العالم.
    • احتمال ازدياد أعمال العنف ضد النساء في حال عدم وجود بيئة قانونية آمنة وضامنة لحقوق النساء.

 

المشكلة الحقيقية أن خريطة العنف ما زالت في اتساع في مواجهة فشل الإجراءات للحد منه، ذلك أن لبّ الموضوع لا يتلخص في إبرام الاتفاقيات والتوقيع عليها أو تشريع القوانين، في وقت تمتنع كثير من الدول عن تنفيذها أو تحاول النفاذ من ثغراتها من أجل إبقاء الحالة القائمة على ما هي عليه، ذلك أنه ومن باب أولى أن تكون قوانين هذه الدول متماشية مع حقوق الإنسان وتضع حقوق المرأة في عين الاعتبار ويعد أهم من ذلك كله العمل على رفع سوية الثقافة المجتمعية وتعزيز ثقافة احترام النساء والعمل على حماية حقوقهن.