اتحاد القوى المدنية العربية المعارضة في مواجهة الأنظمة

2022.02.20 | 05:55 دمشق

1120212314516547.jpg
+A
حجم الخط
-A

لا بد للنخب المدنية العربية المتنورة الحاملة همّ شعوبها والساعية لتقدمها الاجتماعي والثقافي والاقتصادي من لقاء بينها وتداول مشاكلها، وأهم هذه المشاكل العجز عن الفعل، العجز عن التلاقي، والخلافات الضاربة أطنابها على كل المستويات.

فلا يمكن للنخب المدنية المتنورة البقاء كنخب أو حتى كأفراد ومجموعات صغيرة إذا لم تعقد بينها أواصر اللقاء والحوار والتفاهم.. فالتحالف الشرير بين الأنظمة العربية وأجهزتها الموكلة بتدمير المجتمعات العربية لن تبقي أحدا في قلبه أو عقله بصيص نور، لن تبقي حجرا على حجر في هذا الشرق المسمى "عالم عربي" أو "وطن عربي" أو "الشرق الأوسط".. لذلك فأقل القليل وأوجب الواجب أن يلتقي المهددون معنويا ووجوديا لتدبير خطة للمقاومة، فليست المقاومة اليوم ومنذ 2011 إلا مقاومة الأنظمة العربية وكيلة أميركا وروسيا وإسرائيل، والصراع مع الأنظمة الوكيلة ومقاومتها أصعب وأشدّ مرارة من صراع ومقاومة النظام الدولي والإمبرياليات القديمة أو الجديدة.

وللأسف ليس بين القوى المدنية العربية ولاسيما القوى المعارضة لأنظمتها أي تنسيق أو علاقة ما عدا علاقات محدودة فردية إنسانية غير سياسية. فلم يعد مقبولا بعد الآن بقاء القوى الفاعلة المعارضة داخل كل بلد عربي تقاتل كل منها وحدها وحشها الخاص أو النظام الحاكم في بلدها، فيما التنسيق الأمني والاستخباراتي قائم بين أنظمة العصابات العربية الحاكمة بل هو تنسيق عابر للحدود البينية ليطول كل مكان في العالم، تدعمه شركات متعددة الجنسيات وبرامج تجسس على أي معارض عربي فعّال أو مؤثر في جمهور بلده.. بل إن حلف الأنظمة العربية يستغل التحالف الدولي لـ "مكافحة الإرهاب" ويستخدمه لمحاربة المعارضين العرب، فأي اسم يرسله جهاز أمن عربي لجهة أوروبية أو آسيوية منضمة للحلف الدولي إياه، يصبح داخلا في داتا قائمة الإرهابيين أو المشتبه بهم، حتى لو كان صاحبه علمانيا أو غير مسلم ولا علاقة له من قريب أو بعيد بالإسلام السياسي.

المعرفة الدنيا بأمن المعلومات والمجموعات:

فيما تفتقد كل المعارضات العربية بالمقابل إلى أدنى اهتمام بالمسألة الأمنية التي تحصنها من الاختراقات التي تستطيع ليس فقط جمع المعلومات من قلب تلك المعارضات والإصغاء عن قرب إلى هواجسها وأفكارها وتمكّن الأنظمة وأجهزتها الأمنية من بناء شبكة دقيقة للفاعلين واتصالاتهم، بل صار اللعب على المكشوف على ذمة أحد المعارضين السوريين الذي اتهم أشخاصاً في المعارضة السورية بالعمل لحساب دول محددة، واستلام الأموال منها، ليتقاسمها بضعة قياديين فيما بينهم؟؟

ربما يحول دون التعاون والتنسيق بين النخب المدنية والمعارضات العربية هو تحول فكرة الوحدة في لا وعينا الجمعي إلى فكرة كريهة لأنها ارتبطت بالأنظمة العربية الديكتاتورية التي أشبعتها إهانة وشوهتها تماما بممارساتها المنفصلة تماما عما كانت تنادي به من وحدة واتحاد وتنسيق، حتى صار الناشط الثوري أو المعارض يقرف من كلمة وحدة أو اتحاد، وربما تكون هذه الكراهية المتأصلة في النفوس هي السبب في تفكك وتذرر المعارضة السورية مثلا إلى مئات المجموعات والجماعات المتخاصمة أو المتباعدة أو المتجاهلة والمتعالية تجاه بعضها البعض .

فهذه النخب المعارضة صارت تمارس ما أحسن النظام زرعه في نفوس السوريين طيلة عقود.. لتصبح الفردية والتفرّد هاجس كل سوري بعدما ارتبطت مفاهيم سلبية بفكرة الوحدة والاتحاد والعمل الجماعي أو العمل ضمن فريق..

في الحقيقة كانت الأنظمة العربية تعني بالوحدة العربية اتحادها كأنظمة وعصابات، ضد الشعوب العربية،

لذلك فمن الضروري إيجاد نوع ما من التنسيق والتعاون بين القوى الحقيقية المعارضة، ولا نقصد بها الأحزاب القومية المتهالكة والعميلة في أغلبها للأنظمة وأجهزتها، تلك التي في أحسن الأحوال تعادي أنظمة بلادها لكنها تتعامل مع أنظمة عربية أخرى وتتلقى منها الدعم في مقابل جنوح تلك الأحزاب المعارضة لتلميع الأنظمة العربية الداعمة لها.

الازدواجية في الموقف من الأنظمة ترجع إلى المقاربة الخاطئة التالية:

ينطلق هؤلاء من فكرة أن الأنظمة العربية ليست سواء، ففيها السيئ وفيها القبيح، ومنها المتوحش ومنها الأقل توحشا، وفيها الرحيم الذي يحاول الظهور بشكل محترم أو على الأقل بطريقة غير متوحشة ..

وقد يكون هذا الأمر صحيحا من حيث الشكل فقط، وبالنسبة لمن هم ليسوا مواطني بلد عربي بعينه، فمثلا قبل سنوات خلت كان معظم مواطني البلدان العربية والمعارضات العربية باستثناء مواطني سوريا ومعارضتها ينظرون إلى النظام السوري على أنه نظام اشتراكي ونظام مقاومة ومعادي لأميركا!!

كذلك كان معظم مواطني البلدان العربية ينظرون إلى النظام المصري على أنه نظام تطوير وتحديث لكن الواقع على خلاف ذلك، فهو أودى بالاقتصاد المصري إلى التهلكة وبالمجتمع المصري إلى حدود المجاعة.. وهذا ما كانت تقوله المعارضة المصرية لكن المعارضات العربية لم تكن تصغي إليها، وأصبح اليوم جليا عبر وسائط التواصل الاجتماعي وقنوات اليوتيوب.

وبناء على ما سبق كانت المعارضات العربية لا تجد حرجا من التعامل مع النظام السوري أو على الأقل لا تجد حرجا في مدحه كآخر "نظام مقاومة وصمود"!!، فهي غير مطلعة على ما يحدث داخل سوريا، بسبب أن لا أحد يخبرها بما يحدث، وهنا تتحمل المعارضة السورية مسؤولية في ذلك بسبب غياب تواصلها مع المعارضات العربية، وقل الأمر عينه بالنسبة لبقية المعارضات العربية في مواقفها من بقية الأنظمة العربية.

لكن هذه الظاهرة العريقة تراجعت اليوم إلى حد ما، بعد الربيع العربي وبعد ثورة الاتصالات وصعود وسائط التواصل الاجتماعي لتحتل مرتبة متقدمة في إمكانية الحصول على المعلومة الدقيقة لحظة بلحظة من قلب الحدث في أي مدينة أو بلدة عربية..

لذلك لا عذر للمعارضات العربية وللنخب المدنية ولكل الجماعات والمجموعات المعارضة وحتى الأفراد منهم من البقاء متباعدين لا مبالين بما يجري على المستوى العربي.. فلا بد من إنضاج طريقة سهلة أو ميسّرة للقاء القوى الاجتماعية الفاعلة على المستوى العربي وفتح حوارات ما بينها لإنضاج فهم لما يجري ولتنسيق المواقف ووضع خطط للمستقبل لمواجهة الخراب الذي أحدثته الأنظمة الحاكمة الذي ربما يفوق ما أحدثته الاحتلالات الاستعمارية بالشعوب العربية.